تفوق إردوغان وإنجه على حزبيهما في تركيا...وصعود اليمين القومي المتشدد
شهدت الانتخابات المزدوجة [الرئاسية البرلمانية] في 24 حزيران/يونيو 2018 في تركيا انتخاب رجب طيب إردوغان الرئيس الأول الذي يحكم بموجب نظام حكم رئاسي جديد، يمنحه صلاحيات تنفيذية قوية. بيد أن حزبه "حزب العدالة والتنمية AK Party"، لم يفقد أغلبيته في البرلمان فحسب بل شهد انخفاضاً في التأييد بما يقارب من 7 بالمئة. كما كان أداء الحزب المعارض الرئيسي "حزب الشعب الجمهوري CHP" سيئاً أيضاً: ففي عام 2015 حصل على 25 بالمئة من الأصوات، إلا أنه هذه المرة حاز على 22 بالمئة من الأصوات فحسب. ومرشحه الرئاسي، محرّم إنجة، جاء بالمرتبة الثانية بعد أن اختاره 30% من الناخبين. وقد تجاوز حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد (HDP) العتبة الانتخابية التركية (10%)، ضامناً بذلك تمثيلاً برلمانياً، بفضل دعم الأتراك في الأجزاء الغربية من تركيا. في حين أن العديد من المناطق التركية التي يهيمن عليها الأكراد استمرت بالتصويت لحزب العدالة والتنمية، رغم تحالفه السابق للانتخابات مع حزب الحركة القومية (MHP). وفي الوقت ذاته، ضمن القوميون ما يقارب من 12 بالمئة من الأصوات؛ وهذا تغيير طفيف على نسبتهم السابقة، ولكنه يمنحهم نفوذاً مهماً حين يتعلق الأمر بالتحالفات في البرلمان. سبب بسيط لنتائج معقدة ذهب الأتراك إلى صناديق الاقتراع أربع مرات منذ عام 2014، ويشتمل ذلك على انتخابين عامين، واستفتاء دستوري واحد وسباق رئاسي. بيد أن المحلل السياسي بكر أغِردير يقول: "على مدى السنوات الخمس الماضية لم نكن نجري انتخابات، بل نحصي هويات".
وفقاً لأغردير، وقعت السياسة التركية في شَرَك هذه الهويات. وهكذا، فالاقتصاد، والبيئة، والسياسة الجنسانية، والتعليم وأمور أخرى، والتي من الممكن أن تشكّل بسهولة محور نقاش في ديمقراطيات أخرى، هي ليست بمسائل أساسية للانتخابات التركية. وفي هذا البلد المنقسم بصورة كبيرة فإن الناخبين لا يعبرون عن اختياراتهم المفضلة على أساس القضايا، بل على أساس الهويات. ودائماً بالنتيجة ذاتها: انقسام ثلاثي الاتجاهات. وأول هذه التقسيمات هي المنطقة الساحلية الغربية من تركيا؛ متعلمة تعليماً عالياً، متطورة اقتصادياً وعلمانية. أما الثاني فهو الجزء الأوسط من تركيا، الذي لا يزال بحاجة إلى دعم الدولة ويميل إلى كونه أقل تعليماً كما أنه ديني. أما الجزء الثالث، الأقل تنمية اقتصادياً ويتركز في المناطق الناطقة بالكردية، ويطالب بالاعتراف بهويته الكردية. تُصوّت المجموعة الأولى بشكل أساسي لصالح حزب الشعب الجمهوري CHP، الذي لا يستطيع ضمان تصويت الآخرين. أما المجموعة الثانية فهي الأكبر بكثير وتصوّت لحزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية. والمجموعة الثالثة، الأصغر حجماً، تدعم حزب الشعوب الديمقراطي HDP، وهو حزب من المحظورات تقريباً بالنسبة للعديدين في المجموعتين الأولى والثانية. وفي هذه الصورة المنقسمة، مهما كان ما تَعِدُ به الأحزاب السياسية، فلا تتغير نتيجة الانتخابات بل تتكرر. وهذا ما حدث إلى حد كبير في الانتخابات المبكرة في 24 حزيران/يونيو 2018، ولكن ليس من دون بعض الانحرافات الصغيرة. أسباب معقدة لتغييرات بسيطة يأخذ الناخب التركي التصويت على محمل الجد إلى حد كبير. فدائماً ما يكون الإقبال كبيراً جداً وفي انتخابات يوم الأحد كان الإقبال واحد من بين الأعلى، إذ وصل إلى ما يقارب من 90%.
