تراجع في الطموحات وشكوك في تحقيق التوقعات

تعد إقامة المشاريع الانتقائية في مجالات البنية التحتية من أبرز مكونات "الاتحاد من أجل المتوسط"، لكن التحدي الأكبر يكمن في تنفيذ هذه المشاريع بعد فشل عملية برشلونة في تحقيق أهدافها التنموية والسياسية. وسيدعم تنفيذ هذه المشاريع عملية التنمية في بلدان الجنوب بشكل ينعكس إيجابيا على الأمن الأوروبي، مثلا من خلال الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية. منصف السليمي في قراءة للتحديات التي تواجه الاتحاد.

احتضنت العاصمة الفرنسية باريس يوم الأحد (13 مارس/ آذار 2008) القمة الأولى للاتحاد من أجل المتوسط بمشاركة رؤساء وحكومات 43 دولة من الإتحاد الأوروبي وبلدان جنوب وشرق المتوسط. ويعد المؤتمر الأول من نوعه بين بلدان تمثل سوقاً قوامها 700 مليون نسمة. وقد أُحيط مشروع الإتحاد بجدل كبير منذ إطلاقه كفكرة من قبل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في فبراير/شباط من عام 2007، وذلك قبل توليه الرئاسة. تُرى ما هي ملامح هذا المشروع وفرص نجاحه؟

ألمانيا رفضت سياسة متوسطية انفرادية

لم تكن ألمانيا وحدها التي تحفظت على المشروع بين دول الاتحاد الأوروبي. غير أن الاعتراضات الألمانية القوية عليه شكلت أبرز التحديات التي واجهته قبل أن يخرج إلى النور. وقد ركزّت هذه الاعتراضات حسب الدكتور مارتن كوبمان الخبير في مؤسسة السياسة الخارجية الألمانية برلين على رفض فكرة الانفراد بالسياسة الأوروبية إزاء دول المتوسط وإخراجها من بوتقة الاتحاد الأوروبي. وقد بررت ألمانيا موقفها على أساس خطورة هذه الفكرة من المنظور الاستراتيجي على أمن ومصالح الدول الأعضاء في الاتحاد بحكم تشابكها وتداخلها ضمن نظام شينغن والسوق المشتركة. وهو ما يظهر بجلاء أكبر من خلال مشاكل الهجرة والطاقة.

وقد ساهم الحوار بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي ساركوزي إلى حد كبير في بلورة توافق أوروبي على المشروع خلال قمة بروكسل في مارس/ آذار الماضي. وبناء على ذلك تم إدماج مشروع الإتحاد المتوسطي ضمن أجندة السياسة المتوسطية للإتحاد الأوروبي. وعلى ضوء ذلك أصبح يُنظر إليه أوروبيا كتطوير لمسار برشلونة. ومن هنا ولدت التسمية الجديدة للمشروع: " الإتحاد من أجل المتوسط".

تراجع طموحات الأوروبيين المتوسطية

لكن صيغة الاتحاد القادم التي اعتمدت في قمة بروكسيل، أظهرت تراجعا ملحوظا في طموحات السياسة المتوسطية للإتحاد الأوروبي. فمقارنة مع مسار برشلونة الذي انطلق عام 1995 بهدف إرساء "منطقة ازدهار متوسطية" قائمة على التبادل الحر بحلول عام 2010، فإن المشروع الجديد يقتصر على مشاريع في ميادين محددة كالبنى التحتية والطرق والسكك الحديدية والطاقات المتجددة والبيئة والصحة. وهكذا فإن قضايا مثل النهوض بالديمقراطية وحقوق الإنسان ودور المجتمع المدني تغيب عن أجندته التي كانت تشكل إحدى ركائز مسار برشلونة. هذا الغياب بشكل ابرز مآخذ هيئات المجتمع المدني على المشروع في دول جنوب المتوسط.
في هذا السياق يرى الخبير كوبمان بأن الاتحاد القادم لن يكون مؤسسة قائمة بذاتها تضبط بنفسها السياسة المتوسطية للإتحاد الأوروبي. وهو أمر أكده ساركوزي في مقابلة مع صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية بتاريخ 6 مارس/ آذار الماضي إذ ذكر فيها : " إن إدارته ستكون غير معقدة كي تمنح الحياة للشراكة المتوسطية". ويتوقع أن يكون للبلدان المطلة على البحر المتوسط دورا أساسياً فيها. لكن سقف هذا الدور لا يتجاوز حدود سياسة الجوار التي اعتمدها الإتحاد الأوروبي حتى الآن.

