اختلاف الثقافات بين التفاهم والواقع المر

تعاني بعض العائلات الشابة في ألمانيا من مشكلة الاختلاف الثقافي والديني. فبعض الشباب المسلم الذي جاء إلى ألمانيا بهدف الدراسة أو العمل، تعرف على شريكة حياته في الغربة. زاهي علاوي يعرفنا على تجربة بعض الأزواج.

في العام 2003 وصلت نسبة عقود الزواج في ألمانيا والتي كان فيها أحد الطرفين لا يحمل الجنسية الألمانية إلى 18.5% من أصل ما يقرب 383 ألف عقد قران سجلت في هذا العام. هذا الاختلاف الثقافي كان في بعض الأحيان عائقا أمام استمرار الحياة الزوجية وأدى إلى تكامل الحياة الزوجة في أحيان أخرى.

لكن الاختلاف الثقافي لم يكن العائق الوحيد في الحياة الزوجية، فالدين يلعب في بعض الأحيان دورا مهما خاصة لدى جيل الشباب المسلم، ويظهر ذلك جليا في حال تمسك أحد الزوجين بدينه واعتباره اساسا للحياة الزجية وخاصة في تربية الأطفال.

وتعاني بعض العائلات الشابة من مشكلة الاختلاف الثقافي والديني، خاصة في حال عدم الحديث عن تفاصيل الحياة المستقبلية وتوضيح هذه المسائل قبل الزواج. فبعض الشباب المسلم الذي جاء إلى ألمانيا بهدف الدراسة أو العمل، تعرف على شريكة حياته أثناء الدراسة في غالب الأحيان.

وبما أن العواطف تكون تكون بادئ الأمر المسيطر الرئيسي بين الطرفين، يتم ترك جميع الخلافات والاختلافات الأخرى إلى عامل الزمن. وهذا الحال ينطبق على الكثير من الأزواج الشابة من المسلمين الذين تزوجوا من مسيحيات. ولدى البعض الآخر، من العائلات التي لا تأخذ الدين محمل الجد، تقتصر الشعائر الدينية في بعض الأحيان على أعياد الميلاد المسيحية أو شهر رمضان.

خطوة إلى الأمام رغم التمسك بالدين

تعتبر لحظات اتخاذ القرار بالزواج من أصعب اللحظات لدى الحبيبان القادمين من ثقافتين مختلفتين. فلقد كانت لحظة إعطاء الجواب الإيجابي من قبل فيرا من مدينة دورتموند وقرارها بالزواج من سمير القادم من إيران، من أصعب الأوقات والقرارات الشخصية.

مسيحية مؤمنة بديانتها الكاثوليكية، وأما سمير فهو مسلم ويؤمن بأنه يحق له الزواج من إمرأة مسيحية دون عائق أو خلاف ديني، إذ يجيز الدين الإسلامي زواج المسلمين من غير المسلمات ولكن ليس العكس. لكن كان على فيرا اعتناق الاسلام حتى تتمكن من كتب كتابها على سمير الإيراني، وإلا فلن يتم الاعتراف بهذا الزواج من قبل الدولة الاسلامية.

وتقول الشابة الكاثوليكية: "لقد كان الأمر بالنسبة لي كنوع من إنكار ديني، ولذا كنت في صراع داخلي مع نفسي. إضافة إلى أنني بدأت أفكر في كيفية الحياة بعد الزواج، وفيما إذا كان بإمكاني ممارسة الشعائر الدينية والتمسك بمعتقداتي ومذهبي".

لكن الشابة الألمانية تجرأت وتزوجت سمير قبل حوالي ثماني سنوات، لأن سمير من الشباب الذي يحترم الآخر، مؤكدا ذلك في قوله: "بالنسبة لي لا يهم بأي معتقد يدين الانسان، فسواء كان آله إبراهيم أو آله موسى، أو محمد أو حتى آله عيسى، فهو آله واحد وأنا أؤمن بذلك."

وتقول فيرا بأنها لا زلت تمارس شعائر دينها المسيحي، وتحاول أن تربي أولادها على الإيمان والاعتقاد، ولكن بأي دين سيدينون بعد ذلك، فإن الخيار متروك لهم في المستقبل.

أهل أنتي فيتنبيرغ أصيبوا بالذهول عندما فاجأتهم الابنة الشابة بقرارها الزواج من الشاب الفلسطيني ناصر عليان، إذ تقول ضاحكة: "لقد فكر أهلي للوهلة الأولى، بأن الفلسطيني قد يكون أيضا مختطف طائرات، لكن ناصر كان هادئا وصادقا، بالاضافة إلى أنه يمكن الاعتماد عليه كإنسان معتدل، وهذا ما أقنع أهلي به."

فمنذ زواجهما قبل تسع سنوات لم يكن على الزوجة الألمانية اعتناق الاسلام، لكن طفلتها ليلى ابنة السنتين ستربى تربية إسلامية. وهنا يقول ناصر عليان:

"لقد كان واضحا منذ البداية، بأنه وفي حال أن الدين سيكون له دور في حياتنا الزوجية، فإن القرار سيكون لصالح التربية والشعائر الاسلامية."

