"الرئيس أحمدي نجاد حصيلة انقلاب انتخابي"

يرى الفقيه الشيعي وحامل لقب "حجة الإسلام"، حسن يوسفي اشكواري، في هذه المقالة أنه تم تزوير نتائج الانتخابات الإيرانية لصالح أحمدي نجاد. كما أكد أن هذه التجاوزات واضحة للعيان والحكم فيها لا بد أن يكون على أساس الدستور وسلطة الرأي العام.

لقد أدت وقائع انتخابات الرئاسة الإيرانية إلى إثارة جدال حول "المبادئ الإسلامية" بدلا من إجراء حوارات جدية حول نظام الحكم الجمهوري. كما أن النظام الديني (الثيوقراطي) لا يرتبط بالفهم العصري للنظام الجمهوري أو الديمقراطي، وفوق ذلك فإن رجال الدين يقولون إن هذا النظام الديني ملزم للمواطنين. ونجد الآن أن مبادئ الإسلام البدهية المفترضة في هذا النظام الديني لم تُراعَ في الانتخابات الحالية.

والحقيقة أن الإسلام، أي القرآن وسنة النبي يخلوان من مصطلحات عصرية مثل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان والجمهورية وتقسيم السلطة والانتخاب والبرلمان. وعندما قامت الثورة الإيرانية عام 1979 وبدأ آية الله الخميني ورجال الدين أمثاله بتأسيس نظام حكومي عصري جديد أسموه "الجمهورية الإسلامية"، تقوم على أساس الشريعة الإسلامية.

حق الحرية الشخصية داخل الجمهورية

وقد قام رجال الدين هؤلاء بتأسيس النظام الجمهوري مقابلا للنظام الملكي. وفي مقدمة الدستور وفقراته العديدة يجد المرء شروحا لذلك، منها على سبيل المثال ما ورد أن "الله جعل الإنسان مسؤولا عن إرادته"، أي أن أحقية السلطة متروكة للإنسان وأن السياسة تقررها انتخابات عامة (من بينها انتخابات المجالس والبرلمان والرئاسة والاستفتاء العام). وأكثر من ذلك فإن هناك شرحا مفصلا يقول إن البلد لا يمكن أن يظل يوما واحدا من دون برلمان. وتنص الفقرة التاسعة من الدستور على أن الحرية والاستقلال وجهان لعملة واحدة لا ينبغي أن تقف إحداهما عائقا أمام الأخرى، وأن سن القوانين لا يجوز أن يمس الحريات. وهناك أيضا فصل من الدستور تحت عنوان "حقوق الأمة" ينظم الحريات وأنشطة الأحزاب وحرية وسائل الإعلام وحرية التجمهر، ويحظر الرقابة على حرية الرأي والتعذيب.

جمهورية عصرية

وعلى الرغم من أن الدستور اختار "ولاية الفقيه" لأن تُصبح فيما بعد سلطة مطلقة، وعلى الرغم من أن كل الحريات والمشاريع القانونية التي تم التحقق من تماشيها مع مبادئ الإسلام من عدمه، وعلى الرغم من وجود تناقضات في بعض النواحي القانونية، فقد تم التصديق على مبادئ الجمهورية في الفقرة التاسعة من الدستور.

لقد تم تأسيس الجمهورية الإسلامية بناء على استفتاء شعبي ومن ثم اتخذت شرعيتها من هذا المنطلق. والآن فإن إيران عضو في الأمم المتحدة وقد وقّعت على مبادئ هذه المنظمة، ومن بينها إعلان حقوق الإنسان الصادر عام 1948. وهي أيضا عضو في البرلمانات الدولية، ولذا لا يمكنها أن تتنصل من الالتزامات المتعلقة بذلك.
وعندما صرح آية الله الخميني من باريس أن مفهوم الجمهورية بالنسبة له هو المفهوم السائد عالميا، حتى إنه أضاف أن الجمهورية الإسلامية تتخذ من الجمهورية الفرنسية قدوة لها، يعني ذلك أن مبادئ أي جمهورية حديثة لها أولوية في مقابل أي مبادئ أو آراء أخرى، مثل الشريعة.

