التأرجح بين تصورين للنظام الملكي في المغرب
يواصل آلاف المواطنين المغاربة الخروج بشكل منتظم إلى شوارع مدن مغربية عديدة، للتظاهر رافعين مطالب حركة 20 فبراير/شباط، وعلى رأسها رفض اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور والتأكيد على مطلب الملكية البرلمانية. انفتاح اللجنة الاستشارية على كل الأحزاب المغربية والمركزيات النقابية وهيئات المجتمع المدني والمنظمات الشبابية بمن فيهم بعض المنتسبين لحركة 20 فبراير، لم يمنع المغاربة من الاستمرار في المطالبة بدستور قائم على قواعد الملكية البرلمانية.
وقد أرخى تفجير مقهى في مدينة مراكش يوم 28 أبريل/نيسان بظلاله على النقاشات في صفحات المواقع الالكترونية الاجتماعية، البعض عبَّر صراحة عن شكوكه في كون العمل مدبر من قبل جهات مناوئة للإصلاح، والبعض رفع شعار "يا مغربي يا مغربية الإرهاب عليك وعليَّ مسرحية" في مسيرة 8 مايو بمراكش المنددة بالإرهاب، غير أن كل الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية ومسؤولين رسميين مغاربة أكدوا على ضرورة استمرار الإصلاحات وعدم التراجع عنها مهما كانت الجهة التي تقف وراء تدبير الحادث الإرهابي الذي أودى بحياة 17 ضحية بينهم مغاربة وأجانب.
الفصل 19 المثير للجدل
حين أعلن الملك محمد السادس في خطابه ليوم 9 مارس/آذار الماضي عن تعيين لجنة استشارية لمراجعة الدستور، أكد على مسألة"إمارة المؤمنين"المنصوص عليها في الدستور الحالي، "كثابت من ثوابت الأمة" وتحدث عن توسيع صلاحيات الوزير الأول ك "رئيس سلطة تنفيذية" وليس "السلطة التنفيذية". وبالمقابل لم يتطرق الخطاب الملكي إلى الفصل 19 من الدستور ومجلس الوزراء مكتفيا بالإشارة إلى "دسترة(النص في الدستور) مجلس الحكوم
البعض اعتبر هذه الإشارات "غموضا" و"التباسا" لا يبشر بدستور يقر بنظام الملكية البرلمانية كما هو متعارف عليه في الملكيات الأوروبية، لكنها بأية حال قد وضعت الفصل 19 من الدستور المغربي في قلب النقاش العام في البلاد وفي مسيرات حركة 20 فبراير. ينص الفصل 19 على أن الملك "أمير المؤمنين والممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها وضامن دوام الدولة واستمرارها، وهو حامي حمى الدين والساهر على احترام الدستور، وله صيانة حقوق وحريات المواطنين والجماعات والهيئات وهو الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقَّة"، دون أن يمنحه أية صلاحيات تشريعية أوتنفيذية. غير أن تأويل هذا الفصل يجعله سندا دستوريا يخول الملك إصدار القوانين والقرارات في أية لحظة وفي كل المجالات دون الرجوع للبرلمان والحكومة.
وفي حوار مع دويتشه فيله، يقول محمد الساسي، الأستاذ الباحث بكلية الحقوق في الرباط، وعضو المجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحد المعارض، "الخطاب الملكي تحدث عن صلاحيات المؤسسات الأخرى ولم يتحدث عن صلاحيات المؤسسة الملكية وماذا ستكون وظيفتها في المرحلة المقبلة". وفي تعقيبه على الآراء القائلة بأن مصير المؤسسة الملكية سيتحدد بناء على ما ستؤول إليه المؤسسات الأخرى، يعتقد الساسي أن هذا الطرح "ليس صحيحا لأن التأويل الذي يعطى للفصل 19 يجعل المؤسسة الملكية المصدر الأساسي للقرار ويمكنها أن تسترجع من خلاله سلطة القرار حتى لو كانت في يد مؤسسات أخرى"، ويستنتج الساسي من ذلك أن"توسيع صلاحيات المؤسسات الأخرى لا يحل المشكل".
وكان الساسي من ضمن مجموعة من الشخصيات الفكرية والسياسية والحقوقية أصدرت بيانا بعنوان "التغيير الذي نريد"، يؤكد على ضرورة "إلغاء الفصل 19 من الدستور الحالي في مضامينه التي مثلت أساسا للمس بسيادة الشعب وباختصاصات السلطتين التشريعية والتنفيذية".
