أخطاء السيد نصر الله
انهار بعد اغتيال رفيق الحريري في شهر شباط/فبراير 2005 التحالف القديم الذي كان قائمًا بين جناحي الحريري ووليد جنبلاط وسوريا. وتكوَّنت تحالفات جديدة قسَّمت المجتمع اللبناني إلى معسكرين يكادا يكونان غير مستعدِّين للتصالح. حسام عيتاني الكاتب الصحفي في صحيفة "السفير" اللبنانية يتحدَّث عن التصعيدات الأخيرة.
يطالب "حزب الله" بمزيد من المشاركة في الحكومة. وفي المقابل يبدو أنَّ هذه الحكومة تركِّز اهتماماتها في الدرجة الأولى على نزع سلاح "حزب الله". وبدلا من تنفيذ أجندة الإصلاح التي تعهدَّت الحكومة كثيرًا بتنفيذها انتشر الفساد أيضًا بعد خروج القوات السورية وتفاقمت ديون الدولة. فهل توجد على الإطلاق ضمن هذا الصراع الراهن على المناصب الوزارية خطط وبرامج وزراية؟
حسام عيتاني: لا أعرف أين. لم يكن "حزب الله" مهتمًا بالشؤون الداخلية طيلة المدَّة التي تولَّت فيها الحكم في لبنان حكومة موالية لسوريا. كذلك بعد خروج القوات السورية بقي "حزب الله" يركِّز على برنامج المقاومة التي اصبح مضطرا الى توفير الغطاء السياسي لها بعد الخروج السوري. هذا لا يعني أنَّ المعسكر المقابل كان سيُقدِّم برنامجًا اقتصاديًا أو سياسيًا عاماً. فالطرفان يبحثان عن دعم ومساعدات خارجية، بدلًا من البحث عما يمكن أن يكون جيدًا بالنسبة للبلد.
أنت تطرح هذا الموضوع بشكل مباشر - لكن حينما وصف الأمين العام "لحزب الله" حسن نصر الله حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بـ"حكومة جيفري فيلتمان" مشيرًا إلى سفير الولايات المتَّحدة في لبنان، اندلعت موجة من الاحتجاجات في طول البلاد وعرضها.
عيتاني: أرى أنَّ إنزال نصر الله وحطِّه من قيمة معارضيه الداخليين كان كذلك خطأً من بين أخطائه الاستراتيجية التي ارتكبت بعد الحرب. لم يكن استخدام لقب "فيلتمان" مختلفًا عن ذلك.
تتحدَّث وسائل الإعلام الغربية والسياسيون الغربيون من دون مواربة وحتَّى بعزم وبتأكيد عن "حكومة السنيورة المدعومة من الغرب". أَليس هذا منافٍ للعقل؟
عيتاني: إنَّ ما يفعله ويقوله الغرب يدرج على ورقة أخرى. لكن أن يتم في داخل لبنان وصف أرفع ممثِّلي الدولة اللبنانية المنتخبين بصفة العملاء لإسرائيل ولأميركا فهذا أمر رأى فيه العديد من اللبنانيين انه يفوق الحدّ. هذا يدل،وفق تفسير هؤلاء، على أنَّ نصر الله يمضي بوضوح في سياسة المواجهة. لقد أخطأ نصر الله أيضًا في المطالبة بتشكيل "حكومة وحدة وطنية" في الوقت الذي لم يكن الناس قد عثروا فيه بعد على أقاربهم الذين ماتوا في الحرب.
قنطرة
الأزمة السياسية في لبنان
أدى اغتيال وزير الصناعة اللبناني بيير الجميل الى اضطراب الوضع السياسي في لبنان, وخاصة بعد انسحاب الوزراء الشيعة من الحكومة لتعطيل الموافقة على قرار تشكيل محكمة دولية تحاكم المتهمين في قضية اغتيال الحريري. تعليق كتبه برنهارد هيلنكامب.
الحل السياسي الشامل بدل المغامرات العسكرية
مرة أخرى تشتعل الحرب في منطقة تعاني من الكثير من الأزمات، حيث تشن الطائرات الإسرائيلية الغارة بعد الأخرى، فيما يقصف حزب الله المدن الإسرائيلية بالصواريخ. ما هو الحل؟ موريل أسبورغ تقدم تحليلا للأزمة وتطرح جدولا من الحلول الضرورية
معظم هؤلاء القتلى من الشيعة، الذين يؤيِّدون "حزب الله" أو ينتمون إليه. إذن هم من المواطنين الذين يسعى حزب الله لتمثيلهم تمثيلا أفضل من خلال زيادة مشاركته في الوزارة...
عيتاني: إنَّ هذه الحجة بالذات هي أساس المشكلة: فعندما يقوم هؤلاء المواطنون بتحديد هويِّتهم قبل كلِّ شيء من خلال تبعيَّتهم "لحزب الله" عوضًا عن مواطنيتهم اللبنانية، فعندئذ تكون لدينا مشكلة عويصة جدًا. والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل يريد "حزب الله" أن يستفرد بالحكم أم يريد الاعتراف بالمواطنين الآخرين؟
والآن يدخل السنة في عداد هؤلاء المواطنين، وقد أعطاهم الشيعة إشارة سيِّئة وذلك عندما انسحب وزراؤهم في وسط شهر تشرين الثاني/نوفمبر من الحكومة، في الوقت الذي كانت تُناقش فيه المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الحريري. لقد سبق وأن استقال الوزراء الشيعة في شهر كانون الأوَّل/ديسمبر 2005 استقالة مؤقَّتة، وذلك عندما طالبت الحكومة بتشكيل محكمة دولية خاصة من الأمم المتَّحدة.
