برلمان الثورة المصرية.....السياسة بلغة الدين
انتهى المصريون من آخر أشواط ماراثون الانتخابات البرلمانية. وما كاد المرشحون والأحزاب ينزعون من الشوارع ملصقاتهم ودعاياتهم الانتخابية لمجلس الشعب، حتى بدأت الاستعدادات لانتخابات مجلس الشورى. غير أن أكثر القرارات أهمية بالنسبة لمستقبل البلاد قد تم اتخاذه بالفعل، إذ إن مجلس الشعب المنتخب حديثاً هو الذي سيشكل لجنة إعداد الدستور الجديد.
لقد كانت نتيجة الانتخابات البرلمانية التي أُعلنت في منتصف يناير (كانون الثاني) تعبر عن انحياز واضح للسياسة ذات المرجعية الإسلامية. كان الجميع يتوقع نصراً كبيراً للإخوان المسلمين وحزبهم "الحرية والعدالة" الذي حصل – بالفعل – على 47 في المئة من مقاعد مجلس الشعب. لكن المفاجئ سياسياً كان النتيجة التي حققها تحالف السلفيين، حيث حلّ حزبهم، "حزب النور"، ثانياً بعد حزب الإخوان المسلمين، حاصداً ربع مقاعد البرلمان المصري.
السلفيون والحياة السياسية
وعلى عكس حزب العدالة والتنمية – الذي ينبغي اعتباره في السياق المصري حزباً معتدلاً – فإن السلفيين المتشددين دينياً يريدون أن تسير الحياة الشخصية للمواطنين وكذلك النظام العام وفق شريعة القرآن الكريم. ويعتبر انتصار السلفيين الكبير شوكة في حلق الإخوان المسلمين، غير أنه أيضاً فرصة لهم – فبالمقارنة معهم يستطيع الإخوان التأكيد على أنهم قوة معتدلة.
أما "أبطال ميدان التحرير" فإن أمرهم يكاد يبدو عبثياً، إذ إنهم لم يلعبوا أي دور تقريباً في الانتخابات البرلمانية. فبعد أن ظلوا فترة طويلة ينادون بمقاطعة الانتخابات ويدعون إلى التظاهر في الشوارع، قررت مجموعة من الناشطين الذهاب بالرغم من ذلك إلى الانتخابات، غير أنهم في النهاية لم يستطيعوا الفوز سوى بنحو اثنين في المئة من مقاعد البرلمان. الشيء نفسه ينطبق على القوى العلمانية في مصر، أي على الشيوعيين والاشتراكيين والقوميين والليبراليين، فهم لم ينجحوا في تحقيق النتيجة المرجوة. لقد أرادت القوى العلمانية والثورية أن تشكل معاً أقلية كابحة للأحزاب الإسلامية، غير أن تلك القوى كانت تحتاج من أجل الوصول إلى هذا الهدف إلى ما يزيد عن ثلث المقاعد البرلمانية، إلا أنهم في النهاية لم ينالوا معاً أكثر من خمس المقاعد في مجلس الشعب المصري.
الليبراليون في وجه الإسلاميين
"
لقد أخطأ الليبراليون عندما حاولوا إبراز أنفسهم في صورة المعادين للتيار الإسلامي"، يقول شادي حميد من مركز "بروكينكس" في الدوحة. "لكي يصبحوا حزباً ينال الأغلبية عليهم أن يتعلموا الحديث بلغة الدين". هذه اللغة استخدمتها الأحزاب الدينية استخداماً ناجحاً للغاية: لقد نجحوا مبكراً في تحويل القضايا العقائدية إلى الموضوع الأهم في الحملة الانتخابية، والوصول بذلك إلى أغلبية الناخبين التي تتسم بالتدين العميق. ووفقاً لاستطلاعات الرأي يعتقد نحو 90 في المئة من المصريين أن الشريعة الإسلامية لا بد أن تكون أساساً للعمل السياسي. كما أن الأحزاب الإسلامية تتفوق تفوقاً ساحقاً على خصومها من الناحية الاستراتيجية والمالية.
وأولى مهمات أعضاء مجلس الشعب المنتخبين حديثاً هي تشكيل لجنة من مئة عضو لصياغة الدستور الجديد. ويرغب المجلس الأعلى للقوات المسلحة – الذي يدير شؤون البلاد منذ شهر فبراير (شباط) 2011 – في أن يُطرح الدستور عندئذ للاستفتاء الشعبي. وبعد ذلك من المقرر أن تجري الانتخابات الرئاسية في منتصف يونيو (حزيران). وفي الأول من يوليو (تموز) يريد الجيش أن يسلم السلطة إلى رئيس يستند على شرعية ديمقراطية.
الجيش ومستقبل الحياة الديموقراطية
غير أن الدور الحقيقي الذي سينهض به الجيش في المستقبل ما زال مفتوحاً على كل الاحتمالات. وهذه من القضايا التي ستحسم خلال الأيام والأسابيع القادمة. ومن المؤكد أن القوات المسلحة لن تغادر المسرح السياسي دون الحصول على ضمانات وحمايات، أياً كان شكلها. ويتعمد الإخوان المسلمون اتخاذ موقف مسالم من القوات المسلحة، لذلك توجه إليهم اتهامات بأنهم قد عقدوا صفقة سرية مع المجلس العسكري الحاكم. وقد تعزز هذا الانطباع عندما عرض قياديون كبار في الحزب على المجلس العسكري أن يتمتع الجيش بالحصانة بعد تسليمه السلطة. ولم يعد من الممكن التعرف على مصر بعد مرور عام على الثورة. لكن الأحلام التي راودت الثائرين خلال ساعات الثورة الأولى ما زالت لم تتحقق بعد. غير أن المصريين كان أمامهم الاختيار – وما زال!
رونالد مايناردوس
ترجمة: صفية مسعود
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012
يدير رونالد مايناردوس المكتب الإقليمي لمؤسسة" فريدريش ناومان للحرية" في القاهرة.