تمثيل المسلمين في ألمانيا أم ترويض رسمي للإسلام؟
يُعتبر جيم أوزدمير في الواقع واحدًا "فقط" من بين عشرة موقِّعين وموقٍّعات على "مبادرة الإسلام العلماني"، وواحدًا فقط من أوائل مؤيِّدي البيان، الذي نشرته الصحيفة الأسبوعية الألمانية "دي تسايت" يوم الخميس 22 / 11 / 2018. لا يفهم الكثيرون لماذا ظهر اسم جيم أوزدمير على الوثيقة التأسيسية. أمَّا هو فيبتسم بلطف لأنَّ العديد من وسائل الإعلام تذكر اسمه كمؤسِّس لهذه المبادرة. وبحسب تعبيره فقد بات يحدث معه وعلى نحو متزايد أنْ يؤدِّي توقيعه على نصّ ما إلى إبرازه بصورة خاصة، سواء كان ذلك هجاءً له أو مديحًا.
وضمن هذا السياق يقول للذين يسألونه: "لقد وقَّعتُ على البيان التأسيسي لأنَّني أؤيِّد نصّه وليس لأنَّني أتَّفق مائة في المائة مع جميع المشاركين في التوقيع عليه".
غير أنَّ أوزدمير يجيب هكذا فقط حتى لا ينسب لنفسه جهد الآخرين - وربما لأنَّه يشعر أيضًا بعدم الراحة وهو برفقة بعض مؤسِّسي مبادرة الإسلام العلماني، وهم: حامد عبد الصمد ولاله أكغون وسيران أتيش ورالف غضبان ونجلاء كيلِك وأحمد منصور وسوزانه شروتر وبسام طيبي وعلي إرتان توبراك. وهم جميعًا أشخاص معروفون - على الأقل بالنسبة للذين يهتمون بالجدل حول الإسلام في ألمانيا.
تسعى المبادرة بحسب نصّ بيانها التأسيسي للإسهام في "استئناف النقاش حول الإسلام في ألمانيا"، الذي تدَّعي أنَّه نقاشٌ مصابٌ بالشلل. من غير المفهوم لماذا يعتقد الموقِّعون أنَّ النقاش حول الإسلام "مصاب بالشلل" هنا في هذا البلد، مع أنَّ العديد منهم بالذات كثيرًا ما يتحدَّثون في وسائل الإعلام الألمانية ولهم حضور في سوق الكتب الألمانية.
"نادي مُنْتَقِدي الإسلام المُنْتَقَدين"
يتم وصفهم في التقارير الإعلامية المنشورة حول هذه المبادرة الجديدة كـ"خبراء في شؤون الإسلام" و"مُثقَّفين وسياسيين"، ويُعتبرون من المدرجين على "لائحة انتقاد الإسلام" أو حتى "مُنْتَقَدين في نادي مُنْتَقِدي الإسلام". يوجد مِنْ بين الموقِّعين أيضًا أفرادٌ يُقدِّمون حججًا لمواقف يمينية متطرِّفة ومعادية للإسلام. فلماذا توجَّهَ سياسي حزب الخضر إلى صفوف أولئك الذين أصبحوا من "مُرَدِّدي عبارات" اليمينيين الشعبويين وحزب البديل من أجل ألمانيا الشعبوي؟ بدلًا من أن يحكم على بعض الموقِّعين، يشرح أوزدمير كيف شارك في هذه المبادرة.
ويقول إنَّه تلقَّى نصَّ الدعوة لتأسيس المبادرة مع الرجاء بدعمها: "وجدتُ مضمونها جيِّدًا ووقَّعتُ عليه". ويضيف أنَّه مستمر في دعمه هذا المضمون، وأنَّه سيوقِّع مرة أخرى على أية دعوة لممارسة دينية من جانب المسلمين، تؤيِّد العدالة بين الجنسين وتنبذ التمييز على أساس الجنس ومعاداة النساء والمثليين، وتدعو السياسيين إلى تعزيز هذه القوى والطاقات وليس الجمعيَّات الإسلامية المُوَجَّهة من الخارج: "ربما يكون الجميع قد استنتجوا في الأعوام الماضية أنَّني لست محبوبًا لدى جميع الموقّعين والموقّعات، وأختلف بوضوح عن البعض في الأسلوب والمضمون".
ولكن في هذه الأثناء بات بإمكانه أن يلقي نظرة أكثر دقة إلى الجماعة التي من المحتمل أنَّه انضم إليها.
جهات فاعلة معروفة كثقل موازن للجمعيات والروابط الإسلامية
أمَّا العقل المدبر لـ"مبادرة الإسلام العلماني" فهو علي إرتان توبراك. صحيح أنَّه معروف أيضًا - ولكنه ليس بارزًا تمامًا مثل سياسي حزب الخضر جيم أوزدمير. وربَّما يرجع سبب ذلك أيضًا إلى أنَّ توبراك - العلوي ورئيس "الجالية الكردية في ألمانيا" - دوره هامشي في تقارير وسائل الإعلام كمؤسِّس لهذه المبادرة.
