لاجئو تيندوف المنسيّون

قرر ممثلون عن الحكومة المغربية والجبهة الشعبية لتحرير البوليساريو الذين دخلوا في أول مفاوضات منذ حوالي عشرة سنوات تأجيل محادثاتهم إلى شهر أب/أغسطس. تقرير من حسن زنيند حول خلفيَّات أزمة الصحراء الغربية التي لا تزال مُستَعِرة منذ ما ينيف عن ثلاثين عامًا.

قام مجلس الأمن التابع لمنظَّمة الأمم المتَّحدة في الـ30 من نيسان/أبريل من خلال قراره الذي يحمل الرقم 1754 بدعوة طرفيِّ النزاع إلى البدء بإجراء مفاوضات من دون شروط مسبقة، بغية التوصُّل إلى حلٍّ سياسي يرضي الطرفين لهذه الأزمة المستمرَّة منذ أكثر من ثلاثين عامًا.

تمَّ في العام 1975 ضمُّ منطقة الصحراء الغربية الغنية بالمواد الخام والتي تعادل مساحتُها مساحة ألمانيا الغربية من قبل المغرب. ترفض جبهة البوليساريو عملية الضمِّ هذه وتطالب بدعم من الجزائر باستقلال الصحراء الغربية.

تعتبر أزمة الصحراء الغربية واحدةً من الأزمات المنسية في العالم، وذلك لأنَّ المرء يكاد يعتقد أنَّها يمكن أن تستمر على ما هي عليه، حسب تعبير هايو لانتس الخبير في شؤون شمال إفريقيا لدى مؤسَّسة فريدريش إيبرت في الرباط: "إنَّ المجتمع الدولي صار يعيش في يومنا هذا مع هذا الوضع وكذلك لم تعد هناك حرب. هناك هدنة كما أنَّ كلَّ البشر على اختلاف أجناسهم وألوانهم يستطيعون التعايش مع الوضع الحالي".

تاريخ الأزمة

بيد أنَّ هذه الأزمة، التي يختلط فيها الموروثٌ الإستعماري مع ميل ونزوع الصحراويِّين إلى الاستقلال والتنافس ما بين المغرب والجزائر، لم تكن دائمًا بيضاء غير ملطَّخة بالدماء. تطالب المغرب منذ استقلالها في العام 1956 بالصحراء الغربية، التي كانت لا تزال في تلك الفترة مستعمرة إسبانية. قامت في العام 1973 حفنة من القوميين الصحراويِّين الشباب بتأسيس جبهة البوليساريو (الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب)، بهدف إقامة دولة مستقلة.

وبعد ذلك بعام ذهبت المغرب إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي، التي قامت بدورها بإصدار حكم يقضي بتحديد روابط تربط قبائل معيَّنة من الصحراويِّين بالبلاط الملكي المغربي، ولكنَّها لم تحدِّد سيادة إقليمية للمغرب على الصحراء الغربية.

يعتبر شهر تشرين الأوَّل/أكتوبر من العام 1975 تأريخًا حاسمًا في تاريخ هذا النزاع. فبينما كان دكتاتور إسبانيا الجنرال فرانكو يلفظ آخر أنفاسه في فراش الموت - قام الملك الحسن الثاني بتنظيم "مسيرة سلمية خضراء" سار فيها ثلاثمائة وخمسون ألف "مدنيّ"، وذلك من أجل استعادة "الأقاليم والعمالات الجنوبية" - حسب الاصطلاح المغربي الرسمي. أمَّا إسبانيا فقد انسحبت من الصحراء الغربية من دون قتال.

في هذا الوقت بدأت الحرب على الصحراء الغربية. قامت جبهة البوليساريو بإجلاء عشرات الآلاف من الصحراويِّين إلى مدينة تندوف في الجزائر وبدأت تخوض حرب عصابات ضدّ المغرب أدَّت إلى سقوط آلاف مؤلَّفة من الضحايا على الجانبين. ومنذ ذلك الحين فشلت كلُّ المبادرات الدولية من أجل إيجاد حلٍّ حاسم لهذه الأزمة.

