دار الزهراء - مدرسة معزولة للدراسات الإسلامية

تسلط روزا غوش في تقريرها الأتي الضوء على تجاربها في مدرسة "دار الزهراء" القرآنية الخاصة بالفتيات في مدينة تريم الواقعة في منطقة حضرموت في اليمن، والتي تعتبر فيها تلاوة القرآن والوعظ جزءًا مهمًا من تعليم النساء المسلمات.

أقف على مدخل البهو الداخلي، وبجانبي عدد كبير من الأحذية، وأنا لا أعرف تمامًا إلى أين سأذهب. وقد نسيت نعالي الخفيف، وفي هذا الجزء من العالم لا يدخل المرء أي بيت بحذائه الذي يستخدمه في الشارع. وعلى يميني أنظر إلى غرفة كبيرة فيها عدد من الأشخاص الذين يقفون وهم يرتدون ثياب صلاة طويلة. وملابسهم مشدودة بإحكام خلف الرأس وتصل بألوان زاهية مختلفة وبقطعة واحدة حتى الأرض.

وبسرعة تمر من أمامي طفلة صغيرة، بشرتها فاتحة اللون وترتدي بدلة زرقاء؛ مضى الآن وقت قصير بعد شروق الشمس في شهر رمضان، وأنا الآن في "دار الزهراء"، في مدرسة لتحفيظ القرآن خاصة بالنساء وتقع في مدينة تريم الصغيرة والنائية والتي تقع في شرق اليمن البعيد.

حضرموت - مركز التصوّف

وهذه المنطقة التي تقع في محافظة حضرموت على تخوم الصحراء العربية تعتبر منذ عدة قرون مركزًا للدراسات الإسلامية والتصوّف. وتحدِّد طبيعتها الهضاب القاحلة والوديان الخصبة التي يكلِّلها عدد كبير من القبور المشيَّد فوقها قبب مصبوغة باللون الأبيض. وفي اليمن الإشتراكية (الجنوبية) كان يتم قمع الكثير من الأنشطة الدينية في منطقة حضرموت، ولكن بعد انهيار النظام الاشتراكي في عام 1990 عادت الحياة من جديد إلى التقاليد الصوفية.

وفي عام 1993 أسَّس الخطيب والشيخ الشاب، حبيب عمر في مديرية تريم مدرسة لتحفيظ القرآن خاصة بالرجال، اسمها "دار المصطفى للدراسات الإسلامية"، وبعد فترة قصيرة أنشأ قسمًا خاصًا بالفتيات، مدرسة "دار الزهراء". وفي يومنا هذا يعيش ويتعلَّم في هاتين المدرستين عدة مئات من الطالبات والطلاب الذين يتم الفصل بينهم بشكل صارم. والطلبة يأتون من داخل البلاد وخارجها، ومعظمهم من اليمن وإندونيسيا، ولكن أيضًا من بريطانيا والولايات المتَّحدة الأمريكية وكذلك من ألمانيا.

وفي هذه المدرسة يتم تدريس العلوم الإسلامية التقليدية مثل القانون والفقه الإسلامي وتفسير القرآن الكريم، بالإضافة إلى قواعد اللغة العربية؛ ويضاف إلى هذه المواد أيضًا التصوّف، أي "علم القلوب" - دراسة التعاليم الصوفية. ويكمن أحد العوامل التي تجعل الدراسة في هذه المدرسة مغرية في شجرة عائلة الشيخ حبيب عمر الذي تمتد سلسلة نسبه إلى النبي محمد.

من صنعاء إلى تريم

وفاطمة، صديقة لي من العاصمة صنعاء التي أتعلَّم فيها منذ ثلاثة أشهر اللغة العربية، أحضرتني إلى "دار الزهراء". وكانت ترغب في أن تريني هذا المكان المليء بالتقوى والذي درست فيه هي بالذات. غير أنَّ هذا ليس بهذه السهولة قطّ؛ فقبل شهرين تم قتل مجموعة من السيَّاح الإسبانيين في هجوم بسيارة مفخَّخة، ومنذ ذلك الحين تم إغلاق الطريق البرية المؤدية من صنعاء إلى تريم والتي يزيد طولها عن خمسمائة كم في وجه الزائرين القادمين من دول غربية.

