الحوار الأطلسي- المتوسطي

مشروع "الشرق الأوسط الكبير" كانت إحدى المحاور الرئيسية في قمة حلف شمال الأطلسي الأخيرة في اسطنبول. الباحث توماس بابنروت يستعرض تاريخ الشراكة الأطلسية-المتوسطية ويطرح استراتيجيات العمل المستقبلية

يحتفل الحوار الأطلسي المتوسطي بمرور عشر سنوات على تأسيسه. انطلقت هذه المبادرة في شهر ديسمبر/كانون الأول من سنة 1994 وقد دعت إليها آنذاك الدول الأعضاء القديمة في منظمة حلف شمال الأطلسي، وضمت في تلك المرحلة الأولى 5 عضاء من غير المنتمين للحلف الأطلسي وهم: مصر وإسرائيل وموريطانيا والمغرب وتونس.

وفي نوفمبر/ تشرين الثاني التحقت الأردن بهذه المجموعة، أما الجزائر فقد قبلت بالدعوة في مارس/آذار سنة 2000. وبالنسبة لموريتانيا فقد تم إدماجها ضمن المجموعة بإيعاز من إسبانيا والبرتغال بالرغم من أنها ليست بلادا متاخمة لحوض البحر المتوسط.

وقد كان الهدف من هذا الحوار، وما يزال، هو المساهمة في إرساء الاستقرار والأمن بالمنطقة وتحسين عوامل التفاهم وكذلك تفادي حالات سوء التفاهم الناجمة عن تأويلات خاطئة للنوايا والطموحات المحتملة لمنظمة الحلف الأطلسي في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط.

أهداف الحوار المتوسطي والتطورات التي عرفها

لقد جرت الأمور خلال المرحلة الأولى لهذا الحوار بصفة أبعد ما يكون عن التوفيق. من منطلق خلفية التوجس المتزايد من مخاطر انتشار أسلحة الدمار الشامل يصرح فيللي كلاس السكرتير العام لمنظمة الحلف الأطلسي آنذاك بأن الأصولية الإسلامية تمثل الخطر الأكبر بالنسبة للحلف ويعتبرها على نفس المستوى من الخطورة مثل الشيوعية سابقا.

كما وسم ويليام بيرّي وزير الدفاع الأميركي السابق بلدان شمال إفريقيا بالخطر الأمني على منظمة الحلف الأطلسي. وقد تم تلقي هذه التصريحات في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المدعوة MENA(Middle East-North Afrika) بصفة سلبية بطبيعة الحال.

ومن وجهة نظر بعض البلدان العربية جاءت هذه التصريحات لتؤكد نوايا المواجهة التي يضمرها الحلف الأطلسي، وتدعّم تبعا لذلك عدم الثقة أكثر مما تعمل باتجاه إفراز مناخ للتعاون من أجل خلق أجواء ثقة متبادلة.

ومع ذلك عرف التعاون خلال السنوات اللاحقة على هذه التصريحات تطورا تدريجيا. وفي قمة مدريد لسنة 1997 تم تأسيس مجموعة التنسيق المتوسطي (Mediterranean Coordination Group , MCG) من طرف رؤساء الدول والحكومات.

وتتمثل مسؤولية هذه المجموعة المنضوية تحت الإشراف المباشر لمجلس حلف شمال الأطلسي في تنظيم الحوار المتوسطي، ومعها عرف هذا الحوار تطورا ملحوظا.

تنظم مجموعة التنسيق(MCG) لقاءات سنوية ببلدان الحوار بصفة ثنائية. أما المداولات السياسية فتتم ضمن إطار لقاءات سنوية متعددة الأطراف تجمع بين أركان الحرب العالمية لمنظمة حلف شمال الأطلسي وبلدان الحوار.

وإلى جانب العمل السياسي يحتوي الحوار على سلسلة من الأنشطة المدنية والعسكرية مثل تنظيم زيارات لمبعوثين وعلماء من بلدان الحوار إلى مقر قيادة الحلف، أو حضور دروس ومحاضرات بمعهد الدفاع الأطلسي بروما ومدرسة الحلف الأطلسي بـ.Oberammergau. وإضافة إلى ذلك يشترك كوادر عسكريون من بلدان الحوار كملاحظين في المناورات العسكرية التي تقوم بها قوى الحلف.

وتعد مشاركة جيوش من مصر والأردن والمغرب في العمليات العسكرية بالبوسنة والهرسك(ضمن قوى الـIFOR, SFOR)، وإن كانت أمرا خارجا عن الإطار الأصلي للحوار، مساهمة ذات دلالة كبرى.

