ماذا بقي من إرث ثورة 25 يناير 2011؟
لايزال محمد اليماني، ينتابه شعور بالاضطراب عندما يمر بميدان التحرير، مهد ثورة 25 يناير/كانون الثاني، بين ذكرى مؤلمة بفقدان صديقه بطلق ناري إبان الاحتجاجات، وذكرى أخرى تجعله فخورا بأنه شارك في إزاحة نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك بعد 30 عاما في الحكم.
يتذكر اليماني، اندلاع الاحتجاجات حيث يقطن وسط القاهرة، "كنت في منتصف العشرينات، نزلنا للشوارع للتظاهر.. لم نتوقع أن تنجح ونفرض رأينا ونطيح بالنظام".
اختلفت الأجواء في الميدان بعد 11 عاما، توسطته مسلة أثرية وأربعة كباش، بعد خضوعه لعملية تطوير في أبريل/نيسان الماضي. "الميدان أصبح أنظف وأجمل، لكن مطالبنا لم تتحقق بعد"، يقول اليماني وهو في الثلاثينات ومن جيل الثمانينات الذي تصدر الثورة.
لكنه عاد ليقول "كي نكون منصفين هناك محاولات من الحكومة لإصلاح الأوضاع فقد مررنا بثورتين ونواجه الآن وباء كورونا، وبالتالي لن يتغير شيء في يوم وليلة".
كان عام 2014، آخر احتفال حاشد في ميدان التحرير بذكرى ثورة 25 يناير، حين توافد المئات على الميدان بعد الإطاحة بالرئيس السابق الراحل محمد مرسي وليطالبوا وزير الدفاع –آنذاك- عبد الفتاح السيسي بالترشح للرئاسة الذي فاز بها في يونيو/حزيران من العام ذاته.
لكن منذ ذلك الحين، لم تحدث احتفالات في الميدان ، كما فرضت الحكومة إجراءات أمنية مشددة دائمة منعا لأي تظاهرات. في المقابل عاد عيد الشرطة المصرية ليسيطر على الأجواء والذي يصادف يوم 25 يناير أيضا.
يقول الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأمريكية في القاهرة إن النظام الحالي في مصر يريد "إزالة الروح الثورية من الشارع المصري والشباب، في الوقت نفسه لم يعد الناس يهتمون بمطالب الثورة، بدليل فشل كل دعوات التظاهر طوال السنوات الماضية" ويضيف بأن "المجتمعات في الشرق الأوسط استبدادية أسوة بالأنظمة الحاكمة".
أما ياسمين عبداللطيف، فقد عايشت الثورة عن بعد لصغر سنها حينها، وبالتالي لا تكترث كثيرا بذكراها، وتقول "كنت مشغولة بدراستي، وتابعت أحداثها من وراء شاشة التلفاز". مرت السنوات وتخرجت الشابة المصرية من كلية الاقتصاد والسياسة بجامعة القاهرة، وهي الآن ترى أن الثورة فشلت في تحقيق مطالبها "عيش وحرية وعدالة اجتماعية"التي تراها بديهية وصالحة لكل زمان ومكان.
وتضيف ياسمين عبد اللطيف: "الحريات السياسية لا أتمتع بها ولا أستطيع أعبر عن رأيي، ليس بسبب تقصير الحكومة فقط، ولكن أيضا المجتمع متشدد ومنغلق للغاية ولا يشجعني على التعبير عن أفكاري". لهذا تشعر ياسمين بالضيق لأنه الوضع لن يتغير بسهولة.
تعثر الثورة
وبعكس كثير من نشطاء الثورة الشباب الذين تواروا عن المشهد المصري، واظب عبد المنعم إمام على المشاركة في كل التفاعلات السياسية، ويترأس الآن حزب العدل ويشغل أمين سر لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب المصري. يقول في حديث مع دويتشه فيله إن الحرب على الإرهاب والتداعيات الاقتصادية غير العادية التي مرت بها البلاد أدت إلى تعثر نجاح الثورة على المستوى السياسي في السنوات الماضية.
