دماء وعرق ومخدرات

في معالجة درامية تمتاز بالجرأة والشجاعة تطغى عليها في كثير من الأحيان لغة العنف يحاول فيلم "شيكو" للمخرج الألماني التركي أوزجور يلديريم تسليط الضوء على المشكلات الاجتماعية للشباب الألماني من أصول مهاجرة وتداعياتها كالجريمة والاتجار بالمخدرات وتأثيرات ذلك على عملية الاندماج في المجتمع الألماني. أمين فارزان أيفار في عرض لهذا الفيلم.

​​حاز فيلم "شيكو" إعجاب الجمهور في مهرجان برلين السينمائي هذا العام. هذا الفيلم الذي يتعرض لأجواء العصابات والمخدرات كان في رأي عديدين يستحق الجائزة الأولى، وليس الفيلم الجنوب أفريقي الذي حصد الجائزة. غير أن "شيكو" لم يكن معروضاً في المسابقة الرئيسة، بل كان مختبئاً في مسابقة جانبية صغيرة.

"شيكو" فيلم ألماني، أنتجته شركة فاتح أكين "كوراثون"، وأخرجه الألماني التركي الأصل أوزغور يلدريم، وتجري أحداثه في حي العاهرات في هامبورغ. وهكذا اندلع في المؤتمر الصحفي الذي عُقد بعد عرض الفيلم نقاشاً حول الاندماج والمجرمين الأجانب. هذه الأيام يبدأ عرض الفيلم في صالات السينما الألمانية.

أحلام ممزوجة بنكهة العنف

تبدو الحكاية معروفة: عيسى، المدعو "شيكو" يريد الصعود إلى القمة بسرعة، وبوحشية إذا تطلب الأمر. بمساعدة زملائه القدامى يتخلص من تجار المخدرات الصغار الذين يعترضون طريقه. يعترف زعماء الحي بطموح شيكو وموهبته، ويساعدونه على تحقيق قفزة كبيرة في عالم الاتجار بالكوكايين. نقود سريعة، سيارات سريعة، امرأة جديدة – يبدو شيكو وكأنه قد وصل إلى غاية أحلامه. غير أن التحليق في الأعالي ينتهي بسقوط عنيف في دائرة العنف بعد أن يحدث تقارب بين عشيقة شيكو وصديقه القديم طيبت. بإيقاع لاهث وممثلين متألقين وموسيقى مناسبة تماماً للأحداث يروي المخرج الشاب أوزغور يلدريم هذه الدراما حول المال والمخدرات والصداقة والخيانة.

عفاريت الرعب

​بشجاعة يبالغ المخرج في سرد الأحداث، بالرغم من ذلك فإنه متمكن تماماً من أدواته. يثير "شيكو" أجواء تُذكّر بكلاسيكيات أفلام العصابات، مثل: Scarface وMean Streets و Raging Bull، وهي أفلام اتكأ عليها المخرج في فيلمه. ومع ذلك فإن الفيلم لا يفقد أبداً جذوره التي تضرب في أعماق مدينة هامبورغ: في حي دولسبرغ نشأ المخرج يلدريم، وهو قد استلهم أشياء عديدة من سيرته الذاتية في كتابة سيناريو الفيلم. غير أن باكورة أفلام المخرج المتحمس الذي لم يتعد الثامنة والعشرين حصدَ إلى جانب المديح تعليقات قلقة، فالفيلم عُرض وسط نقاش ساخن تحوم فيه أشباح تثير الخوف، تتجسد في عبارت مثل: "الشبان الأجانب المجرمين" – أشباح لا يريد أحد أن يستدعي حضورها، غير أن يلدريم يستحضرها بقوة.

غير أن السؤال المطروح في الواقع هو: ألا يؤدي هذا الفيلم خدمة عظيمة للجالية التركية وذلك بعرضه الكليشيهات والصور النمطية السائدة عنهم – لغة فظة، استخدام مفرط للعنف – أي بعرضه هذا النموذج للاندماج الغائب... هناك ملاحظات عديدة يمكن إبداؤها بالطبع. من ناحيته يتخذ أوزغور يلدريم موقفاً واضحاً، ويقول:
"الرسالة الأخلاقية الواضحة للفيلم هي: مَن يستخدم العنف، يُقابل بالعنف، والعنف له عواقب وخيمة، العنف قبيح، ويقود إلى الكارثة. هذه هي الرسالة التي يجب على كل مشاهد أن يفهمها، وإلا فإنه يكون قد شاهد الفيلم بعين واحدة".

الإعلام والاستهلاك والعنف

بالرغم من كل ذلك فإن السؤال قديم قدم وسائل الإعلام: ما هو التأثير الذي تمارسه أفلام العنف على المشاهدين من الشبيبة؟ بعض الأفلام المناهضة للحرب تتحول فجأة إلى أفلام حربية لأن تصوير الحرب والأسلحة والأبطال يجيء على نحو جذاب للغاية. هذا ما ينطبق أيضاً على "شيكو"؛ فمن ناحية يشعر المشاهد بالنفور من جمال الصورة البارد والموسيقى الصاخبة واللغة الفظة، ومن ناحية أخرى يشعر بالانجذاب.

