أدب أمريكي من المغرب
سيتقلب وليم س. بوروز في قبره إذا رأى الأطفال الذين يتقابلون في نهاية كل أسبوع في فندق "طنجة إن". صبية مراهقون مدللون من طبقة الأغنياء الجدد، يحصلون على إفطارهم من يد الخادمة، وفي عيد ميلادهم يهديهم الوالد سيارة، أما الدراسة فيتلقونها في المدارس الخاصة. صحيح أن بعضهم يشم الكوكاكيين في تواليت البار، غير أن ذلك لن يقدم العزاء لوليم بوررز إلا قليلاً. ولكنه سيلفت أنظار الرجال الذين يتطلعون إلى اصطياد الزبائن الأوروبيين وتقديم خدماتهم الجنسية لهم.
غير أن هؤلاء الشبان لا يعرفون أيضاً من هو وليم س. بوررز، رغم أن الجدران هنا معلق عليها صور كبيرة له وللكاتب آلن غينسبرغ، الأيقونة الأخرى لذلك "الجيل المهزوم".
تاريخ الأدب الأمريكي في طنجة
لا أحد يهتم هنا بتاريخ هذه البناية في خضم الموسيقى الصاخبة والإفراط في تناول الخمر. "طنجة إن" هو جزء من "بنسيون منيرة" الذي يقع أعلاه مباشرة. فندق صغير في المدينة الجديدة كتب فيه وليم س. بوروز روايته "الغداء العاري" في الفترة من 1954 حتى 1956. هذه الرواية هي الآن أحد الأعمال الكلاسيكية في الأدب الأمريكي وقد فاقت مبيعاتها في العالم كله المليون نسخة.
كان بوروز يسكن في الغرفة رقم 9 الموصولة بحديقة صغيرة محاطة بسور، وما زال المرء يرى حتى اليوم في تلك الحديقة نخلة سامقة. "لا، لا، لم يكن لديه أي اهتمام لا بالحديقة ولا بالشرفة"، هكذا حكي لي في عام 1991 جون ستكليف، صاحب بنسيون "منيرة" الذي توفي بعدها بفترة قصيرة. "النافذة كانت مغلقة دائماً تقريباً. لم يكن المرء في الغالب يعرف ما إذا كان الكاتب في حجرته أم لا."
أدب أفيوني
في السنة الأولى كتب بوروز تحت تأثير الأفيون. وقد أشاع الكاتب الأمريكي عن نفسه أنه لم يأخذ حماماً لشهور طويلة، ولم يغير ملابسه في تلك الأثناء. "كل ساعة كان يخلع قميصه أو بنطلونه لبرهة حتى يغرز إبرة في لحمه، هذا هو كل شيء."
بعد أن تلقى علاجاً للخلاص من الإدمان في لندن تعاطى بوروز في طنجة المارجون، وهي نوع من المربى التقليدية المغربية المصنوعة من الحشيش. وهذا شيء ليس غريباً عندما نعرف أن بوروز قال بعد ذلك بسنوات إنه لم يعرف كيف أتم روايته.
الجيل المهزوم يتناوب العمل
لكننا الآن نعرف كيف أتم بوروز روايته، وذلك بعد صدور الطبعة الألمانية الجديدة من رواية "الغداء العاري" عن دار نشر "ناغل و كيمشه". هذه الطبعة تلقي ضوءاً كاشفاً على الحكاية الكاملة لنشأة تلك الرواية، وهي طبعة ظهرت بمناسبة الاحتفال بمرور خمسين عاماً على نشر الرواية لأول مرة في دار نشر "إوليمبيا برس" في باريس. إلى جانب النص الأصلي الذي ترجمه ميشائيل كلنر ترجمة جديدة، فإن نطالع تنويعات مختلفة على النص ورسائل للكاتب الأمريكي وتعقيباً مسهباً للكاتب الأمريكي يتحدث فيه عن نشأة الرواية.