وبالنسبة لأنتي لم يكن هناك أية مشكلة، كيف يعيش زوجها دينه ويمارس شعائره. خاصة وأنها تحاول إبراز القيم المسيحية التي عاشتها في الحياة الزوجية، وتحاول كذلك تربية طفلتها بأن تكون منفتحة على جميع الديانات والثقافات، رغم أن ذلك ليس بالامر السهل، حسب قولها، مضيفة:

"من المهم بالنسبة لي أن تشارك ابتي في حصص الرياضة أو الرحلات المدرسية، وأنا لدي شعور وقناعة تامة بأننا سنجد طريقا مشتركا في تربية ابنتنا."

فرغم اختلاف الثقافات والعادات بين الزوجين، إلا أنهما متفائلان بحياة زوجية يكمل فيها كل منهما الآخر. فقبل الزواج خاض الطرفان نقاشات مطولة حول مستقبل العلاقة والرابط بينهما، ولذا لم يكن هناك أية مشكلة في أن يكون عقد القران إسلاميا.

العيش مع واقع مر

القناعة بالزواج من رجل عربي كانت أيضا لدى سميرة تساغالا، التي تعرفت قبل خمس سنوات على الشاب العربي أيمن العبسي القادم من السعودية بهدف الدراسة في ألمانيا، فبعد سنتين من المعرفة الشخصية قرر الطرفان الزواج.

لم يشعر أيمن بالراحة النفسية في ألماينا، خاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر. إذ ثقول زوجته سميرة: "لقد كانت نظراته غريبة عندنا كان يقرأ جريدة عربية، متشائما لما وصلت إليه الأمور في الجالية العربية إلى محالة التنكر لذاتها والهروب من ثقافتها".

ومنذ اللحظة الأولى التي وجد فيها الشاب المسلم وظيفة في وطنه الأم، لم يتردد لحظة واحدة في قبول ذلك، لكن زوجته لم تتبعه وفضلت البقاء في ألمانيا نظرا لصعوبة الحياة بالنسبة لها في السعودية، قائلة: "إنها من أكثر الدول العربية تشددا، وكامرأة يجب علي ارتداء الخمار، إضافة إلى أنني لا يحق لي قيادة السيارة."

ولذا تعيش العائلة الشابة حياة زوجية عن بعد مقتصرة على المكالمات الهاتفية، أو كتابة الرسائل الاكترونية أو كذلك قضاء إجازات قصيرة في أحدى الدول الأوروبية، على أمل أن يجدا في المستقبل القريب بلدا يجمعهما من جديد.

حياة زوجية دون أطفال

من جهته رفض الشاب العربي نزار والمتزوج من كاترينا الألمانية إنجاب الأطفال لأن زوجته رفضت اعتناق الإسلام، ورفضت تربية أولادها حسب الشريعة الإسلامية. قرار نزار هذا جاء بعد محاولات عديدة لإقناع كاترينا باعتناق دينه، قائلا:

"إنني واقع بين نارين، إما أن أترك زوجتي التي أحبها، وتزوحتها عن قناعة، أو أن أتخلى عن الأطفال، الأمر الذي يصعب علي استيعابه."

ولذا فضل الشاب العربي المقيم في ألمانيا منذ 18 عاما البقاء مع زوجته المسيحية، مع ممارسته هو لشعائر دينه "والتخلي عن من سيحمل اسمه".

مثل هذه المشاكل لم تواجه هذه العائلة الشابة فقط، فهناك العديد من الحالات التي أدت فيها الخلافات الدينية إلى انفصال الحياة الزوجية، حسب ما أفادت به المرشدة الاجتماعية زبينة غيزة، مشيرة إلى:

"أن الدين يقتصر في كثير من الحالات على بعض الشعائر الدينية وفي أوقات محددة فقط، لكن المشكلة تكمن في حال عدم تفاهم الطرفين قبل الإقدام على الزواج لكل هذه الأمور، التي يعتبرها البعض جانبية، إلا أن التجربة تثبت أن الاختلاف الثقافي والديني من أعقد وأكثر المشاكل التي تواجه الأزواج في ألمانيا."

بقلم زاهي علاوي
حقوق الطبع قنطرة 2006

قنطرة

حوار القلوب
هذا الكتيب هو دليل القارئ الذكي في الوصول إلى السعادة الزوجية في حالات الزواج الإسلامي-المسيحي وقد ألفته باحثة إسلامية بناء على حوارات أجرتها مع بعض أصحاب الزيجات المختلطة، سيلفيا فاغنر تقدمه لنا

تجربة الزواج الإسلامي-المسيحي
تقترن فكرة الزواج بين مسلم ومسيحية في أذهان الكثيرين بخلافات مريرة حول تفوق المسيحية على الإسلام أو العكس. ولكن هل هذا صحيح؟ ألكسندرا وزوجها المصري خالد يتحدثان عن تجربتهما