​​ولكن الأهم من النظريات الإعلامية الجافة هو ما قاله يلدريم عن الأفلام ووسائل الإعلام التي أثرت على بطل فيلمه شيكو: "هو لم يشاهد بالضرورة أفلاماً، يكفي أن يكون قد شاهد محطة الأغاني "إم تي في": هناك يرى المرء المغني "50 سنت" وهو يلوح بدولاراته، ثم وهو يمسك بأراداف النساء العاريات وينطلق في الشوارع على دراجة بخارية سريعة. ثم نشاهد باريس هيلتون وهي تتعاطى الكوكايين أو ما يقدم في الحفلات – البعض يقول "واو! لماذا لا أحصل على هذه الأشياء؟" السينما مجرد انعكاس، إنها تتناول ما يحدث في المجتمع." لا يتناول فيلم يلدريم في الواقع الفروق الثقافية بين الألمان والأتراك، أو بين المسيحيين والمسلمين، إنه بالأحرى فيلم عن الحدود الاجتماعية التي تفصل بين الأقلية الثرية والأغلبية المهمشة.

ما وراء الخير والشر

غالباً ما تثير الأفلام التي تعالج إشكاليات الاندماج على الفور اعتراضات سياسية. هذا أمر ينطبق على السينما الألمانية-التركية منذ تأسيسها: ففي عام 1998 قدم فاتح أكين، منتج "شيكو"، فيلماً مشابهاً تماماً بعنوان "بسرعة وبلا ألم" – كان ذلك أول أفلامه، وهو فيلم مرح وساخر، رومانسي وتراجيدي عن المجرمين الصغار في حي البغاء في هامبورغ. بفيلمه قدم أكين آنذاك لأول مرة حكاية متعددة الإثنيات. قدم أكين فيلماً جذاباً ومثيراً ومشوقاً بأبطال أتراك واثقين من أنفسهم، وليس "فيلماً إشكالياً" أو "دراما اجتماعية"، ولهذا تعرض آنذاك أيضاً للنقد الذي أجبره على تقديم تبريرات لفيلمه.

في هذه النقطة كانت أفلام هوليوود أكثر تقدماً: فالمخرجون الأمريكيون ذوي الأصل الإيطالي – سكورسيس أو كوبولا أو دو بالما – الذين كانوا في أفلامهم يتناولون أيضاً هجرتهم إلى أمريكا، ويفرطون في تقديم الصور الدامية السوداوية – ليس عليهم تبرير ما يفعلون من ناحية "صوابيته السياسية". فيلم "لا بلد للمسنين" – الذي يعوم بكل معنى الكلمة في الدماء والعرق والمخدرات – حصد جائزة الأوسكار. أما عندما يتعرض فيلم ألماني لموضوعات مشابهة فإن صنّاعه يجدون أنفسهم مجبرين على تقديم التبريرات.

ربما يتحتم علينا أن نرى فيلم يلدريم العنيف باعتباره فرصة للسينما الألمانية، باعتباره مرافعة مقنعة للأفلام التي تقدم بيئة معينة، وهي أفلام لا تلقى حتى الآن إقبالاً بين صنّاع الأفلام في ألمانيا، أو حسبما قال المخرج: "نحن لم نصنع هذا الفيلم لأسباب تربوية، لأننا لا نستطيع تغيير شيء في هذا الشأن. بالرغم من ذلك فأنا أعتقد أن باستطاعتنا أن نحقق بهذا الفيلم أكثر مما حققه (رئيس وزراء هيسن) رونالد كوخ، لأنه ببساطة لا يتحدث لغة هؤلاء الشباب. إننا نتحدث على الأقل هذه اللغة ولذلك فنحن أقرب إليهم – نحن رفقاء لهم، أكثر من كوننا أساتذة أو معلمين أو آباء صارمين".

أمين فارزان أيفار
ترجمة: صفية مسعود
قنطرة 2008

قنطرة

فيلم "عبور الجسر – أصوات اسطنبول" لفاتح أكين:
"تركيا بحاجة إلى الهيب هوب"
في فيلمه الجديد "عبور الجسر – أصوات اسطنبول" يقوم المخرج الألماني-التركي فاتح أكين برحلة بحث عن معالم موسيقية في اسطنبول. فينشأ عن هذه الرحلة تكريماً مفعماً بالرقة للموسيقيين وللموسيقى النابضة والمتنوعة والمثيرة في هذه المدينة. تقرير بيترا تابلينغ.

جائزة:
قنبلة سياسية واجتماعية
حصل الفيلم "ضد الحائط" للمخرج فاتح أكين، التركي الأصل والمقيم في ألمانيا، على الدب الذهبي في مهرجان برلين السينمائي الدولي. زيلكه بارتليك تعرفنا بالفيلم والمخرج.

السينما التركية:
أغلال التقاليد والكليشيهات
الفيلم التركي كان يعرض فقط في أوساط تجمعات العمال الوافدين، في ألمانيا الستينيات. أما اليوم فالسينما التركية أصبحت رائجة دولياً. لكن العديد من القيود ما زالت تكبل المخرجين والممثلين. تقرير لينارت ليمان.