ضائع بين كل الجبهات!

يتعرض الرئيس الباكستاني مشرف الآن الى ضغوط من جميع الجهات بعد العملية الدموية التي قادها ضد متطرفي المسجد الأحمر. الإسلاميون يعتبرونه عميلا أميركيا والليبراليون يرونه دكتاتورا لا تهمه سوى السلطة. بقلم توماس بيرتلاين.

​​يتعرض الرئيس الباكستاني مشرف الآن الى ضغوط من جميع الجهات بعد العملية الدموية التي قادها ضد متطرفي المسجد الأحمر. الإسلاميون يعتبرونه عميلا أميركيا والليبراليون يرونه دكتاتورا لا تهمه سوى السلطة. تعليق كتبه توماس بيرتلاين.

كانت نبرات الرئيس مشرف في كلمته التي ألقاها على الجماهير عبر التلفاز يوم الخميس الموافق الثاني عشر من يوليو/تموز – وهو اليوم الذي أعقب نهاية العملية العسكرية لإقتحام المسجد الأحمر في إسلام آباد – تبعث على التفكير.

فقد قال القائد العسكري الذي كان يرتدي زيا مدنيا إنها ليست لحظة للإفتخار بالنصر ولكن يوم للحِداد. وأضاف: "لقد حان الوقت لكي نمعن التفكير ونسأل أنفسنا: ماذا نريد نحن الباكستانيين أن نفعله لأنفسنا وبلدنا وديانتنا؟"

إجراءات عنيفة ضد المتطرفين

لم يحاول مشرف هذه المرة أن يلقي بالذنب على الأميركيين كما فعل بعد الحادي عشر من سبتمبر/أيلول. التهديدات التي جاءته من واشنطن آنذاك دوّنها مشرف منذ وقت قليل في سيرته الذاتية.
أما هذه المرة فقد وجد مشرف كلمات قوية ضد الإرهابيين واستغلالهم للدين، فقد كان على علم بأن أغلب الباكستانيين يشاركونه نفس الرأي بهذا الخصوص.

لم تكن هناك حتى الآن احتجاجات واسعة في المدن الكبيرة في البلاد ضد العملية العسكرية. وفيما بعد وعد بأن قوات الأمن ستتخذ إجراءات عنيفة ضد المتطرفين، وعلى وجه الخصوص في الإقليم الشمالي الغربي المجاور لأفغانستان، كما وعد أيضا بمزيد من الإصلاحات في مدارس القرآن بالبلاد.

من يصدق الرئيس؟

السؤال الآن هو: مَن لا يزال يصدق الرئيس؟ الليبراليون في باكستان لا يصدقونه منذ فترة طويلة. ويشيرون إلى أن الجيش - منذ أيام الدكتاتور ضياء الحق وحرب العصابات ضد الإتحاد السوفيتي في أفغانستان - لا يزال يستغل المحاربين الإسلامويين "الجهاديين" لصالحه.

وتقول السيدة أسماء جهانغير، رئيسة لجنة حقوق الإنسان المستقلة في باكستان: "إن العلاقة بين الجيش والملالي قوية وقديمة. حسنا! قد يكون الملالي وصلتهم بعد واقعة المسجد الأحمر الرسالة الآتية: انجزوا عملنا وافعلوا ما نمليه عليكم! إلى هذا الحد تكون الدنيا كلها بخير. أما إذا تجاوزتم ذلك قليلا فتبّا لكم".

إن الخطر الأكبر الذي يهدد مشرف في الوقت الحالي يأتي من المجتمع المدني والمعارضة المدنية التي تتهمه بعزل رئيس المحكمة العليا بطريقة استبدادية ويظنون أنه فعل ذلك حتى يضمن لنفسه إعادة انتخابه في الخريف القادم. هناك منذ شهور احتجاجات ضد ذلك، وكان هذا سببا في تعبئة الناس أكثر من اقتحام المسجد الأحمر.

يرى الصحفي الباكستاني نصرت جواد أن تصميم مشرف على مكافحة التطرف لن يفيده كثيرا على جبهة المجتمع المدني. ويقول: "إن التصميم على مكافحة التطرف يدل على أن الجيش سيواجه موضوع التطرف هذه المرة بطريقة جدية. أما في ما يتعلق بشخصه، فأعتقد أنه فقد مصداقيته. وإذا اعتقد بعض الناس أن هذه العملية سوف تعيد له شعبيته مرة أخرى أو تساعده على تفادي المشاكل التي يواجهها في المدة الأخيرة المتعلقة بإعادة انتخابه وبموضوع رئيس المحكمة العليا، إلا أنني أعتقد أن هذه العملية لن تفيده كثيرا".

ضياع الفرصة الأخيرة

يعتقد السيد حسين حقاني الخبير في الشئون الباكستانية لدى جامعة بوسطن أن مشرف الذي أوقع بتكتيكه الذي أثبت كفاءته حتى الآن بين كل خصومه، ضاعت منه الفرصة هذه المرة. ويعلق على ذلك قائلا:

"لقد أغضب الجيش جميع القوى المهمة في البلاد على وجه التقريب. إن الإسلامويين يكرهون الجنرال مشرف لأنهم يرونه عميلا للأمريكيين. والليبراليون يكرهونه لأنهم يعتبرونه دكتاتورا. والبلوش يكرهونه لأنه قتل زعيمهم نواب أكبر بكتي، والبشتون يكرهونه لأنه وضع الجيش في مناطق عشائرهم".

حتى في خارج البلاد لم تكن صورة برويز مشرف في الصحافة أسوأ مما هي عليه في هذه الأيام بعد حصار واقتحام المسجد الأحمر. فعلى سبيل المثال تعتبر تعليقات الصحف الألمانية كلها سلبية. أما عند أهم الحلفاء، أي الولايات المتحدة، فالوضع يختلف عن ذلك، وحكومة بوش تريد أن تحافظ على حلفها مع الجنرال.

إلا أن هناك أصواتا في واشنطن تطالب بحرية الإنتخابات والديمقراطية في باكستان. وهناك اقتراح لحل وسط شائع منذ فترة يقول بأن مشرف يمكنه أن يتصالح مع رئيسة الوزراء السابقة بنازير بوتو ليتقاسم السلطة معها.

إلا أن حسين حقاني يشك في فهم الجنرال للموقف، ولذلك يقول: "أرى مشرف متشبثا بالحكم بكل الطرق الشرعية وغير الشرعية. وهو ما يجعل الوضع الأمني والإستقرار في البلاد أكثر اضطرابا مما كانا عليه.

بقلم توماس بيرتلاين
ترجمة عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

"المسجد الأحمر" في إسلام أباد
تدور منذ أيام معارك بين قوات الأمن الباكستانية والمحاربين الإسلامويين حول "المسجد الأحمر" والمدارس الملحقة به في قلب العاصمة الباكستانية. تعليق توماس بيرتلاين