وقبل سفرنا إلى تريم أكَّد علي أخو فاطمة قائلاً: "اخفي فقط حقيبتك وحذاءك". وكذلك من الممكن أن تكشف الإكسسوارات شيئًا ما عن أصل النساء المحجَّبات. ولكن تحت العباءة والنقاب - بهذا الرداء الطويل المصنوع من البوليستر الأسود والحجاب الذي يغطِّي الوجه - اجتزت نقطة تفتيش الشرطة دون أن يتم اكتشافي.

وفاطمة هي أيضًا التي خلَّصتني عند مدخل المدرسة من مشكلتي مع الحذاء الذي كنت أنتعله؛ حيث حصلت لي على شبشب حمام وعرَّفتني بمديرة هذه الدار، الأستاذة منيبة. ومنيبة امرأة من أثيوبيا، في وسط الثلاثينيات من عمرها، كما أنَّها لا تكف مثل الكثيرين هنا عن مسح أسنانها بالمِسواك، أي بفرع من "شجرة السواك"؛ تهمس فاطمة: "لصحة الفم"، ثم تتابع: "لقد أوصى باستخدامه النبي".

والأستاذة منيبة أنزلتنا في واحدة من غرف النوم مع خمس فتيات أخريات. وعلى أرض هذه الغرفة تم فرش مراتب رقيقة من الإسفنج الصناعي. وفي السقف هناك مروحة تكافح ضدّ الحرارة الجافة في شهر أيلول/سبتمبر. ولا يوجد هنا - مثلما هي الحال في كلِّ مكان في هذه الدار - إلاَّ إضاءة النيون. وحتى في غرفة الصلاة يشتعل في الليل والنهار ضوء ساطع لا يبدو مريحًا جدًا.

ومن الآن فصاعدًا بدأت أخطو كلّ خطوة تخطوها فاطمة؛ فأنا أصوم وأذهب إلى الدروس، وعندما تدعو الله في غرفة الصلاة، أجلس على الدرج في الفناء وأراقبها. وكثيرًا ما تجلس معي فتيات أخريات ويطرحن عليَّ بعض الأسئلة؛ ويردن أن يعلمن متى سأعتنق الإسلام، وإن كان لدي صفحة خاصة بي على الفيس بوك.

وتقول لي فتاتان من إنجلترا بنبرة تنم عن الحزن والحنان إنَّه لن يسمح لهما العودة إلى بلدهما إلاَّ "عندما تتقنان اللغة العربية بشكل صحيح"، وتخبراني كم هما مشتاقتان للتسوّق في لندن. ومثل هذه المشاعر تعتبر عادية في معظم المدارس الداخلية في جميع أنحاء العالم. ولكن في المقابل نادرًا ما يسمع المرء في أماكن أخرى أنَّ المدرسة المعزولة جيِّدة للطالبات، وذلك لأنَّ بإمكان المرء على هذا النحو "الاهتمام بقلبه".

الحياة في دار الزهراء

وفي دار الزهراء يبدأ اليوم عند مطلع الفجر، وفي غير أيَّام رمضان نادرًا ما ينتهي قبل الساعة الحادية عشر مساءً وذلك بعد أداء الصلوات والدروس والواجبات المنزلية، وبعد بضعة ساعات من أوقات الفراغ. وتشترط المدرسة على الطالبة حفظ جزء من القرآن الكريم عن ظهر قلب، وإتقان اللغة العربية بشكل أساسي والبقاء هنا على الأقل لمدة عام. وتستمر الدراسة الكاملة نحو أربعة أعوام. وتدفع كلّ طالبة ما يعادل خمسة عشر يورو في الشهر، وذلك بدل تكاليف الإقامة والطعام.

وهنا في مدينة تريم يتم التدريس حسب النظام الإسلامي التقليدي ضمن حلقات دراسية؛ ويفترض أن تضمن العلاقة الشخصية بين الطالبة والمعلمة سلسلة كاملة من نقل المعارف. ولكن لقد وصلت أيضًا أجهزة الكمبيوتر وشبكة الإنترنت إلى هذه المدرسة في مدينة تريم. ويظهر موقع المدرسة على الإنترنت باللغتين الإنجليزية والعربية، ولكن عندما يبحث المرء عن معلومات حول قسم النساء فإنَّ بحثه يبقى من دون جدوى. ومع ذلك فإنَّ النساء في هذه المدرسة لا يعتبرن وحيدات ومعزولات.