"مجرد ذر للرماد في العيون"

​​يعتقد كوبمان بأن المشروع صيغة واقعية قابلة للإنجاز من خلال مشاريع اقتصادية ذات طابع عملي. وسيدعم تنفيذها عملية التنمية في بلدان الجنوب بشكل ينعكس إيجابيا على الأمن الأوروبي، مثلا من خلال الحد من ظاهرة الهجرة غير الشرعية التي تؤرق العواصم الأوروبية. غير أن الخبير الاقتصادي ورئيس الحكومة الجزائرية الأسبق الدكتور أحمد بن بيتور. يرى بأن المشاريع المعلنة حتى الآن "مجرد ذر للرماد في العيون". ويقارن بن بيتور مبادرات الإتحاد الأوروبي إزاء شركائه في جنوب المتوسط ، بما يقدمه الصينيون للمنطقة ملاحظا: "مقابل مشاريع كبيرة الحجم يقدم عليها الصينيون، ظل الأوروبيون أسرى أفكار قديمة تقوم على السعي لكسب المستقبل لصالحهم وجني مكاسب اقتصادية على حساب شعوب بلدان الجنوب".

رهانات متباينة لدى الدول العربية المتوسطية

تكشف ردود الفعل المتعددة من قبل بلدان جنوب المتوسط على مشروع الإتحاد الجديد وجود حسابات وتوقعات متباينة لدى هذه البلدان. فقمة باريس لن يشارك فيها الزعيم الليبي معمر القذافي، بل أعتبر خلال لقاء قمة عربية مصغرة في طرابلس الغرب أوائل يونيو/ حزيران الماضي، أن إقامة إتحاد متوسطي دون التشاور مع بلدان الجنوب يشكل إهانة لجامعة العربية والإتحاد الإفريقي. لكن باقي الدول العربية المتوسطية ستشارك في القمة رغم تفاوت حماسها للمشروع أو تحفظها عليه، فالجزائر التي وقعت حديثا اتفاقية شراكة مع الإتحاد الأوروبي، قرر رئيسها عبد العزيز بوتفليقة في آخر المشاركة بعد أن كان متحفظا، بينما تنظر إليه بلدان مثل المغرب وتونس ومصر على أنه فرصة لتعميق اتفاقيات الشراكة التي وقعتها مع الإتحاد الأوروبي.

حضور عربي وإسرائيلي

​​يشكل حضور إسرائيل في مؤتمرات الشراكة المتوسطية منذ سنوات عنصر جدل تقليدي بالنسبة لعدد من الدول العربية، ولم يخل النقاش حول مشروع ساركوزي منذ بدايته من شكوك بعض العواصم العربية كونه يشكل إطارا لإقامة علاقات بينها وبين إسرائيل. لكن الدبلوماسية الفرنسية نجحت على ما يبدو في تذليل هذه العقبة، وهي "علامة إيجابية" برأي الخبير كوبمان، لاسيما وأن الرئيس السوري بشار الأسد سيشارك في القمة في الوقت الذي يسعى فيه ساركوزي للعب دور وسيط بين العرب والإسرائيليين.

بيد أن مجرد لقاء العرب والإسرائيليين في مؤتمر باريس لن يقود إلى نجاح الشراكة المتوسطية، ويتفق الخبيران الألماني والجزائري على اعتبار التسوية السلمية للنزاع العربي الإسرائيلي عامل أساسي في نجاح الشراكة المتوسطية، رغم أن تحقيق التسوية يقتضي أدوارا إقليمية ودولية تتجاوز "إتحاد المتوسط".

منصف السليمي - باريس
حقوق الطبع: دويتشه فيله 2008

قنطرة
الاتحاد المتوسطي بعيون فرنسية:
حلم للسلام والثقافة
قبل أسبوع من تولي بلاده مهام الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي قام الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بزيارة إلى إسرائيل والمناطق الفلسطينية، حاملاً في جعبته ملفات عدة في مقدمتها الترويج لمشروع الاتحاد المتوسطي. راينر زوليش في قراءة تحليلية لطموحات ساركوزي المتوسطية.

حوار مع إيزابيله فيرينفيلز:
"الاتحاد المتوسطي أضحى أسير الشروط المسبقة"
"نحن لسنا جياعًا ولسنا كلابًا يُلوَّح لنا بالعظام فنجري لالتقاطها"، بهذه الكلمات القاسية وصف معمر القذافي رفضه المشاركة العربية في الاتحاد المتوسطي. فلِمَ تعارض ليبيا هذا الاتحاد وما مدى المنافع التي يمكن أن تجنيها دول المغرب العربي منه؟ لينا هوفمان في حوار مع إيزابيله فيرينفيلز من المعهد الألماني للدراسات الدولية والأمنية.

اتحاد دول حوض البحر المتوسط:
الحلم الجديد بالدور الريادي القديم
اتفقت المستشارة الألمانية والرئيس الفرنسي على أن يحل "الاتحاد المتوسطي" محل التعاون القائم مع دول حوض البحر المتوسط المجاورة للاتحاد الأوروبي. رودولف شيمللي الخبير في شؤون الشرق الأوسط يوضح دلالات هذا الاتفاق في حوار مع عبد الرحمن عثمان.