نجوم وقنابل
في البداية تسقط نجوم صغيرة، تستقر بشكل هادئ فوق الأرض الإيرانية، مرسومة باللّونين الأسود والأبيض مع بعض النقاط الملوّنة. إنَّه العالم الذي نشأت فيه الطفلة الصغيرة مارجي (لقب مرجان ساترابي) في السبعينيّات.
عاشت مع والديها في طهران التي كانت تُنظّم في شوارعها احتجاجات ومظاهرات ضدّ شاه إيران. تشعر الطفة مارجي الجريئة، التي تتكلّم مثل الكبار والمتأثرة بالسياسة، بدافع يدفعها إلى تقليد الكبار وتقليد لعبة الثورة في الحديقة مع الأطفال.
بداية المأساة
لا يمضي في الحقيقة وقت طويل حتى تُطلق الطلقات الأولى من بنادق قوى أمن الشاه ويبدأ فيلم الرسوم المتحركة "برسيبوليس" الرائع، الذي أنجزته مرجان ساترابي عن سيرتها الذاتية بالأبيض والأسود، بتصوير مأساة وواقع هذا العالم في خطوط بسيطة لكنَّها مقنعة وواضحة جدًا؛ منقولة دائمًا من خلال حديث الطفلة مارجي مع الله، الذي يظهر في الليل مطلاً على سريرها، مثلما يخرج علاء الدين من المصباح السحري.
يبدأ فيلم مرجان ساترابي السينمائي الأوّل الذي يحمل نفس اسم كتابها المصوّر، "برسيبوليس"، مع الثورة الإسلامية في العام 1979، مع الحرب الطاحنة التي إندلعت فيما بعد بين العراق وإيران ومع بدء دكتاتورية النظام الإسلاموي، مع القنابل والملاحقات والإعدامات.
عمُّ الطفلة مارجي المحبوب أنوش، الذي تعتبره بطلها، أُعدم هو الآخر في عهد الملالي، لأنَّه كان شيوعيًا وقد عُذِّب لذلك في سجون الشاه. بهذا يبدأ فقدان سحر طفولة مارجي واحتجاجها طيلة العمر.
قوة الفكاهة
ومع ذلك فإنَّ الفكاهة والظرافة هي أفضل أسلوب للمقاومة، وبتعليقات ساخرة مضحكة تنقل مرجان ساترابي بصيغة الأنا قصة حياتها من خلال فيلم الرسوم المتحركة هذا.
مشهد يفترض أنَّه مضحك جدًا، عندما تقوم حارستان إيرانيتان من حرّاس الفضائل والأخلاق ترتديان عباءتين طويلتين بالانحناء فوق الصغيرة مارجي، التي تعاقب على ملابسها الغربية ("Punk is not dead"). أو عندما تتحوّل الطفلة مارجي إلى الفتاة المراهقة مرجان ويتغيّر كلّ جسدها تغيّرًا جامحًا أثناء سنّ البلوغ.
ولكن كذلك عندما يصبح صديقها الأوّل الذي تكون مسحورة بعشقه، شخصًا غير نافع يعبث بأنفه، تنبت في وجهه في آخر الأمر أورام كروية مدعبلة. تبدو هذه المشاهد مضحكة فقط في أفلام الرسوم المتحركة، كما أنَّ مرجان ساترابي تهتم كثيرًا بإيصال هذه الصور بإتقان، إذ أنَّ "الضحك هو السلاح الأقوى لقلب النظام من بين كلِّ الأسلحة"، حسب رأي رسامة القصص المصوّرة الإيرانية مرجان ساترابي.
تروي ساترابي بخطوط جميلة وظريفة كلَّ ما نحبه كثيرًا في الرسوم الكاريكاتورية: الصور الكاريكاتورية التي تصوّر الواقع المعقّد بأسلوب شبيه بما يرسمه الأطفال، والتي تجعلنا نفهم هذا الواقع بشكل أبسط.
يحوِّل فيلم الرسوم المتحركة هذا الأشخاص الرئيسيين الصامتين، أبطال كتابها المصوّر الذي أُخرج عنه الفيلم، إلى أشخاص مفعمين بالحياة ويرتدون ملابس ملوّنة وجديرين بالحب، يتم إحياؤهم صوتيًا بأصوات ممثلين ألمان مشهورين، مثل ياسمين تاباتاي، التي تؤدي دور مرجان وتعتبر نصف إيرانية، ونجا تيلر في دور الجدّة.
كشف شجاع عن أمور شخصية
يخرج الفيلم في بعض الأماكن عن محتوى الكتاب، مثلاً عندما يتم إرسال الفتاة اليافعة مرجان من قبل أبويها إلى فيينا، لكي تذهب هناك إلى المدرسة.
بيد أنَّ مرجان تحيا حياتها منطوية على نفسها، تشعر بنفسها كفتاة إيرانية تعيش في النمسا شعور إنسان من كوكب آخر، تحضر أوّل حفلات وتدخِّن أوّل سيجارة حشيش، ولكن تمرّ كذلك بالكثير من خيبات الأمل. وفي آخر المطاف تجد نفسها في الشارع بعد حبّ فاشل وشجار مع مؤجِّرتها.
كذلك تعتبر هذه الأحداث بمثابة اللحظات الحزينة والصامتة في الفيلم، التي تطول فيها الظلال على وجه الخصوص وتمتد فيها مساحة ودرجة اللّون الرمادي في مشاهد خطرة وباردة، تتجوّل فيها شابة ترتجف بردًا عبر شتاء فيينا وتضطر وهي محمرّة من الخجل إلى البحث في حاويات القمامة عن شيء تأكله.