ويضيف إمام أن الثورة تظل حدثا مهما وفاصلا في تاريخ مصر. لكن لـ "سوء الحظ أن جماعة الإخوان المسلمين اختطفت الثورة وتصدرت المشهد رغم أنها آخر من جاءت إلى الميدان، قبل أن يطيح الشعب بها في 30 يونيو/حزيران 2013، ثم أدخلت البلاد بعدها في موجات عنف وعمليات إرهابية"، بحسب إمام. وهو ما يفسر الهدوء الذي يصاحب ذكرى الثورة هذا العام حيث يشعر المصريون بالتعب، بحسب إمام.
ويعلق الكاتب الصحفي والمحلل السياسي المصري، عبدالله السناوي بأن الثورة "اختُطفت مبكرا من الإخوان وأُجهضت بعد ذلك وجرى التنكيل بشرعيتها، فلا هي حكمت وفق أهدافها ومبادئها، ولا هي غيّرت البنية الاجتماعية أو ساهمت في طلب الدولة الديمقراطية المدنية الحديثة". غير أنه يرى أن "قوتها الكامنة ما زالت حاضرة فى صدور وضمائر الأجيال الشابة بما يلهم المبادئ نفسها".
ما الذي تحقق من مطالب الثورة المصرية؟
وحول ما تحقق من مطالب الثورة، يقول عضو البرلمان المصري، إن شرعية الثورة موجودة في الدستور، والحكومة والنظام الحالي جاء من رحمها ولا أحد يستطيع إنكار شرعيتها الدستورية.
ويضيف إمام، "نحن في وضع مثل مباراة الملاكمة وتبادل الضربات السياسية لإحداث تغيير وكسب النقاط مع الوقت، ومعها ستتحقق مطالبنا". ويوضح بأن "هناك تغيير حدث في التعاطي مع ملفات عديدة مثل قطاع الصحة والعشوائيات، ومن كان يتخيل أن أوضاع سكان العشوائيات ستتغير إلى الأفضل".
وبحسب البيانات الرسمية، انتهت مصر من تطوير 80 بالمائة من المناطق الخطرة فى مختلف المحافظات ضمن خطتها للقضاء على العشوائيات بحلول عام 2030.
ويتابع إمام: "نحن الآن في مرحلة بناء النظام السياسى التي بدأت بعد 2020 بعد انتهاء الحرب على الإرهاب"، لافتا إلى أن مصر تشهد فترة جديدة لها انعكاساتها على ملف الحريات مع تطبيق الإستراتيجية الجديدة لحقوق الإنسان.
وفي 25 أكتوبر/ تشرين الأول، أعلن السيسي، إلغاء الطوارئ بعد فرضها في البلاد لعدة سنوات، معتبرا أن مصر باتت "واحة للأمن والاستقرار" في المنطقة.
غير أن الوضع الحقوقي في البلد خلال السنوات الأخيرة يثير قلق المجتمع الدولي، إذ تشير منظمة العفو الدولية إلى أن السلطات المصرية "تستمر في معاقبة المعارضة، وتقمع الحق في التجمع السلمي وتكوين الجمعيات خصوصا تلك المتعلقة بحقوق الإنسان، فضلاَ عن استخدام القوة الأمنية بشكل غير قانوني والاحتجاز التعسفي في ظل ظروف غير إنسانية، وحرمان السجناء من الرعاية وإصدار وتنفيذ أحكام بالإعدام".
وتشير هيومن رايتس ووتش إلى أوضاع مشابهة، ومن ذلك استخدام "تهم الإرهاب ضد النشطاء السلميين ومضايقة أقارب المعارضين في الخارج"، وكذلك "سجن صحفيين ونشطاء بتهم ذات دوافع سياسية". وتتحدث المنظمة عن أن البلد يعيش أسوأ أزمة حقوقية منذ عقود.
تغيير في الأفق!
