"الحاج موسى هو خليفة موسى الحاج في رئاسة الجزائر"
اسم بوتفليقة يتردد صداه باللغة الفرنسية في زوايا مقهى تركي في قلب مدينة كولونيا غرب ألمانيا. اِسم الرئيس الجزائري لا يصدر عن أفواه الشبان الجزائريين الجالسين في المقهى. لكنه يتكرر في نشرة أخبار قناة "فرانس مغرب" من جهاز تلفاز رقمي معلق على حائط المقهى، يتلقى إرسال قنواته الإذاعية والتلفزيونية عبر الأقمار الصناعية، كما هو مألوف في كثير من المقاهي والمنازل.
لا غرابة في تكرار اسم الرئيس في لغة الأخبار بهذا الشكل، فبعد أيام قليلة تنطلق الانتخابات الجزائرية الرئاسية لعام 2014، التي من المرجَّح أن يكون الرئيس بوتفليقة أوفر مرشيحها الستة حظاً، رغم مرضه الطويل وإصابته بجلطة دماغية يقال إنه شفي منها.
يبتسم التركي تونجاي كوزان، صاحب المقهى، بوجهه الحافل بتقاسيم توحي بالطيبة من خلف نظارته الطبية، ومن ورائه على الحائط راية كبيرة ملونة بالأخضر والأبيض يتوسطها هلال أحمر فيه نجمة حمراء: إنها ليست علم تركيا أو حتى ألمانيا، بل علم الجزائر. لا عجب في ذلك أيضاً. فمعظم زوار مقهاه، حيث تُباع أيضا حلويات ومشروبات جزائرية، هم من الجزائريين القاطنين في ألمانيا، والمتقنين بطبيعة الحال أيضاً للغة الفرنسية.
"جميعنا بشر. ولا فرق بيننا. يأتي إلى مقهاي أناس من جميع الجنسيات. لكن مقهاي، الذي أتولاّه منذ عامين، بمثابة ملتقى للجزائزيين. لذلك أعلّق علم الجزائر على حائط المقهى. إن ما يجمعهم هنا هو حب اللقاء بحد ذاته وأيضاً لعب الدومينو وورق الشدة، وما يلمّ شملهم هنا قبل كل شيء هو حبهم لمشاهدة مباريات كرة القدم على شاشة تلفاز المقهى"، يقول التركي تونجاي كوزان ذلك باللغة الألمانية، وهو يقدّم فنجاناً من القهوة للشاب الجزائري خالد، الذي يعيش في ألمانيا منذ 24 عاماً ويعمل في قطاع تخزين البضائع.
الشاب خالد "ضد الجنرالات الجزائريين..أولاد فرنسا"
خالد مقاطع للانتخابات، لأنه مقتنع بأن نتيجتها ستكون: "الحاج موسى هو موسى الحاج"، كما يقول خالد بحسب المثل الجزائري، أي لن يتغير في السلطة شيء. ويرى خالد أن على بوتفليقة ألا يحكم البلاد لأنه "رجل مريض، وعليه أن يرتاح". يتذكر خالد، وهو من الجزائر العاصمة، سبب خروجه من الجزائر قائلاً: "في التسعينيات بعد أن نجحت الفِيس FIS في الانتخابات (الفيس اختصار للاسم الفرنسي لجبهة الإنقاذ الإسلامية Front islamique du salut) وبعد أن صوّتَ الشعب لها بأغلبية ساحقة جاء الجنرالات الجزائريون من أبناء فرنسا العلمانية وأشاعوا حينذاك الفوضى في البلاد، وقتلوا آلاف الناس المساكين. وهم، أي الجنرالات، يتمتعون مع أولادهم في سويسرا وإنكلترا وفرنسا"، يقول خالد، الأبيض البشرة والعصري الملبس والمتوسط القامة والأنيق في تسريحة الشعر.
