فلسطين مطلع القرن العشرين - صور الباحث الألماني غوستاف دالمان لمعشوقته القدس
-
-
في أدراج متحف المعهد الألماني البروتستانتي للآثار القديمة في الأراضي المقدَّسة DEI في القدس كان يختبئ طيلة أعوام عديدة كنزٌ - مكوَّن من نحو مائة وعشرين شريحة زجاجية من مجموعة غوستاف دالمان (ولد عام 1855 وتوفي عام 1941) الخاصة. -
غوستاف دالمان هو لاهوتي ألماني، جاء إلى القدس في عام 1902 كأول مدير للمعهد الألماني البروتستانتي للآثار القديمة في الأراضي المقدَّسة، وقد كان معجبًا بفلسطين وأهلها. وفي عمله لم يكن يقتصر على المراقبة والتوثيق؛ بل إنَّ غوستاف دالمان كان ينام في خيام البدو، وقد تعلَّم كيف يحرث الأرض بأساليب محلية وينسج المنسوجات ويخبز الخبز. -
كان لاهتمامه في الأراضي المقدَّسة عنصرٌ روحي أيضًا، ولم يكن غوستاف دالمان ينظر إلى حقيقة أنَّ الكتاب المقدَّس قد تكوَّن في جنوب بلاد الشام وأنَّ الأحداث الموصوفة فيه قد دارت هناك، على أنَّها مجرَّد صدفة، بل كان يعتبرها قضاءً مُقدَّرًا من الله. وكان مقتنعًا بأنَّ اللاهوت يلغي أساسه في حال إهماله هذه الحقيقة. -
شمل اهتمام أبحاث غوستاف دالمان الجوانب الطبوغرافية والجغرافية وكذلك الآثار من عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر العربي، بالإضافة إلى العادات والتقاليد وأساليب العمل المتَّبعة لدى السكَّان المحليين وأخيرًا اللغة. وجمع هذه الجوانب المختلفة، وقد أنشأ من خلال الدراسات الفلسطينية مجال بحث جديد، كان يعتبره كعلم مساعد للدراسات اللاهوتية. -
أدرك غوستاف دالمان قيمة مجموعته الكبيرة من الصور الفوتوغرافية وفوائدها العلمية. وهذه الصور لم يتم التقاطها لأغراض سياحية، بل كانت تهدف فقط إلى المساعدة على توضيح البحوث العلمية. -
في الدورات التي كان يقوم بتنظيمها ذكر غوستاف دالمان للمشاركين أنَّ "كاميرا التصوير الفوتوغرافي يجب أن تلتقط الجوانب المميَّزة، وليس الفضول أو الأشياء غير المهمة. في السابق كان الرسم وسيلة جيِّدة لتعميق المشهد الطبيعي. والآن يجب فعل الشيء نفسه، وذلك من خلال مراقبة الأشكال والألوان والناس في الطبيعة بهدوء وتسجيل الملاحظات في الدفتر". -
غوستاف دالمان كان على قناعة بأنَّ مَنْ أراد أن يفهم الكتاب المقدَّس، فيجب عليه دراسة الأراضي المقدَّسة من جميع جوانبها. ومع اتِّباعه هذا النهج قام بتصنيف مجموعات مختلفة من الصخور والنباتات والأخشاب والحيوانات وأدوات الحياة اليومية والآلات الموسيقية والنقود المعدنية والملابس، ومجموعة من القطع الأثرية وكذلك مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية. -
عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى في عام 1914، كان غوستاف دالمان يقضي إجازته في زيارته السنوية لوطنه ألمانيا. وفي البداية حالت الحرب دون عودته إلى القدس. ولذلك فقد تأخَّر في إنجاز مجموعاته الكبيرة من الصور - بما في ذلك الصور المعنية - في الأراضي المقدَّسة. -
فقط في عام 1921 تمكَّن غوستاف دالمان من العودة لبضعة أشهر إلى حبيبته القدس، من أجل تنظيم نقل مقتنياته ومجموعاته إلى مدينة غرايفسفالد الألمانية، حيث بدأ العمل في هذه الأثناء كأستاذ جامعي هناك. وهكذا وصلت الشرائح الزجاجية إلى ألمانيا. وانتقل الكثير من الصور إلى المجموعة الكبيرة من الصور الفوتوغرافية الخاصة بمعهد غرايفسفالد للدراسات الفلسطينية، الذي أسَّسه غوستاف دالمان (وبات يعرف اليوم باسم معهد غوستاف دالمان). -
الصور المعروضة هنا هي شرائح زجاجية خاصة بالعرض الضوئي من مجموعة غوستاف دالمان الخاصة. وعلى الأرجح أنَّها التقطت في الفترة ما بين مطلع القرن العشرين وحتى الثلاثينيات. وتمتد موضوعات الصور من تصوير المناظر الطبيعية والمناظر المعمارية وحتى الموضوعات الإثنولوجية والنباتية. -
عمل استوديو التصوير على تلوين الشرائح الزجاجية. وقد غطَّت الصور المعروضة مجالاً واسعًا من المواضيع - التي تمتد من حياة الأهالي في الأرياف إلى وباء الجراد في فلسطين وحتى الحرب العالمية الأولى. -
كان السويدي إريك ماتسون وزوجته الأمريكية إديث من المصوِّرين الأكثر شهرة في المستعمرة الأمريكية. وقد تخصَّصا في تلوين الشرائح الزجاجية، التي تم تصويرها أصلًا بالأسود والأبيض. واستخدما الألوان الزيتية وفرشاة دقيقة جدًا، بعضها بشعرة واحدة فقط لتلوين الشرائح الزجاجية في عمل يدوي متعب، بحيث يمكن لهذه الشرائح أن تتحمَّل حرارة جهاز العرض الضوئي. واعتمد التلوين على الذاكرة أو الرسومات. -
لكن مع ذلك فإنَّ جودة عملهما تجعل المشاهد يعتقد في كثير من الأحيان أنَّ هذه الصور في الواقع هي صور ملوَّنة. وبجهاز العرض الضوئي يمكن عرض هذه الصور بدقة عالية جدًا - تمامًا مثلما أرادها غوستاف دالمان، الذي كان يُعلِّق دائمًا في محاضراته أهميةً كبيرة على وضوح الصور ودقَّتها. -
اشترى غوستاف دالمان بعض هذه الشرائح الزجاجية من مخزن المستعمرة الأمريكية فستر وشركاؤه في القدس. وكان محل التصوير هذا معروفًا بتكنولوجيته المتقدِّمة ومجال المواضيع الواسع وبمصوِّريه المرتبطين ارتباطًا وثيقًا بفلسطين. ولأكثر من خمسين عامًا قام مصوِّرو المستعمرة الأمريكية بتوثيق الحياة في فلسطين وقد أنتجوا أكثر من عشرين ألفًا من الصور السلبية الزجاجية (النيغاتيف) وكذلك الصور الفوتوغرافية. -
هناك شرائح زجاجية أخرى أتت من شركة أوفاكروم المساهمة في ميونيخ، والتي تم تأسيسها في عام 1918 من قبل آرتر تراوبه وكانت تصنع الصور السلبية الملوَّنة والصور المطبوعة باستخدام طريقة Uvatypie. وكذلك تم إنجاز بعض الصور الأخرى بطريقة أوتوكروم الخاصة بالأخوين أوغوست ولويز لوميير. ترجمة: رائد الباش / حقوق النشر: موقع قنطرة 2016 ar.Qantara.de
https://qantara.de./ar/node/31063
نسخ الرابط
كل الصور