في تونس: نظام سياسي شاذ وهجين بعيد عن روح الثورة وتطلعات الشعب
هناك عقل سياسي في تونس، لا سيما لدى أحزاب الطبقة السياسية الحاكمة، يختزل أزمة نظام الحكم السائد في الأشخاص الذين يتبوؤون رئاسة الحكومة، ويلجأ إلى تحميل رئيس الحكومة الحالي، يوسف الشاهد، أو من سبقه، الفشل في معالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتراكمة التي تعاني منها البلاد، بدل البرامج والفكر السياسي للأحزاب السياسية الحاكمة التي أصبحت لا تجيد من الحكم سوى الفوز بالانتخابات، نظرًا لاعتماد الحزبين الكبيرين، نداء تونس وحركة النهضة، على ماكينة قادرة على الحشد وجمع الأصوات والاستئثار بالنصيب الأكبر من نتائج صناديق الاقتراع، سواء في الانتخابات البرلمانية أو البلدية.
هذه الأحزاب الحاكمة تُسْهِمُ بعجزها إسهامًا كبيرًا في تعميق أزمة نظام الحكم الليبرالي القائم على فلسفة "الديمقراطية التوافقية" التي تعاني بدورها من الفساد البنيوي والظلم المتزايد، والفشل في تحقيق انتظارات الشعب التونسي من الثورة، بل أصبحت من مصادر عدم الاستقرار السياسي والتضامن بين مختلف طبقات المجتمع وفئاته، حين تحولت إلى عنوان لحكومة الأثرياء المتشكلة من "طبقة الأرستقراطيين الأثرياء من النظام السابق، والأثرياء الجدد"، وأداتها دولة الظل العميقة – الجديدة، ممثلة بشيخيها الرئيس الباجي قائد السبسي، وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، اللذين يكرسان نظام الحكم الليبرالي المعولم في تونس منذ اجتماع باريس في أغسطس/ آب 2013.
على الرغم من أن الثورة التونسية أسقطت رأس النظام السابق، ونخبته الحاكمة، وحلَت البرلمان السابق، وحلّت أيضا حزب النخبة الحاكمة السابقة، وكتبت دستوراً جديداً، ونظمت انتخابات برلمانية ورئاسية على مقتضى قانون انتخابي جديد في سنة 2014، فإنّ كل هذه الإجراءات لم تفض إلى ثورة حقيقية، تحدث تغييراً راديكالياً في البنى والعلاقات الاجتماعية - الاقتصادية، وهو ما يترافق مع تغيير جذري لعلاقات السلطة وتركيبها الطبقي المناسب لنوع العلاقات الاجتماعية السائدة.
وفضلاً عن ذلك، لم يكن للحركة الاحتجاجية برنامج عمل واضح المعالم، ولم تكن لها أيضًا قيادة ثورية، ووعي سياسي ناضج، وإذا حكمنا على "الثورة التونسية"، أو هذه الحركة الاجتماعية الكبيرة التي تحولت إلى انتفاضة شعبية عارمة، انطلاقًا من الأهداف التي صيغت في قالب شعارات، من قبيل "الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، والكرامة الإنسانية"، فلن يكون الحكم عليها في صالحها قطعًا، فليس كلَّ ما يُريدُ المرْءُ يُدْركه، لوجود الفجوة الموضوعية بين الرغبات والشعارات المطروحة ووسائط القوة لتحقيقها، بين الينبغيات واليقينيات، أو اختصارا، لامتناع ميزان القوى المناسب.
هذه واحدة، الثانية أن أهدافًا كبرى مثل الديمقراطية، والعدالة الاجتماعية، لا تكفي الإرادة، والرغبة فيها، كي تتحقق، حتى وإن أسعفت موارد القوة (وميزان القوى بذلك)، فهي، مثل سواها من الأهداف الثورية الكبرى التي عرفها التاريخ البشري في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، وفي ثورات القرن العشرين، تتوقف على وجود الشروط التحتية، وليس في جوف البنى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التونسية، ما يفصح عن علائمها، حتى وإن كانت تونس تتميز بوجود طبقة متوسطة قادرة أن تلعب دور الحامل الاجتماعي لأي ثورة ديمقراطية مستقبلية، فالثورة السياسية التي تهدف إلى اقتلاع جذور النظام الاستبدادى القديم، لا بد لها أن تتقدّم إلى الأمام، وتحاول تأسيس نظام ديموقراطي، يقوم على أساس التعددية، وينهض فى ضوء مبادئ سيادة القانون من ناحية، واحترام المواطنة من ناحية أخرى.