يتذكر خالد أخاً له سُجِن في الصحراء مع آخرين لسنوات تمكّن أخوه من الهرب بعد خمس سنوات منها، ويتذكر أيضاً أخاً لأحد أصدقائه قُتل في تلك الأوقات. وسبب ملاحقتهم هو أنهم كانوا متعاطفين مع جبهة الإنقاذ الإسلامية. ويقول: "لقد كانت كل الجزائر مؤيدة للإسلاميين"، ويضيف: "لقد انقلب الجنرالات وقتذاك على جبهة الإنقاذ الإسلامية، التي حصلت على أغلبية كاسحة من الأصوات في الجزائر، ثم اتهموا أعضاءها بالإرهاب، تماماً مثلما انقلب العسكر على مرسي في مصر مؤخراً واتهموا مؤيديه بالإرهاب".
يعتبر خالد (عمره 43 عاماً) أن جنرالات الجيش يشكّلون "مافيا" تحكم الجزائر وأن بوتفليقة ليس إلا واجهة أو "خُضرة فوق الطعام"، كما يقول المثل الجزائري، بحسب تعبير خالد، مشبّهاً بوتفليقة بأنه مجرد "دمية" يحركها هؤلاء "الحكام الفعليون"، ويذكر بعض أسمائهم.
ويضيف خالد، الذي يمتلك جنسية ألمانية وكذلك جنسية جزائرية: "لقد اضطررتُ إلى الخروج من بلادي بعد إنهائي تعليمي المدرسي. فالدولة غنية والناس فقراء. ولا شغل ولا تكوين مهني". ويعتبر أن انتشار المخدرات في البلاد بين الشباب سببه البطالة، ويضيف: "فلو وفرت الدولة العمل لهؤلاء لما انحرفوا إلى أعمال شيطانية"، بحسب تعبيره، بل وإلى أعمال قد يكون فيها مجازفة وخطر على الحياة، كما حدث لمحمد الزري، الشاب الجزائري الآخر، الواقف عند باب المقهى يدخّن سيجارة ويشرب فنجانا صغيرا لكن مركَّزاً من القهوة الثقيلة.
محمد مهاجر سرِّي وكمال يعمل من أجل عائلته
"أنا لاجئ في ألمانيا. وهاجرتُ بطريقة غير شرعية. غامرتُ بنفسي وحياتي للوصول إلى أوروبا. قبل أكثر من سنتين ونصف اختبأتُ في الجزائر في سفينة نقلتني إلى فرنسا ومنها جئتُ إلى ألمانيا. سبب لجوئي إلى ألمانيا هو البطالة في الجزائر. وحالياً أتلقى مساعدة مالية من الحكومة الألمانية: 226 يورو في الشهر بالإضافة إلى السكن. هذا لا يكفي لذلك اضطر إلى العمل في السوق السوداء"، يقول الشاب المتوسط القامة والأفحم الشعر والحنطي البشرة وهو أيضا من الجزائر العاصمة.
يتمنى محمد الزري أن يتغير الطاقم الحاكم بأكمله في الجزائر عقب انتخابات 2014. لكنه في المقابل يخشى من وصول أشخاص جدد إلى السلطة معللاً ذلك بقوله: "بوتفليقة وجماعته نهبوا ثروات البلاد ووصلوا إلى درجة التشبع، وإذا أتى غيرهم فإنهم سيريدون أخذ نصيبهم من ثروات البلاد، ولذلك ربما من الأفضل أن يبقى بوتفليقة لولاية رابعة". ويعبر رغم ذلك عن حبه لبلده ويقول: "لم أستطع العيش في الجزائر بسبب عدم حصولي على عمل. لكن أعز ما في الجزائر هما الوالدان". العائلة هي ما يجبر آخرين على العمل خارج البلاد، مثل كمال الذي دخل المقهى للتو. كمال، الطويل القامة والعريض المنكبين والمرتدي قبعة، يعمل كمساعد طباخ في ألمانيا منذ عام 2011.
"خرجتُ من بلدي طلباً للرزق وبحثا عن الأمان ومساعدةً لعائلتي. تعرض والدي لشلل كُلّي نتيجة خطأ طبي في عملية جراحية أجريت له في قرص عموده الفقري بالمستشفى العسكري بالجزائر في التسعينيات. لم تمنحنا الدولة الجزائرية أية تعويضات. وتكاليف العلاج في أوروبا باهظة للغاية" كما يقول كمال، من مدينة الحراش قرب الجزائر العاصمة. كمال (عمره 34 عاماً) غير مقتنع بحدوث أي تغيير حقيقي في انتخابات 2014، ويقول: "بصراحة، ليس عندي أي أمل في جميع المترشحين لرئاسة الجزائر. أنا إنسان غير مؤمن لا بالحكومة الحالية ولا بالحكومة اللاحقة".