وفضلاً عن نظام رئاسي جديد، كان هناك أيضاً نظام انتخابي جديد. فقد اختار الناخبون من بين الأحزاب السياسية من أجل البرلمان المكوّن من 600 مقعد، إضافة إلى اتخاذهم قرار الاختيار بين الأفراد المترشحين لمنصب الرئاسة. وقد فضّل هذا النظام نهجاً استراتيجياً. وفي الانتخابات الرئاسية، غالبية الناخبين الاعتياديين لحزب العدالة والتنمية –وهم حوالي 49% في الانتخابات الأخيرة- صوتوا مجدداً لصالح إردوغان. أضف إلى ذلك بعض أصوات حزب الحركة القومية MHP، التي لم تقدّم مرشحها [الرئاسي] الخاص. بيد أن ناخبي حزب العدالة والتنمية من ذوي العقول الاستراتيجية يبدون متعبين من الغطرسة المتصورة للرئيس، والمشاكل مع السلطة القضائية، والانحدار الاقتصادي لتركيا. فاختاروا معاقبة حزبهم عبر التصويت لحزب الحركة القومية MHP بدلاً من حزب العدالة والتنمية. والعامل الرئيسي لهذا الدعم لحزب الحركة القومية MHP هو ايمان قوي أن الدولة التركية تواجه تهديداً وجودياً. إذ يشعر الناخبون بالقلق بشأن تزويد الولايات المتحدة للسوريين الأكراد بالسلاح -وهم المرتبطون بحزب العمال الكردستاني المحظور PKK- وكذلك بشأن الأعضاء البارزين في حركة غولن، التي تعتبر مسؤولة عن الانقلاب الفاشل في عام 2016، والذين وجدوا في ألمانيا ملاذاً آمناً. فمن وجهة نظرهم، لا يستطيع أي حزب معارض معالجة قضايا السياسة الخارجية هذه. ومكّنت الأصواتُ المكتسبة من حزب العدالة والتنمية حزبَ الحركة القومية MHP من التعويض عن الخسائر لصالح الحزب القومي من يمين الوسط [والمتحالف مع معارضي إردوغان] والمؤسَّس حديثاً واسمه: "الحزب الجيد" (أو "الحزب الصالح" أو "الحزب الخيِّر": حزب إيي). كما التقط هذا الحزب الجديد بعض الأصوات من حزب الشعب الجمهوري CHP، لا سيما القوميين الذين يؤمنون أن الحزب المؤسَّس يجب أن يتخذ موقفاً أشد صرامة في مواجهة حزب الشعوب الديمقراطي HDP. أما المرشح الرئاسي لحزب الشعب الجمهوري CHP "إنجة" فقد تفوق على حزبه بما أنه المتنافس الوحيد الذي حاز على الدعم من قطاعات المجتمع الثلاثة كلها. وقد زار صلاح الدين ديميرطاش، المرشح الرئاسي عن حزب الشعوب الديمقراطي المسجون، ووعد بحل للقضية الكردية يقوم على المساواة. وقد قال إن حظر الحجاب لن يعود أبداً. ووعد بأن كل الدعم الاقتصادي المقدّم من حزب العدالة والتنمية سيتواصل بل سيتزايد. [embed:render:embedded:node:31743] كان إنجة قادراً على إقناع البعض، بيد أن الوعود ذاتها لم تُسمَع من قبل حزب الشعب الجمهوري CHP، مما يعني أن الحزب خسر موجة دعم لمرشحه. وقد صوّت الناخبون المحتملون لحزب الشعب الجمهوري CHP، لا سيما في الغرب، لحزب الشعوب الديمقراطي HDP، أملاً في دفعه فوق العتبة الانتخابية وبالتالي الحد من هيمنة حزب العدالة والتنمية على البرلمان. وبالمقابل، فضّل بعض ناخبي حزب الشعوب الديمقراطي HDP إنجه للرئاسة. ربما كان هذا أيضاً من أعراض الحملة الانتخابية التي أعاقتها النسبة الكبيرة من كوادر حزب الشعوب الديمقراطي الأساسيين الذين مازالوا في السجن. وبالتالي عن مجتمع تركي منقسم نجمت هذه الهزائم والانتصارات المنقسمة. وإن كان هناك تغييرات طفيفة في سلوك الناخب، فتبقى بغالبها ضمن التحالفات السابقة للانتخابات. وكما يقول المحللون مثل أغردير، فإن السبيل الوحيد للخروج من هذا المأزق سيكون بإنتاج سياسات تعالج بصورة مقنعة مطالب وشواغل قطاعات المجتمع الثلاثة كلها. وفي الوقت الراهن، يتعين على الرئيس إردوغان، الذي يمتلك سلطة تنفيذية قوية من دون أغلبية برلمانية، أن يعتمد على دعم حزب الحركة القومية MHP. وهذا لا يبشر بخير لطموحات تركيا بالانضمام للاتحاد الأوروبي، أو لحل القضية الكردية. وكما ثبت في الماضي، يمكن لحزب الحركة القومية MHP أن يكون متقلباً - مما قد يجعله شريكاً صعباً لحزب العدالة والتنمية. عائشة كاراباتترجمة: يسرى مرعيحقوق النشر: موقع قنطرة 2018ar.Qantara.de