نظام سياسي شاذ وهجين بعيد عن روح الثورة وتطلعات الشعب
لكن النظام السياسي الذي تأسس في ضوء دستور 2014 يعتبر نظامًا شاذًا وهجينًا، لأن الفكر السياسي الذي تبنته الأحزاب التي فازت في الانتخابات، سواء في 2011، أو في سنة 2014، الإسلامية التي ارتبطت بالهوية، أو العلمانية التي نادت بالمساواة في الميراث، كان فكرا تقليديًا، وغير متطابق مع انتظارات الثورة، فبفوز حزب نداء تونس في الانتخابات التشريعية، وفوز زعيمه الباجي قائد السبسي في الانتخابات الرئاسية، استطاع الأخير أن ينجح في استمالة كوادر النظام السابق لحزبه، ويواصل تمثيل مصالح برجوازيّة بلدية العاصمة وعصبية الساحل، والاحتفاظ بدعم القاعدة الاجتماعية التقليديّة للحزب الحاكم منذ الاستقلال.
وعرف قائد السبسي كيف يستثمر الأخطاء الكبيرة التي وقعت فيها حركة النهضة، لا سيما ضعف الكفاءة في إدارة الحكم، والعجز عن تقديم أجوبة شافية على المطالب الاقتصادية – الاجتماعية، وانتظارات الشعب التونسي من الثورة.
كانت طموحات الشعب التونسي تتمثل في بناء نظام سياسي ديمقراطي، يقوم على الفصل بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، بوصفه معيارًا كونيًا في تصنيف النظم الديمقراطية من غيرها، وهو ما يتطلب من الأحزاب التونسية التي تنطحت لعملية البناء أن تكون حاملة لمشروع فكري وثقافي وطني وديمقراطي، وهوما افتقدته كليا الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، أو الأحزاب العلمانية التي تبنت المرجعية البورقيبية، ولهذا السبب عجزت جميعها عن بناء نظام ديمقراطي جديد، وإعادة بناء الدولة الوطنية.
"يتحمل الرئيس الباجي السبسي مسؤولية تاريخية في إعادة إنتاج النظام السابق على مقاس الطبقة السياسية الحاكمة"
فالنظام السياسي الذي أسسه، السبسي والغنوشي، وكرّسه دستور 2014، شاذ وهجين، حيث تتوزع فيه السلطة التنفيذية بين طرفين، رئيسي الجمهورية والحكومة، مع صلاحيات أوسع للثاني، وهو المتسبب الرئيس في الأزمة التي تعيشها تونس في الوقت الحاضر، فهو ليس نظامًا برلمانيًا قائمًا على الفصل بين السلطات، كما في الأنظمة البرلمانية التي تقوم على الفصل المرن بين السلطتين، التنفيذية والتشريعية، ولا نظامًا رئاسيًا، مثل الأنظمة الرئاسية التي تعرّف بأنها تقوم على الفصل الصارم بين السلطتين. وعلى الرغم من أنّ دستور 2014 يحدّد مركز الثقل السلطة التنفيذية في البرلمان والحكومة، فإنّنا نجد أن مركز الثقل الحقيقي داخل السلطة التنفيذية في الوقت الحالي ليست في الحكومة، ولكن في قصر الرئاسة في قرطاج.
لم يتخلص بعد ساسة تونسيون كثيرون يقودون هذا النظام ويسيرونه من الفكر السياسي القديم، بينما تعيش تونس على إيقاع القطيعة التامة بين الفكر السياسي السائد لدى عموم التونسيين والفكر السياسي الذي يتبناه في السر والعلن عدد غير قليل من السياسيين، في الحكم والمعارضة.
ويتحمل الرئيس الباجي السبسي مسؤولية تاريخية في إعادة إنتاج النظام السابق على مقاس الطبقة السياسية الحاكمة، وبما يخدم دولة الظل العميقة القديمة – الجديدة التي تدير هذا النظام الظاهر والحكومة من وراء الستار، حين أفسح في المجال لعودة وجوه من حزب التجمع الدستوري (حزب بن علي) القديمة التي تقلدت مناصب حكومية وحزبية وبرلمانية، بناء علی رغبة الباجي السبسي نفسه، النابعة من الخوف من إضعاف الدولة، بعد الهزات المرتدة من الثورة.