ويرى كمال أن في الجزائر الكثير من الفساد والظلم وانتهاكات حقوق الإنسان. ويضيف: "الجزائر بلد غني فقط بالكلمات والحروف لكنها تتجه إلى الهاوية في جميع ولاياتها الـ 48 بسبب البطالة". لكن كمال ليس مع قيام ثورة في الجزائر على غرار دول الربيع العربي تنتهي إلى سفك الدماء. وهو أيضاً يرى أن بوتفليقة هو مجرد واجهة كذلك: "لم أسمع بوتفليقة يتحدث منذ عام 2012 بسبب مرضه وحتى الحملة الانتخابية لم يقم بها بنفسه بل قام بها نوابه"، يقول كمال ذلك ويتجه إلى صاحب المقهى كي يطلب فنجاناً من القهوة.
آفاق جديدة؟
صاحب المقهى تونجاي كوزان يقول: "أنا من مدينة إزمير التركية ومثلي مثل بقية الجزائريين هنا، فقد جئتُ قبل سنين طويلة إلى أوروبا طلباً للعيش الكريم". يأتي الجزائريون إلى مقهاه باستمرار، ويزداد عددهم في عطلة نهاية الأسبوع وفي مواسم المسابقات الكروية الرياضية، ويستمر وجودهم فيه إلى وقت متأخر من المساء. ورغم استيائهم من أوضاع بلادهم إلا أنهم يتمتعون بشعور وطني عميق، "فلم يكن في المقهى مكان للجلوس أو حتى للوقوف أثناء التصفيات المؤهلة لنهائيات بطولة كأس العالم 2014، التي تأهل فيها المنتخب الوطني الجزائري"، يتذكر التركي تونجاي كوزان ذلك، مشيرا بأصابع يده إلى بعض أفلام الفيديو التي التقطها بنفسه على هاتفه الجوال لاحتفال الجزائريين وابتهاجهم داخل مقهاه وخارجه في ذلك المساء، حين تأهل منتخبهم لنهائيات كأس العالم المقرر انطلاقها في 12 يونيو/ حزيران واستمرارها حتى 13 يوليو/ تموز 2014 بالبرازيل.
جميع الجزائريين الشباب الذين تحدثنا معهم في المقهى لم يرغبوا في أن يتم التقاط صور مباشرة لوجوههم. ويتوالى دخول شبان جزائريين آخرين إلى المقهى، مع غروب هذا اليوم المعتدل الطقس من أيام الربيع (العاشر من إبريل/ نيسان 2014) على بُعد نحو ثلاثة كيلومترات من محطة القطار الرئيسية ضمن مدينة كولونيا الألمانية. يُحيّي بعضهم البعض بمودة وألفة بتعبير "كيف الحال، يا ابن بلادي؟". ويُرى في أعينهم جميعاً توق للتغيير نحو الأفضل في بلدهم الجزائر.
ويبقى هنا التساؤل: هل يفوز الرئيس الحالي بوتفليقة (عمره 77 عاماً)، في الانتخابات المقرر إجراؤها بتاريخ (17 / 04 / 2014)، لولاية رابعة أو كما يقول الجزائريون: لعُهدة رابعة، رغم الشكوك حول قدرته على الحكم؟ وهل يفي بوعوده بالمزيد من الإصلاحات؟ أم يتولى رئيس جديد البلاد يقودها إلى التغيير؟ أم سنشهد اضطرابات ثورية أو حتى ربيعاً شعبياً جزائرياً، رغم مخاوف الوقوع في حمام دم جديد على غرار أحداث التسعينيات التي راح ضحيتها أكثر من 200 ألف شخص؟ أم ربما تبقى الأحوال كما كانت، ويستمر شباب الجزائر في الرحيل خارج البلاد بحثاً عن آفاق جديدة؟!
علي المخلافي – كولونيا
تحرير: لؤي المدهون
حقوق النشر: دويتشه فيله 2014