من سجين إلى رئيس للبلاد
في عام 2004 تم الإفراج عن آصف علي زرداري بعد ثمانية أعوام من الاعتقال - قضاها في السجن بناءً على اتهامات لم تثبت صحتها على الإطلاق. وقد عاش في الخارج حتى الاعتداء الذي تعرّضت له زوجته في الـ27 من كانون الأول/ديسمبر 2007. وبعد عودته إلى باكستان تولى زعامة الحزب حزب الشعب الباكستاني الذي أوصله في شهر شباط/فبراير الماضي إلى الفوز في الانتخابات البرلمانية الباكستانية.
ولكن على الرغم من أنَّ حزب الشعب الباكستاني استطاع حصد معظم المقاعد البرلمانية لصالحه، إلاَّ أنَّه لم ينجح في تحقيق أغلبية برلمانية واضحة. غير أنَّ آصف علي زرداري استطاع من خلال قيامه بعدد من المناورات السياسية تشكيل حكومة ائتلافية يمكن أن تعتمد على قاعدة واسعة وغير متجانسة في جميع أرجاء باكستان.
وحتى أنَّ الكثير من خصومه اضطروا إلى الإقرار بأنَّ زرداري نجح من الآن وصاعدًا في تجنّب المواجهات العلنية. ولكن خصومه كانوا يفزعون من تصوّر أن يتم انتخابه رئيسًا للبلاد؛ ولكن منصب الرئاسة أصبح شاغرًا في الشهر الماضي، وذلك عندما تحتَّم على برويز مشرف إعلان استقالته، لكي يتجنّب بذلك تعرّضه لدعوى إقالته من منصبه. وكان من الواضح قبل ذلك بفترة قصيرة أنَّ آصف علي زرداري يرغب في التسامح مع برويز مشرف، بغية مجاملة الأمريكيين الذين كانوا يخشون من خطر تعرّض السلطة في باكستان لفراغ سياسي، يحدث في هذه الدولة التي تقع على خطّ المواجهة في الحرب على حركة الطالبان.
ولكن بعد ذلك صار آصف علي زرداري يلتف حول اتجاه نواز شريف، زعيم حزب الرابطة الإسلامية الباكستاني الذي يعتبر ثاني أكبر حزب ائتلافي في باكستان، كما أنَّه أعلن عن عزمه المشاركة بصورة فعّالة من ذلك الحين وصاعدًا في عزل برويز مشرف من منصبه.
"السيد عشرة في المائة"
كان اسم آصف علي زرداري قد تحوّل طيلة أعوام عديدة إلى رمز للفساد السياسي. فبسبب سمعته أطلق عليه المرء لقب "السيد عشر في المائة"، وذلك نظرًا لحصوله وبشكل دوري أثناء تولي زوجته رئاسة الوزراء للمرة الثانية في التسعينيات على "عمولات" باهظة عن إرساء المناقصات التي تطرحها الدولة. وبناءً على ذلك يمكن للمرء أن يعتقد أنَّه سوف يستغل منصبه الجديد في الحصول على المزيد من الأموال. ولكن على الرغم من ذلك لم يصدر في الأعوام الإحدى عشر الأخيرة حكم بحقه غير قابل للطعن والنقض.
وفي عام 2007 تم إلغاء جميع القضايا المرفوعة بسبب جرائم تم ارتكابها في الفترة من عام 1990 حتى عام 1999. وقد تم إلغاء تلك القضايا بناءً على الإجراء القانوني المعروف باسم "قانون المصالحة الوطنية" (NRO) الذي أصدره برويز مشرف كجزء من صفقة معقدة أجراها مع بينظير بوتو - استجابة لضغوطات واشنطن. وصحيح أنَّ هذا القانون جاء في مصلحة المئات، لكن لقد كان ينظر إليه على العموم باعتباره "قانون بوتو".