الالتزام بمبادئ الجمهورية

وبناء على ذلك لم يكن زعماء جمهورية إيران الإسلامية مضطرين للالتزام بالقانون الإسلامي فقط ولكن عليهم أيضا الالتزام بمبادئ الجمهورية ومناهجها. لهذا فإنه عندما يريد هؤلاء الزعماء السير على منهج الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، فإنه يجب عليهم أن يجتهدوا في تفسير الشريعة بما يتماشى مع المبادئ الأساسية، مثل الحرية والديمقراطية ونظام الحكم الجمهوري. هذا وإلا فسيكون الإقرار بمبدأ الجمهورية وحقوق الشعب لا فائدة منه. أضف إلى ذلك تُلزم مبادئ الإسلام ومذاهبه زعماء الجمهورية الإسلامية بتطبيق كل مبادئ الدستور بما في ذلك المادة الخاصة بنظام الدولة الجمهوري والحريات وحقوق الشعب.

الوصاية على السلطة

​​ولا بد هنا من الإشارة إلى بعض المبادئ الإسلامية، وأولها أن القرآن والسنة النبوية يعتبران "حفظ الأمانة" واجبا أخلاقيا وجزءا ضروريا من الشريعة لا يمكن تجاهله. وعليه فإذا ائتمن أحد شخصا ما على مال فإنه ملزم بالحفاظ عليه وأن يرده إلى صاحبه في حينه كاملا غير منقوص. وإذا خان هذا المؤتمن الأمانة فيجب عليه التعويض. وطبقا لنفس المصادر الدينية فإن السلطة تعتبر أمانة ربانية بشرية أعطاها صاحب السلطة الحقيقي لفرد أو مجموعة أفراد.

بناء على ذلك فإن ذوي السلطان ملتزمون بالحفاظ على السلطة المخولة إليهم في نطاق الاتفاقيات المتبادلة وأن يردوا الأمانات إلى أصحابها الشرعيين. كما أن صوت الإنسان في الانتخابات يعتبر أمانة في عنقه يجب عليه التصرف فيها بحكمة.

والمبدأ الثاني هو أن الوفاء بالعهود يعتبر أيضا حسب المصادر الدينية الخاصة من المبادئ الأخلاقية للشريعة، ولا بد من الحفاظ عليها في كل العلاقات الاجتماعية، بدءا من الالتزامات الزوجية حتى المعاهدات الاقتصادية والسياسية. وفي النظام الجمهوري الديمقراطي المعاصر يعتبر الدستور معاهدة بين الدولة والشعب. وعليه فإن الجانبين ملتزمان بالوفاء بهذه المعاهدة، وليس لأحد الحق في نقضها من جانب واحد. وإذا قام أحد الجانبين بخرق المعاهدة فيُصبح الآخر في حِلّ من المسؤولية.

مسؤوليات العدالة

إن الإسلام دين يقوم على العدل. وكل علاقة بين الإنسان والخالق، وبين الإنسان والطبيعة، وبين الإنسان والمجتمع، وحتى بين الإنسان وبين نفسه، تقوم على هذا الأساس أيضا. لهذا أقر كبار فقهاء الشيعة مبدأ العدل أساسا للحكم، ويرون أن الدين يجب أن يفسّر على أساس العدل، وألا تفسر العدالة من منظور ديني. ويتم الحكم في المسائل القانونية في الفقه الإسلامي بناء على مفهوم العدالة، سواء المتعلقة بالسلطة أو السياسة أو الاقتصاد أو الأخلاق، وإلا فلا شرعية لها. ونخص بالذكر هؤلاء الذين ائتمنهم المجتمع على تمثيلهم في البرلمان حيث يجب عليهم أن يستوفوا معايير العدالة، بدءا من الأئمة ومرورا بالقضاة وبالقدوة الدينية ورجال السياسة في المجتمع الإسلامي. ومن لم يستوفِ شروط العدالة يترك منصبه تلقائيا، دون أن يحتاج الأمر إلى إقالته.

وبالنظر إلى انتخابات الرئاسة يجب علينا أن نبحث فيما إذا كانت هناك تجاوزات قانونية أم لا. هل كانت الانتخابات صحيحة وعادلة ونزيهة وفي إطار القانون؟ هل يمكن الاعتراف بنتائجها أم لا؟ على الرغم من أن المسؤولين يدعون أن الانتخابات كانت نزيهة وشرعية وأن النتائج المعلنة صحيحة، إلا أن المرشحين الثلاثة الخاسرين يختلفون مع هذه النتائج المعلنة ويعارضونها. وعلى وجه الخصوص يدعي مير حسين موسوي أنه حصل على أغلبية الأصوات وأن الشعب صوّت لصالحه، إلا أن أصواته ذهبت بطريقة غير شرعية إلى محمود أحمدي نجاد.