بينما تعاني أسرتها وأصدقاؤها في إيران، تمرّ مرجان ساترابي بتجارب تشاهد من خلالها المساوئ والبرودة الاجتماعية في الغرب الثري:
"لقد عايشت ثورة فقدت فيها قسمًا من عائلتي. ونجوت من حرب. لكن كانت هناك قصة حبّ تافه كادت تقتلني". إنَّه لكشف شجاع عن أمور شخصية من قبل مرجان ساترابي، إذ أنَّ هذه القصة ليست خيالية، بل قصة حياتها التي تعيشها اليوم في باريس كفنانة ناجحة تقوم بإنجاز قصص مصوّرة.
جائزة في مهرجان كان وترشيح للأوسكار
لقد ساعدت هذه الأصالة على إيصال كتاب مرجان ساترابي المصوّر "برسيبوليس" قبل أعوام في فرنسا إلى النجاح. تم بيع ملايين النسخ من هذا الكتاب المصوّر، الذي تتحدت قصته عن طفولتها وفترة شبابها في إيران وأوروبا، كما ترجم إلى لغات كثيرة.
"لقد حققت القصص المصوّرة نجاحًا في كلِّ أرجاء العالم، وذلك لأنَّ رسومها تجريدية ولكنَّها كذلك رسوم شخصية جدًا في نفس الوقت. أعتقد أنَّ هذا ساعد الجميع في التمكّن من تمييز أنفسهم من خلاله"، هكذا تفسّر المؤلفة الصدى الضخم الذي لاقاه كتابها.
أرادت مرجان ساترابي المحافظة من دون قيد أو شرط على الشكل أيضًا في إخراج سينمائي لمادة كتابها المصوّر - هكذا تسنّى تحويل الكتاب المصوّر فقط إلى فيلم رسوم متحركة، قامت بإنجازه مع أصدقاء وزملاء رسامين.
وفي المقابل رفضت عروضًا لتحويل "برسيبوليس" إلى فيلم تمثيلي قدمتها لها صانعة الأحلام هوليوود. توّج هذا الرفض بالنجاح: في مهرجان كان السينمائي 2007 منحت مرجان ساترابي ومخرجها المساعد فانسان بارونو "جائزة لجنة التحكيم" وتم ترشيح فيلم "برسيبوليس" لجائزة الأوسكار 2008.
قصة عالمية عن الحبّ والكره
إنَّ "برسيبوليس"، هذا الاسم الكبير الذي يحمله الكتاب المصوّر والفيلم، والذي يشير إلى عاصمة الملوك الأخمينيين (الإيرانيين) القديمة التي دُمِّرت وأفل نجمها، والتي كان يراد لها في العهود القديمة أن تصبح مركز العالم، لا يعتبر قصة عن إيران و"محور الشر"، بل قصة بوح وكشف عن أسرار، تشبه رواية سالنجر "الحارس في حقل الشوفان" (The Catcher in the Rye)، قصة عن الحبّ والموت، عن الحبّ الصادق والحب المزيّف، عن أشخاص يُقتدى بهم، عن جدّة ووالدين وعن البحث عن الحياة الصحيحة، التي تنعكس دائمًا لدى مرجان ساترابي في كلمات جدّتها: "الإخلاص يا مرجان، الإخلاص! يجب عليك أن تظلي مخلصة لنفسك".
لقد ظلّت مرجان ساترابي مخلصة لنفسها، تمامًا مثلما تعلن الطفلة الصغيرة مارجي في بداية الفيلم: "أحببت البطاطا المقلية مع صلصة الكَتْشَب، وكان بروس لي Bruce Lee بطلي الكبير، وكنت أرتدي الأديداس وأريد على أيَّة حال تحقيق شيئين: التمكّن من حلاقة ساقيّ وأن أصبح آخر نبية في مجرّة درب التبّانة".
لا تزال مارجان ساترابي، التي يبلغ عمرها حاليًا 37 عامًا، تحب بروس لي كما أنَّها لن تتعب من رواية قصة بلدها وأبنائه، هذه القصة التي تعتبر كذلك قصة عالمية. نجحت الإيرانية مرجان ساترابي من خلال هذا الفيلم السينمائي في الوصول إلى ملايين المشاهدين، حتى وإن كان من غير الممكن مشاهدة فيلمها في إيران.
بقلم بترا تابيلينغ
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2007
قنطرة
عاشق الموسيقى الذي أضاع آلته الوترية
قي كتاب القصص المصورة الجديد "دجاج بالبرقوق" تستحضر الفنانة الإيرانية مرجان ساترابي قصة عمها الذي فقد آلته الوترية ففقدت حياته معناها: أمثولة حزينة عن الحب والمعاناة، مجسدة في رسوم رائعة. تقرير كتبته بيترا تابيلنغ.
"برسيبوليس": واقع جيل
تستحضر الإيرانية مرَجانة ساترابّي في كتاب القصص المصورة الذي أنجزته تحت عنوان "برسيبوليس" صورة عن طفولتها في إيران مثيرة بذلك موجة عارمة من الإعجاب. وقد تمت ترجمة عملها هذا إلى العديد من لغات العالم – وأخيرا إلى الألمانية أيضا. بترا تابلينغ التقت بصاحبة كتاب القصص المصورة