وهذه الصفقة هي التي مكَّنت بينظير بوتو من العودة من المنفى إلى باكستان والمشاركة في المعركة الانتخابية الخاصة بالانتخابات التي أجريت في شهر كانون الثاني/يناير من هذا العام. ومن وجهة نظر الأمريكيين كان ينبغي لحزب الشعب الباكستاني الليبرالي أن يضفي شرعية سياسية على الحرب التي يخوضها برويز مشرف ضدّ التطرّف الإسلاموي.
سلطة الرئيس
غير أنَّ الاعتداء الذي راحت ضحيته بينظير بوتو غيَّر فجأة الخارطة السياسية؛ كما أنَّ انتخاب آصف علي زرداري مؤخرًا طرح حتى الآن أسئلة أكثر من الإجابات التي قدّمها. وحتى الآن يعمل زرداري بحذر؛ فهو لا يريد تغيير الجيش الذي سوف يظلّ يشكِّل في المستقبل المؤسسة الأقوى في باكستان والذي تدخّل أكثر من مرة في شؤون البلاد السياسية. إذ كان الجيش يحدِّد مباشرة تاريخ باكستان طيلة فترة تزيد عن نصف وجود باكستان كدولة ذات سيادة سياسية مستقلة.
ويلاحظ النقّاد أنَّ آصف علي زرداري يعدّ الآن الرئيس المدني الأقوى الذي تولى رئاسة باكستان على الإطلاق. ويعتبر منصب الرئيس في الدستور الباكستاني الأساسي قبل كلِّ شيء منصبًا ذا طابع رمزي. غير أنَّ برويز مشرف وبعد انقلابه العسكري عمل على إصدار المادة السابعة عشر وإضافتها إلى الدستور الباكستاني، هذه المادة التي منحته سلطات غير محدودة.
ولما كانت بينظير بوتو ما تزال على قد الحياة وقَّعت سوية مع نواز شريف على اتِّفاق يهدف إلى إلغاء هذه المادة الإضافية من الدستور. والآن يتساءل بطبيعة الحال الباكستانيون عما إذا سيظلّ آصف علي زرداري مخلصًا لنوايا زوجته، حتى وإن كان قد أعلن في الفترة التحضيرية مرة تلو الآخرى عن أنَّه يريد التنازل عن ممارسة حقّه في القيادة العسكرية وفي حلِّ البرلمان.
كرة قدم سياسية
ومن المحتمل أن يستخدم آصف علي زرداري هذا القانون كمادة للتفاوض من أجل جعل نواز شريف يتخلى عن إعادة قاضي القضاة افتخار شودري إلى منصبه في رئاسة المحكمة العليا الباكستانية، الذي أقاله منه برويز مشرف في العام الماضي. لقد أدّى عزل شودري من منصبه إلى قيام احتجاجات شديدة من جانب القضاة والمحامين ولكن كذلك من قبل قطاعات واسعة من المجتمع المدني. ومنذ الانتخابات البرلمانية التي أجريت في شهر كانون الثاني/يناير استطاع نواز شريف من خلال مطالبته بإعادة شودري إلى منصبه كسب المزيد من التأييد لدى المواطنين.
وعلى الرغم من المفاوضات طويلة الأمد والاتّفاق الذي وقّع عليه شريف وبوتو، فإنَّ آصف علي زرداري لم يؤيِّد حتى الآن بوضوح عودة افتخار شودري إلى منصبه. ومن الممكن أن يكون هناك سبب لذلك يكمن في أنَّ هذا الرجل القانوني الذي يفكِّر تفكيرًا مستقلاً لا يستحسن كثيرًا "قانون المصالحة الوطنية" - "قانون بوتو"، وعلى الأرجح أنَّه سوف يستأنف القضية التي كانت مرفوعة على آصف علي زرداري. وبما أنَّ افتخار شودري يعدّ من أنصار حزب نواز شريف فقد أصبح كرة قدم سياسية في ملعب الخصمين - زرداري وشريف.