ولكن في نفس الوقت يبقى السؤل مطروحًا حول تمثيل الشيعة تمثيلًا منصفًا؛ لا سيما وأنَّ نموَّهم الديموغرافي حقيقة ليس من الممكن أن يُغض عنها النظر.
عيتاني: تشكِّل الأرقام في بلد من دون تعداد للسكان وإحصاءات مادَّةً مشتعلة. فباستطاعة كلِّ فريق أن يذكر الأعداد الخاصة بفريقه. عندما نبدأ بالحديث عن النمو السكاني للشيعة والتراجع في عدد السكان الموارنة، فعندئذ سنكون في خضم النقاش حول النظام التناسبي وحول الحلّ الوسط الذي وضع منذ استقلال لبنان في العام 1943 فيما يخصّ توزيع السلطات ما بين السنة والمسلمون عموما والموارنة وغيرهم من المسيحيين، والذي تمّ إقراره من جديد في اتِّفاقية الطائف.
طبعًا لا بدّ من إصلاح هذا النظام من جديد، لكن ضمن إطار الحوار - ومع ذلك فأنا أشكّ فيما إذا كان "حزب الله" يسعى إلى الحوار الجاد، وذلك لأنَّ حزب الله غير معني بتغيير النظام السياسي، بل هو معني فقط بتحسين وضعه ونصيبه.
هل تخشى من نشوب حرب أهلية؟
عيتاني: لا أستبعد وقوعها. إذ أنَّ كلَّ تكويننا وكذلك امتيازاتنا ومفاهيمنا المهنية والخاصة تقوم على أساس من هوِّيتنا الطائفية. كانت الأحزاب اليسارية والإشتراكية تؤيِّد في السبعينيات إيديولوجيا علمانية، بيد أنَّهم فشلوا وعاد لبنان من جديد إلى "العمل كالمعتاد". يقوم اللبنانيون عند ذكر كلمة "الطائفية" بردَّة فعل مثل كلاب (البيولوجي) بافلوف، بمعنى الاعتماد على غرائزهم. فصحيح أنَّ الطائفية هي بمثابة الأبّ لديموقراطيتنا، ولكنها أيضًا بمثابة الأمّ لمشالكلنا.
حرب أهلية؟ هناك عوامل خارجية كثيرة يمكن أن تجرّ البلد إلى حرب أهلية؛ من البرنامج النووي الإيراني إلى المصالح الإسرائيلية. لكنَّني أكرِّر: أنَّني لست من مؤيِّدي شعار "غسان تويني" الذي يعتبر لبنان مسرحًا استولى عليه ممثِّلون خارجيون. إنَّنا نحن المذنبون بالذات، فنحن ندعوا الآخرين لكي يسيئوا استخدام أرضنا، وذلك لأنَّنا غير قادرين على تكوين قوميتنا الخاصة بنا.
يرفض جورج بوش إجراء محادثات مباشرة مع إيران وسوريا إلى حين على الرغم من توصيات بيكر. أمَّا النظام السوري فقد أصبح فيما بين مستقرًا. فهل ترى بالرغم من ذلك إمكانية للتقارب؟
عيتاني: لا يزال بشار الأسد هو "الابن" الذي لا بدَّ له من أن يحقِّق شيئًا من أجل المحافظة على شرعيته. لهذا السبب فإنَّ سياسة المواجهة مع الولايات المتَّحدة الأمريكية وإسرائيل تعتبر مُغرية بالنسبة له. حتَّى إذا خسر، فعندها سيُحتفل به في العالم العربي باعتباره بطلا. كما أنَّه ينتظر في نفس الوقت إجراء الانتخابات في العام القادم في كلّ من الولايات المتَّحدة الأمريكية وفرنسا ويعقد آماله على تغيير جذري. فإذا ما كسب الاشتراكيون في فرنسا - هذا ما يُدخل في الحسبان - فلن يكون لديهم تقريبًا نفس الاهتمامات مثل اهتمام شيراك في لبنان وفي محكمة الحريري.
لقد قامت أيضًا صحيفة "السفير" القومية اليسارية المؤيِّدة للفلسطينيين بتغيير لهجة خطابها إزاء سوريا ضمن إطار اختلاف الأجواء السياسية منذ اغتيال الحريري؟
عيتاني: لقد وجدنا أنفسنا نظرًا إلى التشكيل الجديد للجبهات في وضع مثير للحيرة. كما ظهر لنا بالنظر إلى الاستقلال القومي المطلوب وازدياد العداء لسوريا أنَّ البقاء على الموقف السابق اصبح يتطلب اعادة تقييم، رغم أنَّ "السفير" تكتب بصورة تقليدية بلهجة تؤيِّد "حزب الله" و"حركة أمل". والكثير من قرَّائنا هم من أبناء الجنوب والضاحية الجنوبية، تلك المحلة الشيعية في بيروت، وهم لن يعذروننا على اي تغيير جذري في مواقفنا.
نحن لم نسع إلى المساواة بشكل كلِّي لا مع الحكومة ولا مع المعسكر المعارض، بل سعينا إلى إيجاد التوازن والتعدد في وجهات النظر. فبدلا من أن نصرّ على ذكر الحجج والبراهين المؤيِّدة للحريري أو "لحزب الله" وأن نطمس كلَّ شيء آخر، نحاول أن نوازن بين جميع الأطراف. إذ أنَّ المسألة هي مسألة إيجاد قاسم مشترك لهذا البلد. لكن من الواضح أنَّ ذلك معدوم الأمل في الفترة الحالية. حيث لم يعد هناك مخارج.
أجرت هذا الحوار منى سركيس
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2006