نزعات المالكي السلطوية تعيق ميلاد الديمقراطية العراقية

يقوم حاليًا رئيس الوزراء العراقي، نوري المالكي بفعل كلِّ شيء من أجل الحفاظ على منصبه. ومنافسه رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، الذي يعتبر الفائز الحقيقي في الانتخابات، يراقب بدهشة أفعال المالكي. ويومًا تلو الآخر تتضاءل الفرص التي يحظى بها لتشكيل الحكومة، بينما يستغِّل الإرهابيون حالة فراغ السلطة لتحقيق أهدافهم الخاصة. برغيت سفينسون تسلِّط الضوء من بغداد على آخر التطوّرات في العراق.

اغتيل مؤخرًا النائب عن القائمة العراقية، بشار حميد العكيدي؛ حيث تربَّص له القتلة أمام بيته الكائن في حي العامل في مدينة الموصل، ثالث أكبر مدينة عراقية، وأطلقوا عليه عدة رشقات نارية فور خروجه من بيته، وأصابوه إصابات قاتلة، توفي على إثرها بعد وقت قصير في المستشفى.

ومن المؤسف أنَّ مثل هذه الحوادث ما تزال تحدث في كلِّ يوم في هذا البلد الذي يعاني من تغيير نظام حكمه بطريقة دموية. وكذلك تزداد من جديد التفجيرات الإرهابية، إلاَّ أنَّ عملية اغتيال بشَّار العكيدي بالذات تعكس بصورة مأساوية الأوضاع السياسية الراهنة في بلاد الرافدين؛ لا سيما وأنَّ العكيدي كان يعدّ من النوَّاب الذين تم انتخابهم مؤخرًا في البرلمان العراقي. كما أنَّه كان ينتمي إلى "القائمة العراقية" برئاسة الفائز في الانتخابات، إياد علاوي.

والآن سيتساءل النوَّاب الآخرون الذي يبلغ عددهم ثلاثمائة وأربعة وعشرين نائبًا: من سيكون الضحية التالية؟ والآن يُجمع المراقبون السياسيون في بغداد على أنَّ الوقت قد حان لدفع ثمن مراهنة الإدارة الأميركية لفترة طويلة على العمليات العسكرية وبالتالي عدم سير العملية السياسية.

مشكلات سياسية ملحة في شمال غرب العراق

واغتيال العكيدي كان صدمة بالنسبة لزميله، الدكتور عبد الله الجبوري الذي يبلغ عمره سبعة وخمسين عامًا، ويعدّ أيضًا من مرشَّحي قائمة إياد علاوي، بالإضافة إلى أنَّه سوف يدخل البرلمان عن محافظة ديالى شمال شرق بغداد. ويقول الجبوري باحثًا عن سبب الاغتيال: "كنا في محافظة نينوى التي يعدّ بشار من أبنائها على وشك التوصّل إلى حلّ سياسي".

وفي هذه المحافظة تمكَّن إياد علاوي من دون التحالف مع الأحزاب الكردية، من كسب معظم أصوات الناخبين. ومحافظة نينوى التي تقع في شمال غربي العراق ومركزها مدينة الموصل، تعدّ من المناطق المتنازع عليها، والتي ما تزال هوية إدارتها غير محدَّدة. وخير مثال على هذا الصراع مدينة كركوك الغنية بالنفط، والتي لا تبعد سوى ثمانين كيلومترًا عن الموصل.

ويبقى السؤال عمَّا إذا كانت إدارة هذه المناطق سوف تخضع في المستقبل لحكومة إقليم كردستان في مدينة أربيل، أم أنَّها سوف تظل تابعة للحكومة المركزية في بغداد، واحدًا من المشكلات الملحة التي لم يتم حلّها حتى الآن منذ بدء العمل بالدستور الجديد قبل أربعة أعوام.

جدل وصراع شديد

ولكن أيضًا حتى الآن لا يوجد في الأفق ما يشير إلى التمكّن من حلّ المشكلة الأكثر إلحاحًا في الوقت الحاضر والتي تكمن في القدرة على تشكيل حكومة أغلبية مستقرة. ومنذ أسابيع يدور صراع ما يزال في أوجه، إذ يقوم حاليًا نوري المالكي الذي ما يزال يشغل منصب رئيس الوزراء باستخدام كلِّ السبل من أجل بقائه في السلطة. ومنذ أن أصبح من المؤكَّد أنَّه لم يفز بالأغلبية في الانتخابات البرلمانية، صار يفعل كلَّ شيء حتى لا يضطر إلى التخلي عن منصبه.

