"تاريخ الشرق: عشرة آلاف عام من الفن والحضارة في الأردن"
من المعروف أن مهد الحضارة العالمية التي نعيشها في يومنا هذا موجود في الشرق الأدنى. لكن يستحسن بمن يريد مشاهدة التطوّر المعيشي من حياة البداوة إلى الاستقرار، الذي تم قبل حوالي عشرة آلاف عام في منطقة الشرق الأدني، مُعدًّا بشكل فني راقٍ، أن لا يسافر في هذه الأسابع إلى الشرق، إنما إلى مدينة بون الألمانية الواقعة على نهر الراين.
تعرض صالة الفنون والمعارض لجمهورية ألمانيا الاتحادية تحت عنوان "تاريخ الشرق: عشرة آلاف عام من الفن والحضارة في الأردن" ستمائة قطعة أثرية جديرة بالمشاهدة، تُقدم لمشاهديها نظرة مفاجئة على تطور المنطقة من الناحية التاريخية الحضارية بالإضافة إلى تطور الإنسانية.
يتضح من خلال هذا المعرض أن المنطقة المعروفة باسم "الهلال الخصيب" لا تشمل فقط بلاد الرافدين، أي العراق وأجزاء مما يسمى اليوم سورية، إنما تمتد كذلك إلى المنطقة المعروفة اليوم باسم الأردن. زدّ على ذلك: أنه عُثر في الأردن على أقدم ما يُعرف من التصاوير والتماثيل البشرية.
شعار المعرض
كما تَـمَثَّل شعار المعرض في التماثلين الكلسيين المُعبرين، والذان يبلغ ارتفاعها كارتفاع قامة الإنسان؛ لقد عثر على هذين التمثالين في منطقة عين غزال، وعلى الأرجح أنهما كانا يتخذان في الألف السابع قبل الميلاد لطقس ديني بدائي.
لم تنشأ في المنطقة الصغيرة نسبيًا والمعروفة في يومنا هذا باسم الأردن حضارة قائمة بذاتها، على عكس البلدان المجاورة الكبيرة، مصر وسورية والعراق. بيد أن المنطقة الواقعة على نهر الأردن كانت جغرافيًا منذ آلاف السنين نقطة التقاء لأقدم حضارات العالم.
ساعدت الظروف المناخية والجغرافية في المنطقة على الانتقال إلى حياة الاستقرار. يُوثِّق هذا المعرض بالمكتشفات الرائعة المعروضة فيه مع الدليل المُعد بشكل جيد، تاريخ الاستقرار والعمران في الأردن، بصورة حية وسهلة الفهم لمن ليس لديهم معلومات عن الآثار؛ هذا التاريخ العظيم والذي يمتد إلى أكثر من تسعة آلاف عام:
من الكهوف البدائية في بدايات العصر الحجري، مرورًا بالضيع والمساكن الزراعية المتفرقة والمدن الأولى، إلى المدن المستقلة القديمة، التي تطورت عنها في الألف الأول قبل الميلاد الممالك المعروفة من قصص العهد القديم، عامون ومؤاب وأدوم؛ تاريخ يمتد من المدن الهلنستية ذات التطور الرفيع والمعروفة باسم المدن العشر Dekapolis، مرورًا بمملكة الأنباط في البتراء حتى القصور الأموية التي شيّدت في الصحراء في فترة صدر الإسلام.
ملتقى الأديان
يثبت المعرض أن المنطقة الواقعة على نهر الأردن هي أكثر من مجرد مصدر للديانات العالمية الكبرى الثلاث، اليهودية والنصرانية والإسلام. حيث يقال إن النبي موسى استراح في جبل نبو، ويقال إن اليسوع تعمّد في بيت حانين، وكذلك انتشر الإسلام منطلقًا من ما يعرف اليوم باسم الأردن.
كما يتضح أن نهر الأردن كان يوحّد، على مدى التاريخ، شعوب المنطقة مع بعضها البعض أكثر مما كان يفصل بينها. يأمل معدو المعرض أن لا يخدم هذا المعرض فقط المعرفة والتفاهم بين الشعوب، إنما أن يساهم كذلك في تنشيط وإنعاش السياحة في الأردن، التي تضررت، بسبب العنف في دول الجوار.
يدعو فواز الخريشة، مدير دائرة الآثار الأردنية، المهتمين للحضور إلى المنطقة، لكي يتحققوا بأنفسهم من سلامة المنطقة، ويؤكد قائلاً: "على الرغم من الأحداث في العراق وفلسطين - لايزال الأردن - مثل ذي قبل - واحدًا من أكثر بلدان العالم أمانًا بالنسبة للسياح".
كما جُعل هذا المعرض بسيط التلقي بالنسبة لزواره، وذلك من خلال فيلم وثائقي مسلٍ ومفيد وكذلك من خلال برنامج عام غني، اشتمل على محاضرات مختصة حول التاريخ والآثار، وكذلك فعاليات ثقافية يحيها مؤلفون وأدباء وموسيقيون عرب معاصرون.
لكن ثمّة ما لا يُفهم في هذا المعرض، وهو لماذا يحتوي البرنامج العام على ضيوف غير أردنيين فقط، في حين لم يتم قط ذكر مبدعين من الأردن، على سبيل المثال فادية فقير، أحمد نصر، إبراهيم نصر الله أو فاروق وادي، ناهيك عن الكثير من الفنانين التشكيليين أو أوركسترا عمّان للشباب التي تم تأسيسها بدعم من ألمانيا.
كان الأجدر أن يُحسب حسابًا أكبر في هذا البرنامج، للمشهد الثقافي المتنوع في عمان وللعمل المشترك الألماني-الأردني الذي أثمر منذ سنوات عديدة.
بقلم مارتينا صبرا
حقوق الطبع قنطرة 2005 ©
ترجمة رائد الباش
قنطرة
الفن الإسلامي في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط
تسعى مبادرة "متحف بلا حدود" من خلال مشاريعها غير الإعتيادية للوصول إلى شكل جديد من تذوق الفن. على سبيل المثال من خلال مجلدات فنية تتناول الفن الإسلامي في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط. تقرير بيترا تابيلينغ
حفظ التراث والهوية الثقافية
يحتفل المعهد الألماني للآثار هذه السنة بالذكرى ال 175 لتأسيسه. ولا ينشط المعهد في مجال البحث العلمي فحسب، بل يسعى خلال السنوات الأخيرة إلى لعب دور في مجال الحوار مع العالم الإسلامي. تقرير سونيا فالنيكار