بل على العكس من ذلك، فهن يعتبرن من المتفقِّهات؛ وفي دار الزهراء تقوم "الحبابات"، أي النساء من أفراد عائلة الشيخ حبيب عمر، بتعليم الطالبات. وعندما يرفع المؤذِّن أذان المغرب مثلما هي الحال الآن في شهر رمضان، نتناول طعام الإفطار في غرفة الطعام؛ وفي البدء نأكل التمر ونشرب الماء ونكثر من الدعاء، ثم يلي ذلك الأرز والدجاج أو السمك مع صلصة الـ"بسباس" اليمنية. ويتم تقديم حبة موز لكلِّ طالبة بعد الطعام.

وبالنسبة للكثير من الطالبات يعتبر الكشك الصغير الموجود في هذه الدار مصدرًا مهمًا للاستمرار في الحياة، وذلك لأنَّهن يحصلن فيه على احتياجاتهن الأساسية، من الحلويات واللوازم الصحية واللوازم المدرسية والقرطاسية. ومن أجل الحصول على أي شيء آخر تقوم الفتيات بتكليف الرجل الذي يتسوَّق للمدرسة بتأمين طلباتهن. ولا يجوز لهن مغادرة مبنى المدرسة بمفردهن، وفي تريم تمنع النساء تقليديًا من الذهاب للتسوّق. وتقول لي شابة سويدية: "يمكن أن ينتظر المرء الحصول على علبة من مسحوق الكاكاو طيلة ستة أسابيع"، على الرغم من أنَّ الكاكاو متوفر هنا في كلِّ مكان.

وفي شهر رمضان تقيم الفتيات بالإضافة إلى الصلوات الخمس صلاة التراويح في الليل. وبعد ذلك أذهب مع فاطمة للجلوس مع نساء أخريات في الدار. وحضرموت تعدّ من أكثر المناطق المحافظة في اليمن، والنساء هنا لا يخرجن من بيوتهن إلاَّ وهن محجَّبات بشكل تام. وحتى في مبنى المدرسة، حيث تكون الفتيات بعيدات ومحجوبات عن أنظار الرجال، ترتدي الطالبات في دار الزهراء منديلاً ملفوفًا حول الرأس - وحتى في أثناء النوم، لأنَّ "الملائكة يحبون ذلك على هذا النحو". وهكذا أجلس في الاجتماعات الليلية مرتدية عباءتي مثل جميع الأخريات، ولا أكشف سوى النقاب عن وجهي، وأصغي إلى الحبابات.

والحبابات المدرِّسات يحوِّلن الكلام مرارًا وتكرارًا إلى الفتيات اللواتي يجلسن حولي بجانب بعضهن وفي شكل نصف دائري أمام المدرِّسات. وكذلك تشكِّل التلاوة وإلقاء الخطب والمواعظ بشكل علني جزءًا مهمًا من التعليم، وذلك لأنَّ هذه القدرات تعتبر ضرورية من أجل نشر "الدعوة الإسلامية" ودفعها إلى الأمام بحماس تبشيري.

وتقدِّم لنا المضيفة الشاي والقهوة والحلويات، بالإضافة إلى البخور. وتبقى الفتيات يقضين الليل بطوله في الذِكْر، أي ذكر الله وعبادته بطريقة شبه تأملية، وفي الغناء وتلاوة القرآن، بالإضافة إلى الأكل والشرب وإقامة الصلاة. وبين الحين والآخر ألاحظ وأنا مشوَّشة الذهن بسبب هذا القدر الكبير من التفاني في عبادة الله وطاعته وبسبب البخور كيف يتمايل جسدي في نشوة القامات المتَّشحة بملابس سوادء.

"الإسلام موجود في عينيك"

وفي إحدى الأماسي دعتني احدى بنات الشيخ حبيب عمر لزيارتها في منزلها. وحتى إنَّهم كانوا ينتظرون مني، أنا المحايدة أن أعبِّر عن احترامي لأفراد هذه الأسرة وأقبِّل يدهم للترحيب بهم، مثلما اعتاد الآخرون، وذلك لأنَّهم من آل بيت النبي. ومعارضو التصوف ينتقدون هذه الممارسة الشخصية ويعتبرونها شكلاً من أشكال المحافظة على السلطة. وابنة الشيخ تستقبلني وتستقبل مرافقاتي مع ابنها الذي يبلغ عمره ثمانية أعوام. وهذا الصبي يحفظ معظم أجزاء القرآن عن ظهر قلب، وهكذا يتيح لنا الفرصة لنتذوَّق ما يحفظه.

