من أجل حقوق الإنسان الفلسطيني
نساء إسرائيليات يهوديات يذهبن كل صباح إلى الضفة الغربية، في طريقهن إلى حواجز التفتيش العسكرية، التي يقف خلفها الفلسطينيون في طوابير طويلة منتظرين السماح لهم بالعبور. تقوم النساء بمراقبة ورصد تعامل الجنود الإسرائيليين مع الفلسطينيين، والسماح لهم بالمرور أو منعهم من متابعة رحلتهم. قد يحدث أحيانًا أن يقوم الجنود بردهن أو تمكينهن من مساعدة المرضى. هؤلاء النساء أعضاء في منظمة حقوق الإنسان "محسوم ووتش" Machsom Watch.
إهانة مستمرة
إنَّ كلمة "محسوم" تعني بالعبرية حواجز ونقاط تفتيش كما أنَّها تُطلق على حواجز التفتيش العسكرية، التي تحدّ كثيرًا في جميع أرجاء الضفة الغربية من حرية اختيار الفلسطينيين لمكان إقامتهم. تفصل هذه الحواجز العسكرية ونقاط التفتيش والحدود ما بين قرى متجاورة ومدن وأراضٍ بكاملها داخل المناطق الفلسطينية. تضاف إلى ذلك إجراءات حظر التجوّل وإغلاق الحدود والجدار العازل، الذي يعزل الإسرائيليين عن الفلسطينيين، ولكنه يعزل كذلك الفلسطينيين عن بعضهم.
لا يُسمح بالعبور إلاَّ لمن حصل على تصريح للعبور بعد إنجاز إجراءات معقدة. كثيرًا ما تحدث انتهاكات لحقوق الإنسان ومعاملة مهينة. تتيح كلّ هذه الإجراءات فرص فرض السيطرة التعسفية للجيش الإسرائيلي على المواطنين الفلسطينيين، الذين يُختلس منهم - من خلال وقوفهم اليومي في طوابير وانتظارهم أمام الحواجز - ما لا يمكن تعويضه: أي الوقت.
ذاكرة جماعية
تصف الكاتبة يهوديت كيرشتاين كيشيت هذه الإجراءات في كتابها "مراقبة الحواجز العسكرية" Checkpoint Watch. تعتبر الكاتبة واحدة من النساء اللواتي أسسن منظمة "محسوم ووتش". في البدء كان عددهن خمس نساء، ذهبن سوية في شهر شباط/فبراير 2001 إلى حاجر تفتيش عسكري في بيت لحم، لكي يشاهدن بأعينهن ما كان يحدث هناك: مثلاً أن تلد النساء الحوامل في الشارع، عندما لا يسمح لهن الجنود بالعبور.
صار عدد النساء في منظمة "محسوم ووتش" حوالي خمسمائة امرأة، يقمن بانتظام بمراقبة ما يحدث على حواجز التفتيش العسكرية. يعتبر معظم هؤلاء النساء من اليسار الليبرالي، من الطبقة الوسطى ذات الأصول الأوروبية، كما أنهن في متوسط العمر ومثقفات أكاديميات وعاملات. والكثيرات منهن تأثرن بالمحرقة؛ إذ أنَّهن يعنين بكرامة الإنسان الفلسطيني مثلما يعنين بالحالة الأخلاقية للمجتمع الإسرائيلي.
أما واجبهن الذي حددنه لأنفسهن فهو الشهادة على ما يعانيه الفلسطينيون من ذل واضطهاد - كذلك تكتب يهوديت كيرشتاين كيشيت أنهن يعملن من أجل "الإدلاء بشهاداتهن في محاكمات مستقبلية لجرائم الحرب والمساهمة في تكوين ذاكرة جماعية". تكمن الفكرة الأساسية في كتاب يهوديت كيرشتاين في زيادة الوعي بانتهاكات حقوق الإنسان وترسيخ هذا الوعي في ذاكرة المجتمع الإسرائيلي الجماعية.
محاضرات في المانيا
تقوم نساء "محسوم ووتش" بالعمل الإعلامي الضروري أيضًا خارج إسرائيل. كثيرًا ما تلقي روني هامرمان التي تُعدّ من أوائل المشاركات في منظمة "محسوم ووتش" محاضرات في ألمانيا حول نظام الحواجز. تقول روني هامرمان "عندما بدأنا عملنا لم يكن أحد يعلم غيرنا وغير الجنود بما يحدث هناك. واليوم صار الجميع يعرف في إسرائيل أنَّ الحواجز مسألة سلبية".
بيد أنَّ معظم الإسرائيليين يعتقدون أنَّ حواجز التفتيش العسكرية ضرورية من أجل أمن إسرائيل. "في هذه المناسبة ندعو دائمًا المواطنين إلى الذهاب معنا ثلاث ساعات بعد الظهر إلى أحد الحواجز العسكرية لمشاهدة ما يحدث هناك باسمهم"، مثلما تقول روني هامرمان وتتابع: "وحتى الآن لم يعد من هناك أي شخص مثلما كان من قبل".
جسر من التصالح
كانت منظمة "محسوم ووتش" منذ البدء "مسألة نسائية بحتة". تعتبر مواجهة الجنود على الحواجز أمرًا أسهل بالنسبة لهن من مواجهة المجتمع الإسرائيلي المطبوع بطابع عسكري. تقول روني هامرمان إنَّهن كذلك أكثر صبرًا: "أخذنا معنا أيضًا رجالاً إلى الحواجز، وأحيانًا كانت تحدث في غضون دقيقتين اصطدامات ومشاجرات بين الرجال والجنود".
هل يعتبر ما تقوم به نساء "محسوم ووتش" مساعدة إنسانية من أجل جعل الظروف السائدة عند الحواجز العسكرية "أقل قسوة" والتخفيف من وطأة الاحتلال؟ أم أنَّه نشاط سياسي ينتقد النظام؟ تعتبر هذه الأسئلة من أسخن المواضيع التي تناقشها نساء "محسوم ووتش".
يتعلق الأمر لدى بعض النساء قبل كلّ شيء بأخلاق الأبناء، أي الجنود الشبان على الحواجز العسكرية، كما يشعرن كونهن أُمّهات بأنَّهن مطالبات بالنقد. تحتل حقوق الإنسان والتضامن السياسي مع الفلسطينيين مكان الصدارة من نشاط اليساريّات المتطرّفات مثل يهوديت كيرشتاين كيشيت وروني هامرمان.
إذ أنَّهن لا يسعين من خلال نشاطهن فقط إلى إقامة درع حماية ضد إجراءات أسوأ، بل يسعين كذلك إلى إقامة جسر من أجل التصالح في المستقبل.
بقلم بيآته هينريشس
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2007