"لماذا لم يعد أحدٌ اليوم يشغف بغاندي؟"

تُعتبَرُ روايته "المحارب الإلهي الصغير" نداءً حارًا ضد كل أنواع العسكرة؛ بيد أنَّ كيران نغاركار يتصارع خارج إطار عالمه النثري مع التناقضات الكامنة في التخلي الجذري عن العنف. لويس غروب التقى الكاتب الهندي في كولون.

قدم كيران نغاركار بروايته "المحارب الإلهي الصغير" أهم رواية في هذا الموسم، وكادت آراء مجمل الصفحات الثقافيّة أن تجتمع في مراجعاتها على ذلك. تدور القصة حول حكاية رمزية زاخرة يرويها كيران نغاركار برغبة كبيرة، تتناول جنون التعصب على خلفية دينية.

بيد أن كيران نغاركار ليس مخادعًا أدبيًا متقلبًا امتطى قطار موضوعٍ إعلاميٍ رائجٍ بعد الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، بل هو كاتبٌ ذو توجُّهٍ فلسفي، لا توجهه الموضة الأدبيّة ولا يهتم بها. فقد عمل لمدة أكثر من سبع سنواتٍ على روايته "المحارب الإلهي الصغير". وقال بهذا الصدد شارحًا: "لم يعن لي الحادي عشر من أيلول/سبتمبر أيّ شيء -أو لنقل بشكل أدق- لم يعن لكِتِابي أيّ شيء".

عولمة الإرهاب

بعد تبادل التحية في قاعة الفطور التابعة للفندق وجدنا سريعًا ركنًا هادئًا للتبادل الحديث . وتكلمنا عن التسامح، والتعصب الديني، وإرث غاندي السياسي، وعن قضية الشرق الأوسط. حيث استهل نغاركار حديثه بالكلام عن الإرهاب الإسلامي، وعن ما خبرته أمريكا والهند في هذا الصدد.

"تتعامل الحكومة الأمريكية مع الأمر وكأن الولايات المتحدة الأمريكية أول دولةٍ تقعُ ضحية ضرباتٍ كهذه. ما هذا الهراء!"

يتحدث الكاتب المنحدر من بومباي بلكنته البريطانية الهندية على نحوٍ بهيجٍ ونشيط بليونته، بيد أنَّ نقمته الأخلاقية بارزةً بوضوح في نبرته. "خبِرنا الضربات الإرهابية في الهند منذ زمنٍ بعيد. والإرهاب ليس بالأمر المستجد. أما عولمة العنف وعولمة الإرهاب فهما على العكس من ذلك حديثين. وهذا هو الأمر المرعب حقًا."

"لم نكن أغبياء لدرجة منعتنا من أنْ نتبع غاندي"

ولِدَ كيران نغاركار في عام 1942، أي في خضم قلاقل النضال من أجل الاستقلال من الاستعمار، حيث كان المهاتما غاندي يتبوأ هذا النضال. وصحيح أنَّ جواهرلال نهرو هو من انتزع اعتراف البريطانيين بالاستقلال -مقابل زجِّ جنودٍ من الهند في الحرب العالمية الثانية- إلا أنَّ غاندي كانت الشخصية التي بيَّنَت للبريطانيين أنَّ شبه القارة الهندية لم تعد مستعدةً للإذعان لإرادة الإمبراطورية العظمى.

أما حقيقة أنَّ غاندي قد استطاع إجبار البريطانيين على التنازل عبر نضال سلمي لا يعرف الهوادة، فهو أمرٌ يتفكر به نغاركار دائمًا كما يوضِّح، وهكذا ينتقل بنا في هذا الحوار إلى هذا الموضوع.

"نحن البلد الوحيد في العالم الذي تمكن من تحقيق استقلاله عبر النضال السلمي اللاعنفي، وكان وجود غاندي، هذا الرجل الفريد بين صفوفنا من أهم الأسباب، أو ربما السبب الأهم على الإطلاق. وقد كان غاندي رجلاً نادرًا جدًا بالفعل! لا يوجد لدينا نحن الهنود الكثير مما يستدعي الفخر، لكن بوسعنا أنْ نكون فخورين لأنَّنا لم نكن في حينه على درجةٍ من الغباء تمنعنا من منح الثقة وإتباع ذاك الإنسان الأكثر رُقيًّا من بين من عاشوا بيننا.

ويضيف نغاركار: "هكذا بدأنا نؤمِن إذًا بأنَّنا قادرون على امتلاك هذه الخاصية المسالمة التي تكاد تكون مُحَالاً للجنس البشري". ويقارب الكاتب بمزاجٍ حكّائيٍ فيّاض موضوعه الجاف المُر: "اللاعنف مبدأٌ مهمٌ للغاية من الناحية النظرية، أما في واقع الممارسة العملية فلا نجده البتّة".