تقاسم السلطة
وإلى جانب الفصل 19 يطرح ترؤس الملك للمجلس الوزاري مشكلا آخر في توازن السلطة التنفيذية بين الحكومة المنتخبة والملك. مقترحات الأحزاب السياسية المغربية لتجاوز هذا الإشكال جاءت متنوعة ومختلفة. أحزاب الاتحاد الاشتراكي (يسار وسط) والاستقلال (يمين) والعدالة والتنمية (إسلامي) التقت حول فكرة عبرت عنها بصيغ مختلفة، تقوم على تقاسم السلطة التنفيذية بين الملك ورئيس الحكومة المعين من الحزب الفائز في الانتخابات التشريعية.
إضافة إلى احتفاظ الملك بسلطة القرار في المجال الديني وسلطة التوجيه في مجالي السياسة الخارجية والدفاع الوطني، مع تمكين البرلمان والحكومة من التشريع والقرار في كل القطاعات والمجالات الأخرى. اجتهادات هذه الأحزاب الثلاثة تلتقي في نقطة أخرى، وإن بصيغ مختلفة، حول تعيين الملك لكبار المسؤولين في الوظائف العمومية والولاة(المحافظون) والسفراء بـ"اقتراح من رئيس الحكومة" وداخل المجلس الوزاري.
وفي حواره مع دويتشه فيله يضع محمد الساسي الأحزاب التي تقترح تقاسم السلطة بين المؤسسات المنتخبة والملك ضمن المجموعة التي "تقول إنها تختار الملكية البرلمانية كأفق وليس الآن. تعتبر أننا بحاجة إلى مرحلة انتقالية يكون فيها نوع من الشراكة، علما أننا ننتظر منذ نصف قرن الموعد الذي يمكن أن نعيش فيه الملكية البرلمانية الفعلية". وإلى جانب هذه الأحزاب، يميز الساسي مجموعة أخرى تقول بالملكية البرلمانية "هنا والآن"، فهو يرى أن هذه المجموعة قد تعززت اليوم وجزء مهم من شباب 20 فبراير يسيرون في اتجاهها، كما يقول:"إنها تطرح المعنى الحقيقي للملكية البرلمانية أي تمتيع الشعب بحقه في تقرير مصيره والاحتفاظ للمؤسسة الملكية بأدوار رمزية تعبر عن الاستمرارية التاريخية للأمة".
اختبار لإرادة الملك في الإصلاح
ومن جهته يحذر محمد ضريف، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، إلى أن مراجعة الدستور في المغرب تتم بشكل "توافقي خلافا للوضع في تونس ومصر الذين عاشا ثورتين أسقطتا النظام". وفي حواره مع دويتشه فيله، يرى ضريف أن النظام في المغرب يتجه نحو اعتماد "ملكية متوازنة تكون قائمة على نوع من التوزان بين اختصاصات المؤسسات الدستورية، وليس ملكية برلمانية"، وأضاف"طبعا هناك سلطة تنفيذية فعلية للوزيرالأول وسلطة تشريعية للبرلمان، ولكن هناك صلاحيات فعلية للملك وليست شكلية كما هو الحال في اسبانيا أو الدول الاسكندنافية".
محمد الطوزي، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ايكس اون بروفانس" الفرنسية، وعضو اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، فسر هذا التوجه نحو ملكية متوازنة وغير برلمانية بـ"افتقاد المغرب في الوقت الراهن لطبقة سياسية في المستوى المطلوب، وذات مصداقية، تتحلى بالنضج وتشعر المواطنين بالثقة"، هذا التصريح أدلى به الطوزي في حوار صحافي قبل تعيينه عضوا باللجنة أثار جملة من ردود الفعل الغاضبة. أما محمد الساسي فيحذر من غياب الارادة السياسية لدى المؤسسة الملكية في التوجه نحو إقامة ملكية برلمانية، مستندا في ذلك إلى بيان صادر عن المجلس العلمي الأعلى (يضم فقهاء دين ويرأسه الملك)، "ينزع المشروعية الدينية عن أي نقاش يستهدف إمارة المؤمنين وما توفره للملك من سلطات". الجمعية المغربية لحقوق الإنسان اعتبرت هذا البيان "دفاعا عن الاستبداد".
إسماعيل بلا وعلي – الرباط
مراجعة: منصف السليمي
حقوق النشر: دويتشه فيله 2011