كما أنّها أيضًا ناتجة عن تحول حزب نداء تونس إلی حزب تجمعي صريح، وهو المسيطر علی الائتلاف الحكومي مع حركة النهضة الاسلامية، على الرغم من أنّ الهدف التأسيسي لهذا الحزب في 2012 كان إزاحة الإسلاميين من الحكم، والدفاع عن النمط المجتمعي والإرث البورقيبي، بتحالف بين الحداثيين والعلمانيين عبر أربعة روافد يسارية ودستورية ونقابية ومستقلين. ومع العودة القوية للتجمعيين في 2014، وسيطرتهم علی قيادة الحزب، والرئيس الباجي الذي يترأس الدولة التونسية ذات النظامين، توقف التاريخ عنده عند سنة 1986، ويتولى الآن معالجة الأزمة الراهنة، انطلاقًا من تبنيه فكرا سياسيا بورقيبيا قديما متكلسا وجامدا.
ويريد أن يصنع تاريخًا جديدًا لنفسه وعائلته بفكر قديم، ويهزه الحنين إلى التماثيل القديمة والنصوص التي كانت قائمة، وتوريث الحكم لابنه.. بينما تقتضي المصلحة الوطنية من الرئيس الباجي أن يضع مصلحة تونس والدولة فوق الجميع، وأن ينأى بنفسه عن المصالح الضيّقة العائلية والحزبية، لا سيما أنّ ما يحدث داخل حزب نداء تونس من أزماتٍ متتاليةٍ أدخلت البلاد في حالة عدم استقرار سياسي واقتصادي. وأن يعيد النّظر في كلّ هذه الأمور، بدْءًا من طبيعة النظام السّياسي الذي يسود الإجماع حوله بأنّه مُعَطَّلٌ، وغير قابل للاستمرار، ما جعل البلاد، أحيانا، غير قابلة للحكم، إذ تتميز بتراجع دور السلطة التنفيذية وعجزها عن القيام بالإصلاحات الكبرى المنتظرة، ومرورًا بما في الدستور من نقائص، كشفتها الممارسة، ووصولا إلى تشكيل المحكمة الدستورية، بوصفها من أركان تماسك الدولة ووجودها.
أي مخرج للأزمة؟
وكان رئيس الجمهورية التونسية قد اجتمع بالأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية الوطنية الموقّعة على اتّفاق قرطاج، للمصادقة على وثيقة قرطاج 2، والتي أصبحت بمنزلة العقد الاجتماعي والسياسي الملزم لجميع الأطراف، حيث المطلوب من أي حكومة قادمة بتنفيذ النقاط الـ 63، غير إن المعضلة التي يواجها نظام الحكم في تونس، تتمثل في تحديد الموقف النهائي من النقطة 64 الخلافية في الوثيقة، والمتعلقة بمسـألة التعديل الحكومي، حيث هناك حالة
الرفض لرئيس الحكومة الحالي، يوسف الشاهد، من أكبر منظمة اجتماعية هي اتحاد الشغل، وكذلك حزب نداء تونس (الحاكم) الذي بادر منذ فترة بالمطالبة (بالتنسيق مع الاتحاد العام التونسي للشغل) بتغيير الحكومة، وطالب المدير التنفيذي برأس يوسف الشاهد (على أساس أنه سبب فشل "نداء تونس" في الانتخابات البلدية، حسب المحيطين بحافظ قائد السبسي).
ويريد الاتحاد لعب دوره الوطني، ويرى أن الحكومة الحالية لم تنفذ الاتفاقات، ولا يمكن التقدم معها باعتبارها فشلت، وهو الموقف الذي بات يؤيده فيه اتحاد الصناعة والتجارة في مقابل تردد أطراف أخرى، واصطفاف آخرين مع منظمة الشغيلة، في مقابل داعمي موقف حركة النهضة التي لا تراها حكومة مثالية، لكن من غير المعقول تغييرها، من أجل الاستقرار السياسي في البلاد.