تهديد الإسلامويين
والآن صار آصف علي زرداري - في الوقت الذي أصبح فيه رئيسًا للبلاد - يرى نفسه في مواجهة مجموعة كاملة من التحديات؛ أولاً في مواجهة خطر الجماعات الإسلاموية العسكرية التي تمارس عملها انطلاقًا من المناطق القبلية الباكستانية. ففي العام الماضي تم في خمسين اعتداء انتحاري قتل نحو ألف شخص في جميع أنحاء باكستان. وكذلك تهدِّد الميليشيات المسلحة بمواصلة عملياتها في حال لم ينسحب الجيش من المنطقة الحدودية. وحتى الآن باءت محاولات التفاوض على عقد اتفاقيات صلح منفردة مع حركة طابان الباكستانية بالفشل، وذلك لأنَّهم كانوا يستغلون الزمان والمكان من أجل شنّ هجمات على أفغانستان.
أما حلف الناتو والحلفاء الغربيون فهم يستنكرون كثيرًا مثل هذه المحاولات. ولكن من ناحية أخرى أدَّت الغارة التي نفذها الأمريكيون مؤخرًا فوق التراب الباكستاني إلى إثارة موجة من السخط والاستياء.
ويعتبر الاقتصاد الباكستاني في الحضيض، كما أنَّ التضخّم المالي يصل تقريبًا إلى ثلاثين في المائة، بالإضافة إلى أنَّ سعر الروبية الباكستانية متأرجح والسوق المالية هي الأخرى في حالة حرجة. ومن الممكن جدًا أن يؤدّي حدوث انهيار اقتصادي في باكستان إلى جعل الجيش يتدخل من جديد، الأمر الذي يمكن لمنتقدي آصف علي زرداري أن يأخذوه دائمًا عليه - فما ينتظره لا يعتبر حلو المذاق.
عرفان حسين
ترجمة: رائد الباش
قنطرة 2008
عرفان حسين صحفي ومعلِّق باكستاني، يكتب منذ أكثر من ثلاثين عامًا للصحافة الباكستانية. ويتم نشر مقالاته في جميع الصحف الباكستانية المهمة. وحاليًا يكتب عمودًا أسبوعيًا لصالح صحيفة داون Dawn الباكستانية.
قنطرة
استقالة الرئيس الباكستاني برويز مشرف:
نهاية اللعبة السياسية
تخلى أخيرًا برويز مشرف عن رئاسة باكستان بإذعانه للضغوطات السياسية الداخلية، لاسيما في ضوء الإجراءات التي بدأها البرلمان منذ أسبوعين لعزله من منصبه. استقالة مشرف تعيد الحياة من جديد للمشهد الديمقراطي في باكستان وتضع حدا لسياساته التي تميزت بالمراوغة تارة وبالاحتواء تارة أخرى. تعليق من توماس بيرتلاين.
إداناة دولية لاغتيال بوتو
"يوم أسود للديمقراطية"
يسود إجماع دولي وإقليمي حول اغتيال "الارهاب الاسود" لرئيسة الوزراء الباكستانية السابقة وزعيمة حزب الشعب المعارض بنظير بوتو يوم الخميس الماضي، وسط تأجيج المخاوف من زعزعة استقرار باكستان وتداعيات ذلك على ترسانتها النووية
سيناريوهات النزاع الباكستاني:
إذا ما إذا ما تفتتت باكستان . . .
يحلل هيرفريد مونكلر الباحث في علم السياسة تواصل الأزمة السياسية في باكستان ويطرح السؤال التالي: ماذا سيحدث فيما لو تعرضت باكستان كدولة وكوحدة إقليمية إلى التجزئة وانقسمت إلى دويلات متعددة علما بأن الحكومة المركزية اليوم عاجزة عن السيطرة التامة على كامل أرجاء البلاد؟