توجسات بلدان الحوار

قد غدت شرعية وجود الحلف الأطلسي كمنظمة عسكرية موضع سؤال لدى بلدان الحوار عامة وذلك منذ نهاية فترة التوتر الشرقي الغربي. ويستهدف هذا التوجس بالأساس السياسة الحالية للولايات المتحدة الأميركية بالمنطقة.

كما يسود القلق بخصوص السؤال الذي يطرح نفسه عن الطرف الذي سيواجهه الحلف الأطلسي خلال القرن الواحد والعشرين، وكذلك بخصوص نوايا الحلف والأهداف التي يتابعها في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط.

كما أن بلدان الحوار ترى نفسها موضوعا للتوجس الأمني لقوى الحلف الأطلسي أكثر منها طرفا في حوار تشاور أمني مشترك. ومع ذلك يسود اتجاه الاستعداد إلى الحوار مع الحلف الأطلسي. وبينما تدعو كل من إسرائيل والجزائر والأردن إلى تطوير العلاقات بمنظمة الحلف، تقف كل من مصر والمغرب وموريتانيا وتونس بالأحرى موقفا متحفظا.

لقد رحبت كل بلدان الحوار بالموقف المعلن عنه في مؤتمر القمة لمنظمة الحلف الأطلسي ببراغ سنة 2002 بضرورة إعطاء مزيد من الاعتبار للحوار المتوسطي، إلا أن ذلك لم يكن ليعني بالضرورة : (1)أن هذه البلدان ستعرب عن التزام أمتن بمقترحات الحلف الأطلسي، و(2) أنها ستغير بصفة جوهرية من موقفها حيال منظمة الحلف.

وتظل إحدى العقبات الأساسية في هذا المضمار تتمثل في الفهم المختلف للمسألة الأمنية المطروحة للتدارس في هذا الحوار. فبينما يتناول أعضاء منظمة الحلف الأطلسي المسألة من جهة المواضيع غير الشائكة مثل الإصلاحات العسكرية ومسائل الخلافات الحدودية، تطرح بلدان الحوار "مسائل أمنية سياسية حادة " وفي مقدمتها النزاع العربي الإسرائيلي.

وتعتبر وجهة نظر بلدان الحوار أن منظمة الحلف الأطلسي مطالبة بتدخل أكثر صرامة من أجل إيجاد حلّ لهذا النزاع.

وإضافة إلى هذا هناك محاور أخرى للانتقادات الموجهة إلى الحوار المتوسطي وهي:

- قلة المعلومات حول التطورات الاستراتيجية والنوايا والأهداف التي تتابعها منظمة الحلف الأطلسي في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط.
-
- انعدام التشاور لدى صبط الخطط وتطوير البرامج في إطار الحوار.
-
- عدم الأخذ بعين الاعتبار بصفة كافية لحاجيات بلدان الحوار لدى صياغة المقترحات.

خيارات لتطوير التعاون المتوسطي

من أجل مواجهة هذه التحفظات عرضت منظمة حلف الأطلسي على بلدان الحوار في قمة اسطنبول مقترحا جديدا أرفع قيمة من شأنه أن يعبر بصفة أوضح عن قاعدة شراكية للتعاون.

كما تم دعوة وزراء خارجية هذه البلدان لحضور قمة اسطنبول. وقد قام ألسندرو مينوتو ريزو السكرتير العام لمنظمة الحلف بزيارات عمل إلى ستة من بلدان الحوار السبعة بهدف العثور على إمكانيات لدفع عملية تطوير التعاون المتوسطي.

ومن جهته عبر وزير الخارجية المصري أحمد ماهر مسبقا بأن "زيارة الشخصية الثانية في قيادة الحلف لا موجب لها وأنه ليس هناك من دور يمكن أن تلعبه منظمة الحلف الأطلسي في مجال الاصلاحات السياسية بالمنطقة." ويظل غير واضح من سيكون ممثلا من بين بلدان الحوار في قمة اسطنبول.

أما عن الطريقة التي سترد بها منظمة الحلف على هذا الموقف الأقرب إلى الرفض فإنها ماتزال غير معروفة بعد. فالأجواء المشحونة بالتوتر تناهض بصفة واضحة المشروع الأصلي لمنظمة الحلف والتي ترمي إلى جعل إسطنبول قمة المبادرات التي ستفرز نشأة اتجاه جديد لمشروع "الشرق الأوسط الكبير".