خرق المبادئ الأساسية

لا توجد في الوقت الحالي فرصة للتحقق من صحة أقوال الطرفين. بيد أن هناك دلائل واضحة على أن النتائج المعلنة ليست صحيحة وغير مقبولة. وعلى الأخص لا يمكن القبول بأن أحمدي نجاد حاز على هذا العدد الكبير من الأصوات في مقابل حصول مهدي كروبي على عدد قليل منها. إن من يقيم في إيران – على حد قول أنصار أحمدي نجاد أيضا – يعلم يقينا أن القائمين على الحملة الانتخابية لكروبي وأفراد عائلته لو أعطوه أصواتهم لبلغ عددهم بضعة ملايين صوتا. فكيف يمكن للمرء أن يصدق أنه حصل على ثلاثمائة ألف صوت فقط؟

لقد زوّرت الانتخابات لصالح أحمدي نجاد، والتجاوزات واضحة للعيان. وربما أراد نجاد أن يستعرض قواه أمام منافسيه أنصار الإصلاح - الذين تساندهم أغلبية الشعب الإيراني - كي يذلّهم ويبعدهم من المسرح السياسي للأبد.
إذا كانت نتائج الانتخابات مزورة أو غير صحيحة وأن اختيار أغلبية الشعب لم يلق اعترافا عن قصد، وأن الرئيس المنتخب ليس إلا حصيلة انقلاب انتخابي، فعلى المرء أن يتيقن أن المبادئ الأساسية للحكم الجمهوري انتُهكت في هذه الانتخابات، وأن المرء تغافل عن قصد عن مبادئ الشريعة الإسلامية.

يجب على المسؤولين في الجمهورية الإسلامية أن يفوا بشروط الأمانة وأن تكون تصرفاتهم مطابقة لها. ويجب عليهم أن ينقادوا للدستور حتى يمكنهم قيادة البلاد في نطاق المعقول وطبقا لمصلحة الأمة. إننا لا نرى أن شرطا من هذه الشروط أو القواعد قد تحقق. والحكم في هذا النزاع لا بد أن يكون على أساس الدستور والمبادئ الدينية وسلطة الرأي العام.

حسن يوسفي اشكواري
ترجمة: عبد اللطيف شعيب
حقوق الطبع: فرانكفورتر ألجماينه تسايتونج/ قنطرة 2009

الفقيه الشيعي حسن يوسفي اشكواري مواليد 1950 يحمل لقب "حجة الإسلام"، ويعتبر واحدا من أشهر الفقهاء وعلماء الشريعة في إيران وأيضا من أشهر النقاد داخل السلطة الدينية الإيرانية. زار اشكواري الحوزة العلمية في مدينة قم المقدسة، وكان له نشاط سياسي أيام حكم الشاه. وبعد عام 1979 تم انتخابه عضوا في البرلمان، وكان من أنصار الفصل بين الدين والدولة. وفي عام 2000 أُلقي القبض عليه وأُودع سجن إفين في طهران بسبب اشتراكه في مؤتمر عن إيران أقيم في برلين. وفي عام 2005 أفرج عنه، ويعيش حاليا في المنفى.

قنطرة

الاحتجاجات على فوز أحمدي نجاد بالانتخابات:
"لا عودة عن مواصلة الاحتجاجات!"
على الرغم من جميع التهديدات والإجراءات الشديدة التي يتَّخذها حراس النظام في طهران تستمر وبشدة تجاجات "حركة المعارضة الخضراء" على تزوير نتائج الانتخابات الرئاسية. أليساندرو توبا يسجل انطباعاته ومعايشاته لأجواء المظاهرات في إيران.

ما بعد الفوز المثير للجدل لأحمدي نجاد في انتخابات الرئاسة الإيرانية:
"لا يختار المرء أعداءه بنفسه ولا بديل عن الحوار"
يرى الخبير في شؤون الشرق الأوسط، بيتر فيليب، في تعليقه الآتي أنه على الرغم من استمرار الاحتجاجات ضد فوز أحمدي نجاد في الانتخابات الرئاسية يجد الغرب نفسه مُرغما على التعامل مع القيادة الإيرانية ولا ينبغي الشك في جدوى الحوار.

مير حسين موسوي:
مصلح من دون مرجعيات
أصبح مير حسين موسوي في إيران بطل المعارضة الشعبي. ولكن في الحقيقة لا توجد في حياته السياسية حتى الآن سوى القليل من الإشارات التي تشير إلى ذلك. رودولف شيميلّي يستعرض بعض جوانب حياة مير حسين موسوي.