وفي البدء نجح المالكي في إصدار قرار من المحكمة يقضي بإعادة فرز أصوات الناخبين في بغداد. ثم تم استبعاد بعض من مرشَّحي قائمة منافسه المنتخبين بناءً على ماضيهم. وأخيرًا تحالف ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي مع الائتلاف الشيعي الذي حصد المركز الثالث في الانتخابات، على الرغم من الاختلاف الكبير في وجهات نظرهما، وقد ضمن لنفسه على هذا النحو 159 مقعدًا من أصل 163 مقعدًا تلزم لتشكيل الحكومة. والفائز الحقيقي في الانتخابات، رئيس الوزراء الأسبق إياد علاوي، يراقب أحيانًا بدهشة واستغراب ما يفعله منافسه، نوري المالكي. ويومًا تلو الآخر تتضاءل الفرص التي يحظى بها علاوي لتشكيل الحكومة.

منافسة بين خصمين، علاوي والمالكي

وعندما تم الإعلان عن النتائج الجزئية بعد بضعة أيَّام فقط من الانتخابات، ظنّ المالكي أنَّه ضمن لنفسه الفوز؛ إذ قدَّمت له هذه النتائج دليلاً على تقدِّمه على منافسه إياد علاوي. وبعد ذلك تم ببطء نشر نتائج الانتخابات لجميع المحافظات العراقية الثمانية عشر. وبصورة متزايدة كانت تتَّضح معالم منافسة بين الخصمين، علاوي والمالكي. وكان الطرف الذي يتبيَّن حصوله على عدد أصوات أقل، يتَّهم الآخر بتزوير الانتخابات. وعندما أعلن رسميًا في نهاية شهر آذار/مارس عن النتائج النهائية، تبيَّن أنَّ علاوي الفائز في هذه الانتخابات بفارق صوتين. ولكن لا أحد منهما يستطيع الحكم بمفرده.

وعلى الرغم من أنَّ تقارير مراقبي الانتخابات المحليين والدوليين تحدَّثت عن حدوث بعض الخروقات في بعض الدوائر الانتخابية، مثل كركوك وبغداد، إلاَّ أنَّ هذه التزويرات لم تتجاوز نسبة الثلاثة في المائة المقبولة بالنسبة لهذه الديمقراطية الشابة. وهذا لم يغيِّر أي شيء في نتيجة الانتخابات، حسب الرأي الذي يُجمع عليه المراقبون.

ولكن المالكي لم يقبل نتيجة الانتخابات كما أنَّه تقدَّم بشكوى إلى المحكمة العليا، التي تشتهر بتعاطفها مع حكومته. وفي خطاب ألقاه هذا السياسي الشيعي في مدينة كربلاء في نهاية شهر نيسان/أبريل، حمَّل المالكي المجتمع الدولي المسؤولية عن نتيجة الانتخابات. وقال إنَّهم يريدون الانقلاب عليه من خلال تزوير الانتخابات. وقد اتَّهم المالكي منافسه، إياد علاوي "بسرقة الأصوات". وهكذا قرَّرت المحكمة إعادة فرز أصوات بغداد يدويًا. وتحتَّم على المالكي عدّة مرّات التسليم بالهزيمة؛ لأنَّ النتيجة ظلت كما هي.

المالكي ونزعات السلطوية؟

ومنذ ذلك الحين تنهال الانتقادات على رئيس الحكومة، الذي يُتَّهم بالتعطّش والسعي إلى السلطة مهما كان الثمن. وحتى إنَّ شركاءه الأكراد يتحدَّثون عن وجود نزعات دكتاتورية تطوَّرت لدى هذا السياسي الشيعي الذي يبلغ عمره تسعة وخمسين عامًا في الأربعة أعوام الأخيرة من فترة ولايته.

وحتى إنَّ رئيس المجلس الإسلامي الأعلى الذي يعتبر ثاني أكبر تجمّع في التحالف الشيعي، وكان مشاركًا في جناح برلماني مع ائتلاف دولة القانون بزعامة المالكي، لا يدَّخر جهدًا في انتقاده المالكي. ففي مقابلة مع قناة تلفزيون العراقية الحكومية، أكَّد عمار الحكيم، رئيس المجلس الإسلامي الأعلى، على أنَّ مَنْ يُشكِّك في مصداقية نتائج الانتخابات، من أجل الحصول على مقعد أو مقعدين لهذه القائمة أو تلك، يُشكِّك أيضًا بمصداقية المفوضية الانتخابية والمؤسَّسات الدستورية المسؤولة عن الانتخابات.