النقاط التالية، أو بالأحرى خيارات جديدة، هي التي تطرح نفسها لأجل مواصلة الحوار:

- سيكون على بلدان الحلف مستقبلا أن تعبر عن أهدافها الاستراتيجية والعسكرية في منطقة حوض البحر المتوسط وأن تثبّتها كتابيا باتفاق مع بلدان الحوار في شكل وثيقة أساسية. ذلك أن الحوار الأطلسي المتوسطي يفتقر إلى وثيقة مؤطِّرة مثل تلك التي توجد بالنسبة لمبادرة الشراكة والسلام(PfP) على سبيل المثال. وسيمثل وجود هذا الأمر دون شك القاعدة الأساسية الأولى لعلاقة أفضل مع بلدان جنوب المتوسط ، كما أنه سيضفي طابعا أوثق نوعيا على الاتفاقية الموجودة حاليا.

- سينبغي تمتين التعاون العسكري الذي يهدف إلى تطوير في نوعية العمليات العسكرية المنسقة بين جيوش الحلف وجيوش البلدان التي لا تنتمي إلى الحلف. هذه العمليات المنسقة تعتبر من وجهة نظر اللجنة العسكرية موضوعا ذا همية خاصة.

وقد أثبت اشتراك عساكر من مصر والأردن والمغرب في عمليات عسكرية لجيوش الحلف الأطلسي بصفة جلية أن هذا التعاون من شأنه أن يدعم ثقة بلدان الحوار في منظمة الحلف الأطلسي، علاوة على أن الحلف الأطلسي يتقبل بامتنان مثل هذه المساندة وما يتبعها من تخفيف الحمل على بعض وحداته العسكرية في هذه التدخلات.

لكن مساهمة أمتن تظل مع ذلك رهينة الإرادة السياسية لبلدان الحوار من جهة، وبإمكانياتها العسكرية والمالية من جهة ثانية. وقد أبان التعاون العسكري المدعم الذي تلا قمة براغ عن نتائج أولية إيجابية في محاربة الإرهاب على سبيل المثال وفي تطبيق البرامج المدنية –العسكرية لمواجهة التأزمات.

- من أجل جعل هذا البرنامج أكثر جاذبية ينبغي مراعاة الطموحات والانتظارات الخاصة لكل بلاد من بلدان الحوار. ويمكن للائحة العروض أن تمتد من تقديم المساندة في مراقبة الحدود وتطويق انتشار الأسلحة الخفيفة، مرورا بالتعاون على مكافحة هذا النوع من انتهاك الحدود بعمليات التهريب، ووصولا إلى تقديم المساعدات في وضع الاصلاحات العسكرية عن طريق تمويل ميزانياتها ومراقبة ديمقراطية سيرها. وهكذا يكون بإمكان كل بلاد أن تختار ما يناسبها من لائحة العروض.

لا بد من الإشارة في هذا المضمار إلى أن مسألة تمويل الاشتراك في برنامج عروض الحلف الأطلسي ظلت على الدوام تلعب دور العائق. فالمشاركة في عروض الحلف تكون على النفقة الخاصة للبلاد المشاركة، ولا يقدم الحلف اعتمادات إلاّ في حالات خاصة.

وقد كان من شأن هذا الإجراء أن جعل أغلبية هذه البلدان لا تقبل على المشاركة حتى وإن كانت في أغلب الأحوال ترغب في الاشتراك.

- تكوين مجموعة عمل قارة مكونة من الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي تتولى مهمة التنسيق بين "مسار برشلونة" والحوار الأطلسي المتوسطي. ففي منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط توجد في أغلب الحالات مصالح مشتركة بين الاتحاد الأوروبي ومنظمة الحلف الأطلسي ؛ كلاهما يدعو إلى إرساء الديمقراطية وتدعيم الاستقرار على المستوى الداخلي وفي ما بين البلدان، ومحاربة الإرهاب العالمي بعلاقة مع انتشار أسلحة الدمار الشامل.

يمكن لمبادرات الطرفين أن تتعاضد، مستفيدة كل من جهتها من إيجابيات الطرف الثاني، لتكوّن وحدة شراكة استراتيجية. وليست فكرة مجموعة العمل القارة مسألة جديدة على أية حال، لكنها لم تتمكن إلى حد الآن من أن تتخذ لها شكلا محدد الملامح. ومن وجهة نظر الطرف الشريك المتمثل في بلدان الحوار فإن مشروعا يقوم على فكرة "كل شيء في يد واحدة" يعد أمرا مستحبا للغاية.