يعلق الصحفي عبد الله السناوي، بأنه يرى إشارات قد تكون نية لدى الحكومة في فتح المناخ العام، ولكن السياسة لا تُدار بالنوايا الحسنة، بحسب وصفه، مضيفا في الوقت نفسه أنه "لا يجوز مطالبة عامة الشعب بتأييد ومبايعة السلطة، دون منحهم حق النقد والحرية".
وردا على أسئلة حول أوضاع حقوق الإنسان، قال السيسي في تصريحات صحفية بمنتدى شباب العالم في 13 يناير: كانون الثاني، إنه مستعد لإجراء انتخابات رئاسية سنويا شريطة توفير تكلفتها. وأضاف السيسي: "سأرحل إذا المصريون لا يريدونني، غير ذلك تبقى محاولات للإساءة وتشويه لشكل الدولة، نحن ندير سياساتنا بمنتهى التوازن والاعتدال".
وتقبع مصر في خانة الدول غير الحرة على مقياس فريدوم هاوس، إذ لا تملك سوى 26 على مئة في تقرير 2020 مقارنة بـ37 على مئة عام 2016، كما توجد في المركز 166 من بين 180 دولة ومنطقة عبر العالم في مؤشر حرية التعبير الذي تصدره مراسلون بلا حدود.
ووصلت الانتقادات الدولية حد مجلس حقوق الإنسان الأممي الذي أصدر بيانا صوتت عليه 31 دولة عبر العالم، أعربت فيه عن قلقها العميق إزاء انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، وهو ما ردت عليه هذه الأخيرة بأنه لا يوجد حكم بالحبس إلا بناء على جريمة تبرّر ذلك، وأن على الدول الموقعة "النأي عن تسييس قضايا حقوق الإنسان لخدمة أغراض سياسية أو انتخابية".
بدوره يرى الدكتور سعيد صادق أستاذ علم الاجتماع السياسي، أن "النظام الحالي يدرك أن هامش الحرية أواخر حكم مبارك أحد الأسباب الرئيسية لاندلاع الثورة ضده"، وأكد أن السيسي نجح في خلق قواعد شعبية له بين فئات شعرت أنها تضررت من اضطراب الأوضاع بعد الثورة مثل الأقباط والمرأة ورجال الأعمال وأعيان الريف بالإضافة إلى الدولة العميقة بمؤسساتها الأمنية والعسكرية.
كما أن الثقافة السياسية السائدة في تلك المنطقة الإقليمية المضطربة أمنيا، تفضل الرجل القوي، وهو ما أظهره السيسي ومكنه من كسب شعبية الرأي العام الداخلي واستعادة علاقات مصر الخارجية، بحسب صادق.
في الوقت ذاته، يقول صادق إنه رغم كل التضييقات أصبحت هناك أجيال جديدة لم تعاصر الثورة لكنها تربت على السوشيال ميديا وتحمل طابعا نقديا في العديد من القضايا الاجتماعية وباتت أداة ضغط خارج سيطرة النظام.
فيما تخوض ياسمين (الشابة المصرية) تجربة جديدة لها في الانضمام إلى الحزب المصري الديمقراطي المعارض كي تتعرف على الحياة السياسية في مصر. وتقول: "سأستمر في التمرد على المجتمع لأنني لا استطيع أن أظل سلبية".
م.م / ا.ع - القاهرة/بون
حقوق النشر: دويتشه فيله
....................................................
طالع أيضا
الخطايا السبع للمعارضة المصرية منذ ثورة يناير
مصر - سلاح التشويه لاأخلاقي ويؤذي المعارضة "أكثر من غيره"
الحكم الرشيد وليس الاستبداد هو المفتاح إلى الاستقرار في الأمد البعيد
"قانون الإرهاب يطيح بحرية الصحافة في مصر ولا يعاديها فقط"
عصف ممنهج بمعايير المحاكمة العادلة في مصر
تحية لذاكرة الألم المصري وللكاتب الشجاع علاء الأسواني
الدولة التسلطية تفرز مجتمعا تسلطيا تعزز به سلطتها
....................................................