وفي الحقيقة إنَّ المالكي يُشكِّك بالتالي في العملية السياسية برمتها. وفي هذا الصدد قال الحكيم: "ماذا لو طالبت القوائم الأخرى بإعادة الفرز اليدوي ... هذا يقول نعيد الفرز اليدوي في بغداد وذاك يقول نعيدها في البصرة وثالث يقول نعيدها في نينوى ورابع يقول نعيدها في أربيل خامس يقول نعيدها في المكان الفلاني وهكذا".

وهذا يعني بالنسبة لعمار الحكيم انعدام الثقة بين التحالفات السياسية. وهنا يصف رجل الدين الشيعي المعمَّم، السيِّد عمار الحكيم الوضع السياسي في العراق متسائلاً: "كيف تستطيع الآن هذه التحالفات قيادة العراق، إذا كان كلّ تحالف يُشكِّك بمصداقية التحالف الآخر؟".

مطاردة البعثيين واجتثاثهم

ولكن المالكي ما يزال غير راضٍ عن نتائج الانتخابات. وفي هذه الأثناء أبلغت لجنة رقابية عن مخاوفها من ستة مرشَّحين تمكَّنوا من الفوز في الانتخابات البرلمانية، منهم أربعة مرشَّحين ينتمون إلى قائمة إياد علاوي. وتم اتِّهام هؤلاء المرشَّحين بأنَّ لهم صلات بحزب البعث، الذي كان يتزعمه الرئيس العراقي السابق صدام حسين.

وهذه اللجنة المعروفة باسم "هيئة المساءلة والعدالة"، والتي خلفت هيئة اجتثاث البعث التي تم تأسيسها من قبل الإدارة الأميركية، قامت في أثناء الحملة الانتخابية باستبعاد أكثر من خمسمائة مرشَّح. وعلى الرغم من أنَّ المحكمة ألغت قرار منع مشاركة بعض المرشَّحين في الانتخابات وشكَّكت في شرعية هذه الهيئة؛ ولكن مع ذلك من المقرَّر أن يتم الآن التحرِّي عن علاقة جميع النوَّاب في الماضي بحزب البعث. وفي حال صادقت المحكمة على استبعاد النوَّاب الأربعة، فعندئذ سوف يخسر إياد علاوي الأغلبية.

وعندما تم تشكيل سلطة الائتلاف الموحَّد ومجلس الحكم في العراق، كان المالكي في الفترة بين عامي 2003 و2004 واحدًا من أقدم المسؤولين فيهما. ومنذ ذلك الحين يعتبر المالكي من أبرز مضطهدي البعثيين، إلاَّ أنَّ إياد علاوي حصل على معظم أصواته من أعضاء سابقين في حزب البعث. ولذلك من الصعب تصوّر تعاون هذين الخصمين في تشكيل حكومة، على الرغم من أنَّه سيكون لديهما أغلبية مريحة. وكذلك لقد انتهت المفاوضات الأولى التي دارت بينهما في الأسبوع من دون نتيجة.

برغيت سفينسون - بغداد
ترجمة: رائد الباش
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2010

قنطرة

نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية
سباق محموم وصراع ضار على المناصب
أفرزت النتائج الأولية للانتخابات العراقية منافسة قوية بين قائمتي المالكي وعلاوي وسط اتهامات متبادلة بالتزوير ومطالبات بإعادة فرز الأصوات. والسؤال الحاسم من سيتولى منصب رئيس الوزراء والمناصب السيادية الهامة الأخرى. ناجح العبيدي يسلط الضوء على معالم خارطة التحالفات المحتملة للمشهد السياسي العراقي.

الديمقراطية العراقية سبعة أعوام بعد سقوط نظام صدام حسين
تحديات عسيرة وآفاق مستقبلية غامضة
صور جابت العالم حينها وهي تظهر شباباً عراقيين يسقطون بمساعدة جنود أمريكان التمثال الضخم للطاغية في ساحة الفردوس وسط بغداد. لكن موجة الحماس بالتخلص من النظام الديكتاتوري سرعان ما تلاشت ليحل محلها شعور بخيبة الأمل والقلق مما يخبئه المستقبل. ناجح العبيدي في قراءة لسير التجربة الديمقراطية في العراق بعد سبعة أعوام من إسقاط نظام صدام حسين.

الخارطة الحزبية في العراق الجديد
دولة دينية أم دولة القانون العلمانية؟
الطائفية والعرقية والدينية في انتخابات 2005 السابقة، تجتاح العراق اليوم موجة من الوطنية والعلمانية في ظل التفجيرات الدموية. بيرجيت سفينسون تسلط الضوء من بغداد على هذه التغيرات.