سريعاً ما يتضح أن أصدقاء بوروز – آلان غينسبرغ وألان أنسن وجاك كيرواك – قد تدخلوا في الفوضى التي لا حد لها التي تركها بوروز من المخطوطات والمذكرات والرسائل، ثم أعادوا ترتيبها قبل أن تنشأ منها رواية. في رسالة كتبها آلن غينسبرغ عام 1957 إلى لوسيان كار يقول: "لقد قمنا بتنقيح كمية هائلة من المادة المكتوبة وكنا نتناوب على العمل في ورديات، كما سلمنا أشياء لكي تكتب على الآلة الكاتبة، وأنهينا جزءاً من 120 صفحة". وهكذا نشأت المخطوطة الأولى من "الغداء العاري".
عملية كتابة إبداعية
تحكي الرواية قصصاً تجري أحداثها في الولايات المتحدة والمكسيك وكذلك في طنجة. هذه القصص لا تلتزم بالبنية السردية المستقيمة المعتادة ذات التسلسل الزمني، كما أنها تخرج عن صورة المؤلف العليم بكل أحداث روايته. إن "الغداء العاري" هي من صنع بوروز، مثلما هي من صنع مجموعة أصدقائه المقربين، تلك المجموعة التي راحت تعدل وتختصر وتختار وتحذف وتعيد كتابة الرواية. عملية جماعية لم تكن ممكنة بهذا الشكل لولا وجود وعي أدبي مُوحِد بينهم.
في سنوات الأربعينيات كان الكتاب الناشئون آنذاك قد تقابلوا في نيويورك وكانوا يبحثون عن نوعية جديدة تماماً من البشر، مثلما كانوا يبحثون عن أدب جديد ثوري. في البداية تعرفوا إلى العاهر واللص ومدمن المخدرات هربرت هانكه الذي علمهم لغة العالم السفلي وثقافته، وأخذهم إلى نوادي الجاز في هارلمس وكان يمدهم بالمخدرات من كل نوع. أعقبت تلك الفترة الأدب الجديد.
أسموا أنفسهم "الجيل المهزوم" The Beat Generation، وهي تسمية اخترعها جاك كيرواك مستنداً على قول هانكه "أنا مهزوم". آنذاك كتب آلن غينسبرغ قصيدته المشهورة "العواء" Howl (1956)، وكتب جاك كيرواك "على الطريق" On the Road عام 1951 التي لم ينشرها سوى في عام 1957، وبعده كتب بوروز "الغداء العاري" Naked Lunch في عام 1959.
جون ستكليف، المالك السابق لبنسيون "منيرة"، كان يتذكر "المهزومين" جيداً الذين كانوا يطبعون مخطوطاتهم على الآلة الكاتبة. "كان هناك رجل آخر – أعتقد كان اسمه غريغوري كورسو – كان يسقط دائماً من فوق الكرسي في "طنجة إن". سألته مرة عما به، فنصحني أن أقوم أنا أيضاً يوماً برحلة. قلت له: سيان ما يقصد بكلمة رحلة، فأنا لا أريد أن أمسح الأرضية بين الفترة والأخرى".
طنجة: وكر الآثام
في عام 1953 حط وليم س. بوروز رحاله لأول مرة في طنجة، تلك "المدينة البيضاء" الواقعة على مضيق جبل طارق. قبلها بعامين كان قد أطلق الرصاص على زوجته في ميكسيكو ستي أثناء ممارسته للعبة "وليم تل". بدت مدينة طنجة - التي كان يُطلق عليها "المنطقة الدولية" - مثالية بالنسبة للرجل البالغ من العمر تسعة وثلاثين عاماً آنذاك. كان الناس يدخنون الحشيش في الشوارع. وبقدر الإمكان لم تكن الشرطة تتدخل، أما الحب المثلي، بل وعشق الغلمان أيضاً، فقد بدا أنهما عاديان تماماً.