لكن على أرض الممارسة تجد آلية التنسيق نفسها معطلة من طرف الاتحاد الأوروبي بصفة أساسية. وفرنسا بالأخص لا تبدي كثير اهتمام بمسألة تعاون متين وبناء بين منظمة الحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي، وذلك تخوفا من أن يصبح بإمكان الولايات المتحدة بموجب ذلك ممارسة تأثير كبير على السياسة الأوروبية.

يمكن علاوة على هذا أن يفكر المرء في جعل الحلف الأطلسي يتدخل لضمان الأمن في الأماكن التي لا يريد الاتحاد الأوروبي أو لا يستطيع التدخل فيها (أي بما يعادل معاهدة "برلين +" معكوسة)، مثلما يستطيع الاتحاد الأوروبي الالتجاء بحسب "معاهدة برلين +" إلى استخدام طاقات الحلف الأطلسي. وسيكون توسيع الحوار الأطلسي ليشمل بلدان "مسار برشلونة" أمرا ذا فائدة في هذا المضمار.

خلاصة وآفاق

هناك نجاحات ممكنة الحصول على المدى القصير من خلال هذه الخيارات المعبر عنها آنفا، وبصفة خاصة في ما يتعلق بتطبيق برامج العمل كما في ما يخص أخذ الحاجيات الخاصة لكل من بلدان الحوار بعين الاعتبار. وعلى المدى المتوسط والبعيد سيكون بإمكان صياغة الوثيقة المؤطرة وكذلك مجموعة العمل القارة للحلف والاتحاد الأوروبي أن يضعا لبِنات إيجابية في مسار الحوار المتوسطي.

ولئن ما تزال منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط، والحوار في سنته العاشرة، مركز انشغال بالنسبة لمنظمة الحلف الأطلسي، فإن أعضاء هذه المنطقة يركزون اهتمامهم مع ذلك بالأحرى على النتائج الإيجابية التي أفضت إليها العمليات المتكررة في أفغانستان أو البلقان على سبيل المثال.

وفي ما عدا ذلك فإن مسائل تطوير القدرات العسكرية و انسجام التحالف هي التي تمثل حاليا مواضيع ذات أهمية محدِّدة. ونظرا للأوضاع الاقتصادية المتوترة للبلدان الأعضاء فإنه ليس من السهل على الحلف رصد مبالغ هامة لتطوير فعاليات الحوار المتوسطي.

علاوة على أن مثل هذا التطوير يتقبّل لدى الإدارات الحكومية للعديد من بلدان الحوار بكثير من التحفظ حاليا. وقد يكون بالإمكان التوصل إلى تقبل أفضل للمسائل السياسة والاجتماعية من طرف بلدان الحوار عن طريق ما يسمى بـpublic diplomacy مفتوحة. وفي هذا المضمار سينبغي على منظمة الحلف الأطلسي إعداد برنامج عمل لهذا الغرض بالاشتراك مع بلدان الحوار.

كما أنه سينبغي على البلدان الأعضاء في الحلف الأطلسي أن تتفادى مغريات إعداد تصور استراتيجي جديد واسع النطاق لحوارها مع بلدان جنوب المتوسط، وأن تكتفي عوضا عن ذلك بمتابعة سياسة الخطوات القصيرة في مجال المسائل الأمنية.

سيكون لهذه السياسة أكثر حظوظا للتقبل من طرف بلدان المنطقة، كما أنها ستتجنب إثارة التوجس بأن الحلف الأطلسي يسعى للتقدم كمنافس للمبادرة المتوسطية للاتحاد الأوروبي ؛ أي مسار برشلونة.

ومسار برشلونة يظل على أية حال دوما المبادرة الأكثر شمولا في منطقة حوض البحر الأبيض المتوسط ذلك أنها تدمج الجوانب الاقتصادية والثقافية أيضا من ضمن محتواها. بينما يكمن تفوق الحلف الأطلسي بالنسبة لمبادرات المنظمات الأخرى في التركيز على الجوانب الأمنية. وهذا هو ما ينبغي على الحلف أن يواصل السير عليه.

توماس بابنروت
عن مؤسسة العلوم والسياسة. المعهد الألماني للسياسة والأمن الدوليين(SWP). برلين.2004

ترجمة علي مصباح