استفتاء مثير للخلاف

يكمن النجاح الوحيد الذي حقَّقه المجتمع الدولي حتَّى يومنا هذا في الهدنة، التي تمَّ التوصُّل إليها في العام 1991 من خلال محادثات أُجريت تحت إشراف منظَّمة الأمم المتَّحدة؛ هذه الهدنة التي من المفترض أنَّها تضمن تقرير مصير الصحراويِّين من خلال استفتاء.

لكن لم يتمّ إجراء هذا الاستفتاء قطّ. إذ أنَّ طرفي النزاع لا يستطيعان الاتِّفاق على تحديد من يجوز له المشاركة في الاستفتاء، كما يُصرِّح بشير الدالخيل أحد الأعضاء المؤسِّسين لجبهة البوليساريو، والذي عاد فيما بعد إلى المغرب.

"لم تتمكَّن منظَّمة الأمم المتَّحدة من تحديد مَنْ هم الناخبون. لقد بدأت بعملية تعريف الصحراويِّين، الذين يحقُّ لهم أن يشاركوا في الاستفتاء؛ لكنها لم تتمكن من تحديدهم".

صارت المغرب في أثناء ذلك ترفض حتَّى الاستفتاء وقد اقترحت على مجلس الأمن حُكمًا ذاتيًّا واسع النطاق تحت السيادة المغربية. وفي المقابل ترفض جبهة البوليساريو هذا الاقتراح، مثلما يؤكِّد وزير الخارجية السيِّد أحمد سيداتي:

"من المستحيل أن تكون خطة الحكم الذاتي التي تقترحها المغرب في يوم ما أساسًا للمفاوضات، إذا أردنا أن نبقى مخلصين لما يُطالب به قرار مجلس الأمن بحذافيره. هذا يعني إجراء مفاوضات مباشرة من أجل حلٍّ سياسي، يتيح تقرير المصير للشعب الصحراوي".

لا يوجد موقف واضح لدى الاتِّحاد الأوروبي

يدفع السكَّان المدنيّون وقبل كلِّ شيء اللاَّجئون في تيندوف ثمنًا باهظا في هذه الأزمة الأبدية. حيث يعيش أكثر من 160 ألف شخص تحت أصعب الظروف في معسكرات اللاَّجئين في الصحراء الجزائرية، معتمدين في كلِّ شيء على المعونات الإنسانية الدولية. بيد أنَّ المجتمع الدولي يُفضِّل تناسى هذه الأزمة، لا سيما وأنَّه منقسم ما بين دول تدعم موقف جبهة البوليساريو والجزائر وبين مؤيِّدين للمغرب. تختلف كذلك دول الاتِّحاد الأوروبي في هذا الشأن، على حدِّ قول هايو لانتس:

"أعتقد أنَّه لا توجد رؤية مميَّزة لدى الاتِّحاد الأوروبي، ما عدا موقف الاتِّحاد الأوروبي الداعم لمساعي منظَّمة الأمم المتَّحدة من أجل إيجاد حلٍّ يرضي الجميع لهذه الأزمة".

تحرص القوى العظمى على التعامل بتوازن بناءً على مصالحها الإستراتيجية وتساهم على هذا النحو في تمديد عمر الأزمة. لكن الأزمة تواصل استمرارها وتقف في وجه تطوُّر كلِّ المغرب. لكن ربَّما فتحت المفاوضات الراهنة آفاقًا جديدة، حتَّى وإن بدت مواقف طرفي النزاع متشدِّدة لا تعرف التوافق.

بقلم حسن زنيند
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية في ذكرى تأسيسها الى أين؟
ثلاثون عاماً مرت على اعلان الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، بيد أن شعب هذه اللادولة ما زال يتطلع للاستقلال السلمي ويتوقع الحرب. سعيد تاجي فاروقي شارك باحتفالات الذكرى السنوية المشحونة بالغضب