رحيل مؤسس ثقافة إسلامية ليبرالية متصالحة مع العصر

يفقد المغرب برحيل الكاتب والمفكر عبد الهادي بوطالب أحد أهم سياسييه ومثقفيه على السواء، الذي كان من الرعيل الأول الذي كافح من أجل الاستقلال، وشارك في حركة المقاومة. أطروحات عبد الهادي بوطالب دعمت الليبرالية السياسية وناهضت مظاهر التطرف الناتجة عن المغالاة والتزمت في فهم الدين. رشيد بوطيب يستذكر الراحل الكبير عبد الهادي بوطالب.

تتفق غالبية المفكرين المغاربة، ومن بينهم المفكر محمد سبيلا، على أن الكاتب والمفكر عبد الهادي بوطالب كان من أبرز الدعاة إلى تحقيق مصالحة بين الإسلام ومتطلبات العصر. ويفتتح عالم الاجتماع محمد سبيلا، على سبيل المثال لا الحصر، كتابه الأخير "زمن العولمة: فيما وراء الوهم" بقراءة في أعمال المفكر الإسلامي عبد الهادي بوطالب التجديدية، ويشير إلى أنها تؤسس لثقافة إسلامية ليبرالية عقلانية ومتصالحة مع العصر. كما يقدم نظرة موجزة عن تاريخ الفكر الإسلامي في المغرب، ويشير إلى أن الفكر المغربي ظل منغلقا على نفسه يعيش على ما يأتيه من الشرق ويستثمره في موقعه الدفاعي عن الإسلام في مواجهة العالم المسيحي.

وفضلا عن ذلك يشير سبيلا إلى أن فكر وأطروحات الفقيد عبد الهادي بوطالب تتناقض جملة وتفصيلا مع الفكر التقليدي الإسلامي، الذي اتسم "بأنه فكر تلق واجترار وتكرار وتلخيص... باستثناء بعض الصفحات المشرقة... كابن رشد وابن خلدون وابن باجة والشاطبي"، وذلك قبل أن تنعكس حركة الإصلاح الديني في المشرق على الثقافة المغربية، وتساهم في ظهور أعلام فكرية تدعو إلى الإصلاح الديني وتحاول التوفيق بين الإسلام والعصر في المغرب كشعيب الدكالي وعلال الفاسي.

نحو إسلام تنويري

تخرج عبد الهادي بوطالب من جامعة القرويين في المغرب وشغل عدة مناصب سياسية مهمة وكان أستاذ الملك الحسن الثاني، كما صدرت له مؤلفات عديدة بالعربية والفرنسية من بينها "بين القومية العربية والتضامن الإسلامي"، "العالم الإسلامي والنظام العالمي الجديد"، "النظم السياسية في العالم الثالث".

وينتمي الراحل عبد الهادي بوطالب إلى الفكر الإسلامي التنويري، الذي يصطدم بقوة مع الفكر الأصولي وأطروحات الحركات التكفيرية. ويكفي أن نلقي نظرة على كتابه "بعض قضايا الفكر الإسلامي" لنقف على حداثة قراءته للإسلام وجرأة هذه القراءة.

إن الإسلام وفق قراءة بوطالب يدعم الليبرالية السياسية ويناهض مظاهر التطرف الناتجة عن المغالاة والتزمت في فهم الدين، إنه دين اعتدال ووسطية و"التطرف والتشدد يعبران عن رؤية ضيقة ونظرة ثنائية تبسيطية تتجه بسرعة إلى تقسيم العالم إلى فسطاطين: الكفر والإيمان وهي فكرة تجعل العالم كله ضدنا أو تجعل العالم الإسلامي ضد العالم كله". وهذا في الواقع ما تريده كل الحركات الأصولية المتطرفة، والتي تتنافى في رأي بوطالب مع انفتاح الإسلام ومرونته وتعدديته، وترتبط أكثر بظروف اجتماعية واقتصادية معينة.

ظاهرة الإرهاب من وجهة نظر عبد الهادي بوطالب

وبجانب أطروحاته التنويرية وضع الراحل عبد الهادي بوطالب ظاهرة الإرهاب والراديكالية الإسلاموية تحت مجهره التحليلي وأعادها إلى ثلاثة عناصر:

"أولا إلى الظروف والمسببات الاقتصادية والاجتماعية. ثانيا إلى انخفاض المستوى الثقافي وثالثا إلى التحريض التنظيمي والإيديولوجي الذي تقوم به بعض التنظيمات الحركية. وفي هذا السياق تندرج إدانته للتطرف المتحجر الذي يمثله أسامة بن لادن، الذي يقول عنه إنه ليس مرجعا فكريا في الإسلام ولا يتمتع بالأهلية ليكون مرشدا أو مفتيا، ولا يشكل بأية حال مرجعية إسلامية، كما يرى أن النزعة الحركية الجهادية هي في الأساس حركة فكر إسلامي متحجر محكوم بثقافة وتصورات القرون الغابرة أي بثقافة عصور الانحطاط الإسلامي".

ومن أجل مواجهة هذه الأمراض يدعو بوطالب إلى فتح باب الاجتهاد وفهم النصوص الدينية فهما منفتحا على روح العصر وأسئلته وقضاياه الملحة وعلى حاجات الإنسان المعاصر وفي رأيه فإن "الفريضة الغائبة" ليست الجهاد كما تقول بذلك الحركات "الجهادية" بل هي الاجتهاد وإعمال العقل والجرأة على النقد وتأسيس إسلام متسامح ديدنه العدل والقبول بالآخر.

رشيد بوطيب
حقوق الطبع: قنطرة 2009

قنطرة

الفيلسوف السوري صادق جلال العظم

داعية التنوير العربي....رجل الاشتباك الفكري والديني

يُعد الفيلسوف السوري صادق جلال العظم من أشهر النقاد في العالم العربي وأكثرهم حدة. بطروحاته وسجالاته الفكرية والثقافية الطاحنة تعرض العظم إلى نيران كافة الجبهات، غير أن ذلك لم يضر بمكانته حتى اليوم. كرستين كنيب تعرض أهم المحطات الفكرية في حياة صادق جلال العظم الذي احتفل مؤخراً بعيد ميلاده الخامس والسبعين.

رؤية المفكر الجزائري محمد أركون الإصلاحية:

ناقد معاصر للعقل الإسلامي

صدرت باللغة الألمانية أطروحة دكتوراه للباحثة الألمانية الشابة المتخصصة في الدراسات الإسلامية أرزولا غونتر تتناول فيها الأسس الفكرية والفلسفية للمفكر الجزائري المقيم في فرنسا محمد أركون. برهان شاوي يقدم عرضا لأهم محاور الكتاب.

كتاب "الجسد والصورة والمقدس في الإسلام" لفريد الزاهي:

ثنائية الصور والتأويل... وجدلية التقديس والمقدس
لا يمكن تناول قضية الجسد في الإسلام دون الحديث عن كتابات عبد الكبير الخطيبي وفريد الزاهي وعبد الوهاب بوحديبة وفاطمة المرنيسي. فهذه أسماء خدشت نرجسية الفكر الإسلامي وأعادت قراءته من منطلقات أخرى ووفق مناهج مغايرة، وكان على رأس الأسئلة التي طرحتها، سؤال الجسد في الإسلام وموقعه في الرؤية الدينية وعلاقته بالمقدس وأنماط تمظهره الاجتماعية، مثلما يوضح رشيد بوطيب في مقالته الآتية.