وجاءت كلمة رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، أخيرا لتفجر "المعركة" بينه وبين المدير التنفيذي لحزب نداء تونس، حافظ قائد السبسي، من خلال تحميل الأخير والمحيطين به، وهم أساسا المنتدبون الجدد في الحزب، مسؤولية ما آل إليه حزب نداء تونس من وضع صعب، أثر على الدولة كاملة، فقد قسمت كلمة الشاهد كتلة الحزب في البرلمان بين مناصر له، ومناصر لحافظ قائد السبسي، فضلا عن أن الهياكل الجهوية ل "نداء تونس" انقسمت من خلال حرب البيانات، ما بات يتطلب من رئيس الجمهورية وجميع الأطراف السياسية والوطنية أن يتدخل مباشرةً لإعادة النظر في وثيقة قرطاج 2، باعتبارها وثيقة وضعت لخدمة الأطراف التي تطالب بها، وأهمها صندوق النقد الدولي، من دون مراعاة أولويات الثورة واستحقاقاتها.
فحكومة الشاهد التي تبنت وثيقة قرطاج فشلت في التحكم في التوازنات المالية الداخلية، باعتبار تفاقم عجز الميزانية الى مستوى قياسي لم يبلغه إلا في عهد حكومة الوحدة الوطنية، وفشلت في التحكم في التوازنات المالية الخارجية المتعلقة بتفاقم عجز الميزان التجاري الذي فاق كل التوقعات، وأدى إلى انهيار الدينار التونسي، وهو انهيار لم يزعزع حكومة الوحدة الوطنية، ولم يحرّك لها ساكنا، حيث حافظت على سياستها في مجال التجارة الخارجية في انتظار أفق سنة 2019.
ويرى المتابعون للشأن التونسي أن السيناريو الأكثر واقعية يتمثل في قبول الباجي السبسي بتغيير الحكومة بالتنسيق مع راشد الغنوشي، وإبعاد نجله حافظ السبسي من "نداء تونس"، عبر الدفع نحو أول مؤتمر للحزب، بما يمكن رئيس الجمهورية من إنقاذ الحزب الذي أسسه، وكذلك عودة المنسحبين، والمنسلخين، المفتتين، باعتبار أن عديدين منهم شخصيات معروفة، لا سيما أن شخصياتٍ عديدة مؤسسة للحزب وجهت اللوم لرئيس الجمهورية في أزمته، لأن الرئيس "ينحاز" لنجله على حساب البقية.
وتتمفصل أزمة النظام التونسي حاليًا بإبقاء الحزبين الحاكمين على استراتيجية الهيمنة الليبرالية على قواعد اقتصاد البلاد، علمًا أنّ هذا النموذج الاقتصادي أصبح منذ 2011 تحت التهديد، ووصل إلى مأزقه المحتوم، وتعزيز النظام الأوليغارشي في الحكم. يتجلى ذلك بالصراع الذي يدور داخل "العائلة الحاكمة" بشأن من يكون رئيس الجمهورية في انتخابات 2019، وهو ما تجلى في الموقف المعلن من بقاء رئيس الحكومة أو رحيله، إضافة إلى وجود محاولةٍ لترتيب البيت داخل الائتلاف الحاكم، بين حركة النهضة ونداء تونس.
مرحلة مفصلية في تاريخ تونس
وفي هذه اللحظة التي تعد مفصلاً أساسيًا من مفاصل تاريخ تونس المعاصر، يتطلب الخروج من الأزمة أن تبلور النخب الحاكمة استراتيجية وطنية بديلة لوثيقة قرطاج 2، بدلاً من أن تذهب الدولة التونسية إلى الاقتراض بشروط مجحفة من المؤسسات الدولية المانحة، وتمضي في التفويت في بعض المؤسسات والقطاعات العمومية، حتى أصبح متوقعا تخصيص وزارة الداخلية والأمن يوما ما. وتقوم هذه الاستراتيجية على المرتكزات التالية:
أولاً: خوض الحرب ضد الفساد المالي والاقتصادي، وفتح ملف رجال الأعمال التونسيين (127)، وكل الفاسدين في عهد الترويكا، حيث يقدر الخبراء المبلغ في ذمتهم بين 10 آلاف و13 ألف مليار ونصف، أي حوالي نصف ميزانية تونس، تمثلت في قروض حصلوا عليها بطرق غير قانونية، وسط صمت رهيب، وعدم تدخل الدولة لاسترجاع ما نهبوه، والتحرك سريعًا لاستردادها، لتدخل خزينة الدولة، وتسهم في المشاريع التنموية في المحافظات الفقيرة والمهمشة تاريخيًا.