فقدان المُثُل

"حينذاك، يوم الخامس عشر من آب/أغسطس عام 1949 اكتشفنا فجأةً تقريبًا أنَّنا عنيفون مثل كافة البشر الآخرين، (أنا أُبالغ هنا بعض الشيء بالطبع)، إن لم نكن أكثر عنفًا من الآخرين! هكذا قُسِّمت البلاد. بعدها بوقتٍ قصير، جاء ذاك الهندوسي المتعصب وأطلق النار على المهاتما غاندي فأرداه قتيلاً. وهذه كانت نهاية الحكاية. ومنذ سنوات أتساءل عما حدث آنذاك: ما الذي حدث حتى تخلّينا عن مثُلِنا؟ كيف حدث ذلك؟"

تُشغِله مرحلةُ الانتقال من حالة اللاعنف إلى حالة العنف منذ سنوات، كما يقول نغاركار: "ولديَّ الانطباع بأنَّنا في طور إضاعة إمكانية الحوار والتفاهم". وليس نغاركار بالمسالم الراديكالي الحالم: "أقول هذا من موقع شديد التبايُن"، كما يقول، ونلاحظ اشتغال ذلك بداخله على محياه وتركيزه أثناء الحديث.

وجْهَا الانتفاضة

"أؤمن بالنضال اللاعنفي، وبالرغم من ذلك لديَّ موقفٌ متباينٌ إزاءه. إذ أنَّني لا أريد أنْ أنكر أنَّه ليس بوسع المرء أنْ يستثني العنف بوصفه وسيلةً أثناء النضال من أجل الحرية. وبفضل بوش، وبلير، والمحافظين الجدد، وبفضل صورنا النمطية وأحكامنا المسبقة، نميل في الآونة الأخيرة لأنْ ندمغ كل من يستخدم العنف بدمغةٍ معينة، وهذا هراءٌ مطلق!"

"فالمقاومة الفلسطينية لا يمكن مساواتها بضربات القاعدة. ويُسَهِّل المرءُ الأمر على نفسه كثيرًا عندما يقول: أجل إنَّ الدّين يحفِّز الفاعلين على تفجير أنفسهم لأنهم يؤمنون بأنَّهم بذلك يدخلون الجنة. هذا هراءٌ مطلق! أين نجد شيئًا من هذا القبيل في القرآن؟!"

ألله هو الحياة بعينها

ثمة جملة في "المحارب الإلهي الصغير"، يقتبسها نغاركار في كل مقابلة صحفية تقريبًا، ويعيد ذكرها أيضًا في هذه المناسبة: "There is only one God and Her name is Life. She is the only one worthy of worship. All else is irrelevant." "هناك إلهٌٌ واحدٌ اسمه الحياة. هي الوحيدة التي تستحق العبادة، وما غير ذلك فليس ذو أهمية"

لكنَّ هذا الاقتباس الجميل والمُعبِّر يبدو أقل تأثيرًا في هذا الحديث بالمقارنة مع مقابلاتٍ أخرى لنغاركار، لا بل هو أقرب إلى تعويذةٍ يرددها الكاتب، آملاً أن ينسخ بذلك التناقضات الفلسفية التي لم تُحل، والتي تنغصُ عليه.

وعلى عكس الكثير من الكُتَّاب والمثقفين، الذين يغطُّون على تناقضات مواقفهم من شؤون الحياة، من خلال صفِّهم السفسطائي للجمل الرنانة أو الأقوال المأثورة، فإنَّ نغاركار على استعدادٍ لأن يواجه الشك بالرغم من المتاعب المترتبة عنه. وهذا الخُلُقُ الحميد يقف حجر عثرة أمام وضع هذا المثقف في المشهد العام بوصفه "مفسِّرًا للعالَم" ، لكنه يجعل من نغاركار مفكِّرًا حرًا بالمعنى الدقيق للكلمة.

لويس غروب
ترجمة يوسف حجازي
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

في العلاقة بين الأدبين الهندي والعربي والعربي
يستضيف معرض فرانكفورت الدولي للكتاب هذا العام الهند. بهذه المناسبة تركز دور النشر الألمانية في إصدراتها على الأدب الهندي. ماهر شرف الدين يطلعنا على العلاقة بين الأدبين الهندي والعربي

الأدب في باكستان
بينما تبحث باكستان اليوم عن طريقها الوسطي، بين الإنبعاث العلماني والخطر الأصولي، تحت قيادة الجنرال مشرف، لا يصل من الأوساط الأدبية الحية إلى الغرب سوى القليل. من يعتقد أن المسؤولية تقع على اللغة الإنكليزية، لغة السوق والعولمة، ليس مخطأً، لكنه كذلك ليس مصيباً تماما. تقرير كلاوديا كراماتشيك