بيوت دعارة من كل صنف وشكل كانت تفتح أبوابها على مصراعيها هناك بدون أن تثير أية مشاكل. قبل أن يقطن بنسيون "منيرة" كان بوروز يسكن في المنزل رقم 1 بشارع Calle del los Arcos، مباشرة فوق أحد بيوت الدعارة التي تفتح أبوابها للرجال. "كيكي" – أحد الصبية العاملين هناك – أمسى رفيقه الدائم. "في طنجة يسود الشعور بنهاية العالم"، نقرأ في رسالة بعث بها بوروز إلى آلن غينسبرغ، الناس هنا تدع الشر وشأنه.
الكائن الخفي...
شيء آخر كان يجذب آنذاك كثيرين من الفنانين. إلى جانب بول بولز وزوجته جين، كان هناك تينسي وليامز وترومان كابوتي وفرانسيس بيكون وبريون غيسين، على سبيل المثال لا الحصر. غير أن وليام س. بوروز لم تكن له صلة بهؤلاء. كان يحصل على شيك شهري من والديه تبلغ قيمته 200 دولار، وبذلك كان يعتبر معوزاً. كان يسكن في بنسيون متداع فقير، ولم يكن يعرف أحداً تقريباً، باستثناء الصيادلة وتجار المخدرات والعشاق. أما الآخرون، الذين كانوا في عداد الكتّاب المشهورين، فكانوا يفضلون البارات وحفلات المجتمع الراقي.
بقي وليم س. بوروز طيلة حياته في طنجة يسلك طريقه وحده. أطلقوا عليه "الكائن الخفي". كان الناس يرونه أحياناً في مقاهي المدينة، مثل مقهى "حافا"، حيث كان يجلس إلى إحدى الموائد الخشبية الزرقاء المُخلعة ويدخن الحشيش ويشرب الشاي أو يسجل ملاحظاته.
ما زال هناك مقهى ذو شرفة تطل على البحر المتوسط، ولكن لا أحد يجلس فيه الآن سوى التلاميذ والطلبة. لم يعد المرء يرى هناك شخصيات غريبة مثل وليامز س. بوروز.
ألفريد هاكنسبرغر
ترجمة: صفية مسعود
حقوق الطبع: قنطرة 2009
قنطرة
طنجة تستعيد ألقها القديم:
عاصمة للثقافة في المغرب
"يا له من مكان عجيب!" قال ويليام.س. بوروز، الكاتب الأمريكي، في أحد اللقاءات الصحفية عن طنجة، المدينة التي أصيبت بالإهمال خلال العقود الماضية تشهد الآن حملة ترميم وتجديد، وهاهي تجذب إليها مجددا عددا من المشاهير. تقرير ألفريد هاكنسبرغر
"رسائل إلى شاب مغربي":
18 كاتباً ....18 رسالة... 18 حكاية
في ضوء الظروف الحياتية الصعبة التي يعيشها الكثير من أبناء المغرب عمد الكاتب المغربي عبد الله طايع الذي يعيش في باريس إلى حث ثمانية عشر كاتباً مغربياً إلى أن يكتب كلٌ منهم رسالة مفتوحة إلى مواطنيه. هذه الرسائل نشرت الآن في كتاب بعنوان "رسائل إلى شاب مغربي". كيرستن كنيب يعرفنا بهذه المجموعة من الرسائل.
كتاب إدريس بن حامد الشرادي - "حياة مليئة بالحفر":
سحر القصة الشفوية بنكهة الأدب المكتوب
لا يعتبر كتاب "حياة مليئة بالحفر" مجرَّد صورة قوية الدلالة، تصوِّر حياة أفقر الفقراء في المغرب إبَّان فترة الاستعمار، بل هو أيضًا خير دليل على التمكّن من نقل سحر القصص الشفوية التي تُروى بشكل مباشر إلى الأدب المكتوب. ريتشارد ماركوس يستعرض هذا الكتاب.