ثانيًا: وضع خطة لمقاومة التهرب الجبائي، والقيام بإصلاحات تشريعية وقانونية لإصلاح الجباية المحلية، حيث تخسر الدولة التونسية نحو 15 ألف مليون دينار، أي ما يعادل 10.34 مليارات دولار سنويًا (وفقا لسعر صرف الدولار أمام الدينار التونسي في 2012)، بسبب التهرب الضريبي، وهو ما يمثل 50% من جملة دخل الجباية، والتي تعتمد أساساً على الجمارك والقيمة المضافة، وعلى دخل الأشخاص الطبيعيين، وعلى الشركات، ورسوم التسجيل والطابع الجبائي، ورسوم أخرى على بعض المنتجات والنقل.
ثالثًا: محاربة المافيات الكبيرة التي تسيطر على التهريب، والاقتصاد الموازي، والتجارة الموازية، والتي راكمت ثروات طائلة، مستغلة "ضعف أجهزة الدولة الرقابية"، حيث أن هذا الاقتصاد الموازي ينخر الاقتصاد الرسمي، إضافة إلى أنه يولد الإرهاب والتهريب، ويفضي إلى تبييض الأموال. واحتلت تونس المرتبة الخامسة عالميا في تبييض الأموال، حسب تقرير منظمة الشفافية الدولية. وتقول السلطات التونسية إن ممارسة التجارة الموازية ضخت خلال السنوات الأربع الماضية أكثر من خمسة مليارات دينار (حوالي 2.5 مليار دولار) لفائدة شبكات الإرهاب التي يقودها "الأثرياء الجدد".
خاتمة...عودة إلى تطلعات الجماهير
يمتلك الشعب التونسي من الكفاءات الوطنية القادرة على تحمل المسؤولية في زمن الأزمات الكبيرة، سيما حين يتعلق الأمر بإعادة بناء الدولة الوطنية في عصر العولمة الليبرالية التي عليها أن تستفيد من الزخم النفسي للحرية التي جاءت بها الثورة، لدفع المواطنين إلى العمل والإنجاز، وتطوير التعليم باعتباره قاطرة تحقيق القفزات الاقتصادية الكبرى، والحفاظ عليها، وانتهاج نموذج جديد للتنمية، يقوم على إعطاء دور حقيقي للدولة، لكي تضطلع بالمشاريع الاستراتيجية المنتجة، لا سيما تعصير الفلاحة، وبناء الصناعات المعتمدة على التكنولوجيات العالية المنتجة للثروة، والتحرّر من ضغوط الدول والمؤسسات المالية المانحة التي تريد فرض شروطها، لا سيما برامج الإصلاحات الهيكلية للاقتصاد التي تفرض التضييق الأقصى من مجالات تدخّل الدولة، وتوسيع مجال الأفراد الخواص الذين لا يتجاوز عددهم عشرات، على حساب ملايين الفقراء، وعلى ضرب منظومة الفساد، وانتهاج سياسة إغراق البلاد في الديون الأجنبية.
وعلى عكس ما يدعيه الفكر الاقتصادي السّائد الذي يزعم أن الدّين الخارجي نصير التنمية في بلدان العالم الثالث، يبرز تحليل المديونيّة الخارجيّة لتونس، والتي تعدّ في منزلة النموذج في هذا المجال، أنّ الحقيقة عكس ذلك. الأمر أسوأ من ذلك، حيث يمثل تسديد خدمة الدّين اليوم أحد أهمّ العراقيل التي تقف في طريق التّنمية في تونس، ما يستوجب إلغاء هذا الدّين.
بجباية الضرائب وإيقاف نزيف السوق الموازية للعملة الصعبة، ونزيف التهريب، وإرجاع الأموال المنهوبة من رجال الأعمال، يتعافى الاقتصاد التونسي، وتنجز المشاريع الفلاحية والاقتصادية في المحافظات الفقيرة والمحرومة، ووُظف المعطلون عن العمل من الشباب، وارتفع الدينار في قيمته، وانخفضت الأسعار، وتحسنت القدرة الشرائية للمواطن.
توفيق المديني
حقوق النشر: قنطرة 2018
توفيق المديني كاتب وباحث تونسي، أصدر 21 كتاباً في السياسة والفكر والثقافة.