وفي النهاية ينظر لي ويقول: "الإسلام موجود في عينيك"، ويقترح علي أن أنطق الشهادة، أن أتشاهد وأشهر إسلامي. وهذا الصبي الذي يعدّ من سلالة النبي ترك في نفسي أقوى انطباع، من بين جميع الذين حاولوا دعوتي في تريم لاعتناق الإسلام. وصحيح أنَّه قد يبدو من غير المقنع تمامًا وأقرب إلى الوهم عندما يتحدَّث طفل ما عن العناية الإلهية، بيد أنَّ مثل هذا القدر من الحماس الديني يثير أيضًا الإعجاب.

ووجود أشخاص غربيين اعتنقوا الإسلام ليس بالأمر النادر في تريم. وبعضهم انتقلوا مع جميع أفراد أسرهم إلى هنا. وحتى إنَّه يوجد هنا بعض الأشياء المخصصة للأطفال، على سبيل المثال المكتبة الصغيرة الموجودة في المدينة - وفيها كتب متنوّعة مثل كتب إنيد بلايتون Enid Blyton، والكاتب روالد دال Roald Dahl وجاك ستيبلر لويس C.S. Lewis، بالإضافة إلى القرآن الكريم وكتب الحديث والسنة. وتقدِّم المدرسة مرة في السنة دورة مكثَّفة تستمر أربعين يومًا، ويتم فيها تدريس اللغة العربية والإنجليزية خاصة للمسلمين المقيمين في العالم الغربي. ويحتوي الجدول الدراسي مواد مثل "كيف أربِّي أطفالي المسلمين في الغرب؟".

وبعد أسبوع في هذه المدرسة القرآنية أصبح لا بد لي من العودة إلى صنعاء. وبدلاً من التخفي تحت حماية فاطمة وبمرافقتها أبدأ رحلتي التي تستغرق احدى عشرة ساعة متنكرة في زي "الزوجة الثانية" لمسافر يرافقني في هذه الرحلة، وهكذا أعود إلى الحياة اليومية في اليمن. وفي حين يستطيع الرجال النزول من الحافلة عند توقّفها على الطريق كلّ ساعتين وتحريك أرجلهم، تظل النساء جالسات على مقاعدهن داخل الحافلة. ويبدو أنَّني أنا الوحيدة التي تحتاج في هذه الحافلة للذهاب إلى المرافق.

وعندما سألت "زوجي" عن المرحاض هزّ رأسه ببساطة من النافذة في الليل وقال: "الصحراء فقط". ولم يكن لدي خيار آخر سوى أن أبقى صامدة، إلى أن أشار لي أن أتبعه في الظلام. وعلى مسافة آمنة وبعيدة عن الحافلة، كان يجب علي أن أسير بمفردي وأن أفعل في جنح الظلام، ما كان لا بد لي من فعله.

روزا غوش
ترجمة: رائد الباش
حقوق الطبع: قنطرة 2009

ولدت روزا غوش في عام 1982 في برلين، ودرست الاقتصاد والفلسفة في أكاديمية لندن للاقتصاد والدراسات الشرق أوسطية الحديثة في جامعة أوكسفورد. وفي عام 2007 أجرت بحثًا طيلة أربعة أشهر في اليمن. وتعيش الآن في برلين.

قنطرة

التصوف الإسلامي:
الإسلام المبسط؟
يحظى التصوف الإسلامي بشعبية كبيرة في الغرب، وفي ألمانيا أيضا. ويبدو أن أحد أسباب ذلك هو الظن بأن الصوفية تختلف عن الإسلام المحافظ. لكن هذا الظن لا يتمتع بالصحة الكاملة كما تراه كاتبة المقال انغا غيباور

حوار مع المخرج البنغالي شاهين دل رياض:
فيلم "أطفال القرآن"- رحلة في عوالم المدارس الدينية
ماذا يحدث خلف الأبواب الموصدة في مدارس تحفيظ القرآن؟ المخرج السينمائي شاهين دل رياض حاول الإجابة عن هذا السؤال في فيلمه الوثائقي الجديد "أطفال القرآن" الذي تدور أحداثه في بنغلاديش. إيرين كوفرجين تحدَّثت إليه حول مدارس تحفيظ القرآن وفيلمه الجديد.

المدارس الإسلامية في اندونيسيا:
في الطريق نحو الإصلاح والانفتاح
جوان ميك ميلان تكتب في تحقيقها الصحفي عن دِفاع مدير مدرسة إسلامية مشهورة في جزيرة جاوه الاندونيسية عن حرية الاعتقاد وحقوق الأقليات بعد أن كان ينظر إلى مثل هذه المدارس على أنها مراكز لصنع التطرف والتشدد الإسلامي.