تطبيع ما لا يمكن تطبيعه

جعلت أهوال الهولكوست فكرة تطبيع العلاقات بين ألمانيا وإسرائيل تبدو شبه مستحيلة. لكن الدولتين نجحتا على الرغم من البدايات المتعثرة في إرساء علاقات تتسم بالصداقة والحرص على المصالح المشتركة على مدى أكثر من 40 عاما. نينا فيركهويسر تلقي الضوء على طبيعة هذه العلاقات مع قرب احتفال إسرائيل بالذكرى الستين لتأسيسها.

"لا يمكن تطبيع العلاقات بين ألمانيا وإسرائيل،" هذا ما قاله الرئيس الألماني هورست كولر عام 2005 خلال خطابه أمام الكنيست في إطار فعاليات احتفال البلدين بمرور أربعين عاما على قيام العلاقات الدبلوماسية بينهما. هذا الشعور باستحالة التطبيع الملازم للسياسة الألمانية شهد أوجه في العقد الأول بعد محرقة الهولوكست، حيث أخذت الديمقراطية الألمانية الوليدة على عاتقها تحمل المسؤولية الأخلاقية الناجمة عن إبادة ملايين اليهود أثناء فترة الحكم النازي.

أهوال محرقة الهولكوست جعلت فكرة تطبيع العلاقات بين ألمانيا وإسرائيل تبدو وكأنها مزحة سخيفة. لكن أولى فرص التواصل لاحت أمام المستشار كونراد أديناور عن طريق تقديم تعويضات اقتصادية. ومنذ 1952 قدمت ألمانيا 3,45 مليار مارك(1,22 مليار يورو) إلى دولة إسرائيل، وذلك من أجل "تمهيد الطريق أمام نفوس الضحايا المعذبة لكي ترتاح من آلامها الفظيعة"، كما قال المستشار كونراد اديناور.

هل تجوز المصافحة؟

التعويض المالي ما يزال مثار خلاف في إسرائيل، فالبعض يرى أن ما ارتكبه النظام النازي لا يمكن تعويضه بالمال. كما كان لا يمكن لكثير من الإسرائيليين تصور مصافحة شخص ألماني. لكن أول رئيس وزراء إسرائيلي كان له رأي مخالف، ففي عام 1960 قابل دافيد بن غوريون المستشار الألماني اديناور في نيويورك في لقاء ودي. وتشكلت لديه ساعتها قناعة مفادها أن ألمانيا قد تغيرت ولم تعد موطنا للنازيين. "لا يجوز لنا أن ننسى ما حدث، لكن من ناحية أخرى لا ينبغي لنا أن نبني تصرفاتنا على ما حدث"، وفق رؤية بن غوريون. وبسبب التقارب مع ألمانيا حصد بن غوريون انتقادات داخلية حادة، في الوقت الذي وجد فيه اديناور نفسه واقعا تحت ضغط الدول العربية.

"مبكر نسبيا"

وفي عام 1965، أي بعد 20 عاما على نهاية الحرب العالمية الثانية، قررت ألمانيا وإسرائيل إقامة علاقات دبلوماسية بينهما. السفير الألماني الأول إلى إسرائيل رولف باولس وصف القرار بأنه "مبكر نسبيا". كما قوبل عند وصوله إلى إسرائيل بالاحتجاجات.
وبمرور السنوات تلمست الدولتان طريقهما إلى التقارب بحذر، ونشأت شبكة من الاتصالات عبر مؤسسات المجتمع المدني، ساهمت في الحفاظ على هذه العلاقات في أوقات الأزمات. كما شددت إسرائيل على أهمية وقوف ألمانيا بجانبها في وقت الشدة، على سبيل المثال أثناء الحرب مع جيرانها العرب.

هذه الأُمنية الإسرائيلية تلبيها ألمانيا دائما، حتى بعد 60 عاما على تأسيس إسرائيل. "ألمانيا تتحمل مسؤولية خاصة تجاه دولة إسرائيل، تجعلها ملزمة بالدفاع عن وجود إسرائيل وحماية حقها في الوجود"، وفق تعبير وزير الخارجية الألماني فرانك- فالتر شتاينماير، موضحا بذلك أحد أركان الدبلوماسية الألمانية.

"ألمانيا ستقف دائما إلى جانب إسرائيل"

لكن هذا الموقف أدى أيضا إلى تقييد أيدي ألمانيا أمام الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. فالصفاء الذي يسود العلاقات بين البلدين اليوم يداخله عجز عن إبداء الرأي أو توجيه النقد. ظلال من هذا العجز تلوح أيضا في جملة الرئيس الألماني كولر عن استحالة التطبيع بين ألمانيا وإسرائيل.

وفي عام 2008 لم يرحب كافة أعضاء الكنيست بفكرة إلقاء المستشارة ميركل كلمتها أمام الكنيست باللغة الألمانية، على الرغم من أن معظم النواب صفق طويلا للكلمة التي ألقتها المستشارة بمناسبة الذكرى الستين لنشأة إسرائيل، وأكدت فيها أن ألمانيا ستقف دائما بجانب إسرائيل.

نينا فيركهويسر
ترجمة: هيثم عبد العظيم
دويتشه فيله 2008

قنطرة

ستون عاما على قيام دولة إسرائيل والنكبة:
التغلب على الماضي أم تهدئة للضمير؟للضمير؟
في شهر مايو/أيار تحتفل دولة إسرائيل بالذكرى الستين لتأسيسها. وكما هو متوقع لن يتذكر أحد عندئذ ذكرى النكبة الفلسطينية التي مرت عليها الأعوام نفسها. غير أن هناك اهتماماً متزايداً من جانب جزء من الشباب الإسرائيلي بهذا الفصل الحزين في تاريخهم. فإلى أي مدى يصل هذا الاهتمام؟ هذا ما يجيب عليه يوسف كرواتورو.

التطهير العرقي في فلسطين"
سياسة متعمدة وعملية تهجير ممنهجة
تناول عدد كبير من المؤرخين الصراع العربي الإسرائيلي بالشرح والتحليل، غير أن المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه في كتابه الأخير يلقي نظرة جديدة على هذا الصراع وعمليات تهجير فلسطينيي 1948. ووفقا لهذه النظرة فإن عملية تهجير الفلسطينيين كانت تطهيرا عرقيا ممنهجا. مارتينا صبرا تقدم عرضا لهذا الكتاب.