إذا سئل توبراك عن دوافعه فعندئذ يقول: "الفكرة هي أن نجمع بين الجهات الفاعلة، التي تكافح بمفردها منذ أعوام من أجل خلق ثقل موازن للجمعيات والروابط الإسلامية". الهدف هو معارضة "الجمعيات الأصولية"، التي عملت حتى الآن كشريك في حوار مع السياسيين، من أجل توفير وطن للشباب ذوي الخلفية المسلمة، مثلما يقول المستشار السياسي، علي إرتان توبراك.
وهذا في حدِّ ذاته مشروع جميل. وعلى الرغم من ذلك فإنَّ معظم النقَّاد لا ينزعجون من الفكرة بقدر انزعاجهم من المشاركات والمشاركين، الذين "جمعهم" توبراك هنا في هذه المبادرة.
قد يَنْفر بالذات المسلمون الذين يفترض أن تَكسَبهم المبادرة بسبب وجود أسماء مثل حامد عبد الصمد وسيران أتيش ونجلاء كيلِك: وهذا أحد الانتقادات الرئيسية لهذه المبادرة، التي تتم الإشادة بها في شبكات التواصل الاجتماعي من قِبَل البعض، وتعتبر من ناحية أخرى مدعاة للسخرية من قِبَل الآخرين - كمبادرة من أشخاص يريدون أن يُقرِّروا مَنْ هو المسلم الجيِّد وكيف يجب أن يكون "الإسلام المتوافق مع ألمانيا".
وضعت أستاذة العلوم السياسية شيرين أمير معظمي النقاط على حروف المشكلة في مساهمة لها منشورة على موقع "تسايت أونلاين" عندما كتبت أنَّ الأمر يتعلق "في مشروع الاندماج أيضًا بالموارد وسلطة التفسير" وأنَّ السياسة قد "عزَّزت الانقسامات داخل الجهات الفاعلة الإسلامية".
"لقد تحوَّل مؤتمر الإسلام في ألمانيا إلى ما يشبه المُرَوِّض في منافسة بين المسلمين المُمثَّلين فيه من أجل مصلحة الدولة"، مثلما تقول الأستاذة شيرين أمير معظمي، التي تُدَرِّس في جامعة برلين الحرة. وتنتقد الموقِّعين على "مبادرة الإسلام العلماني" لأنَّهم يعملون طبقًا لنموذج يُصنِّف "المسلمين الجيِّدين والسيِّئين" ويجعلون "نسختهم الخاصة من الإسلام معيارًا من أجل حلِّ الأزمات الاجتماعية". وهنا يتم تصوير جميع المسلمين الذين لا يتطابق فهمهم للإسلام مع رؤية "الدين الخالي من الجراثيم" كرجعيين.
تحفيز النقاش حول المفاوضين
جيم أوزدمير غير معني بالجوانب الفقهية. يقول سياسي حزب الخضر: كان من الجيِّد في المرحلة التحضيرية لمؤتمر الإسلام الألماني تحفيز النقاش حول مسألة المفاوضين مع السياسيين في قضايا الإسلام. وبالمناسبة تكرَّرت في الماضي المحاولات من أجل توحيد الأشخاص البارزين تحت سقف واحد بهدف تعزيز القوى الليبرالية بين المسلمين - ومن بين هذه المحاولات مثلًا "منتدى الإسلام الألماني"، الذي تم تأسيسه قبل ثلاثة أعوام بدعم من مؤسَّسة كونراد أديناور.
هل يريد جيم أوزدمير مواصلة العمل في مبادرة الإسلام العلماني؟ من المحتمل أنَّ هذا السؤال غير مطروح بالنسبة له قطّ. في حديث معه أوضح أنَّه لا يريد المشاركة في الجدال حول مَنْ لا يتكلم مع مَنْ ولماذا، بل يرغب في مواصلة وقوفه إلى جانب جميع الأشخاص الذين يريدون مطالبة الجمعيات الإسلامية بإجراء عملية تحوُّل، ويريدون الدفاع عن مصالح جميع الأشخاص، الذين لا يشعرون بأنَّهم مُمثَّلون تحت مظلة الاتّحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية (Ditib) وجماعة ملّي غوروش الإسلامية (Millî Görüş) وشركائهما والابتعاد عن جميع أشكال التعصُّب والقومية - امتدادًا من حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) وحتى حزب التنمية والعدالة التركي (AKP).
ما أن توجَّهت هذه المبادرة إلى الرأي العام حتى بات من المتوقَّع أنَّها مجرَّد "عمل متسرِّع نهايته الفشل". وهذا ليس غريبًا جدًا، لا سيما وأنَّ "منتدى الإسلام الألماني" أيضًا قد أصبح الآن طيَّ النسيان.
تُبيِّن حملات مثل "مبادرة الإسلام العلماني" و"منتدى الإسلام الألماني" أنَّ هناك نقصًا في وجود جهات فاعلة غير مُسْتَهلَكة تعمل بشكل رسمي من أجل حياة المسلمين القائمة في ألمانيا على قيم المجتمع الألماني الأساسية.
نحن بحاجة إلى الجهات الفاعلة الجديرة بالمصداقية وليس لأولئك الـ"محروقين" كنقَّاد الإسلام أو "المُلوَّثين" بسبب نشاطاتهم في الأوساط اليمينية الشعبوية.
جنان توبتشو
ترجمة: رائد الباش
حقوق النشر: موقع قنطرة 2018
ar.Qantara.de