مسلمات هنديات يدافعن عن علمانية الهند
رغم ليالي الشتاء الباردة في نيودلهي العاصمة الوطنية بقيت نساء كثيرات لأكثر من شهرين في مخيم احتجاج بمنطقة شاهين باغ، وهي حيٌّ واقع جنوب شرق المدينة. وقد أظهرت النساء شجاعةً ومرونةً، بتحدّيهن للرياح الباردة، وجلوسهن على سجاد في الطريق، وليس فوق رؤوسهن من سقف إلا قطع من القماش المشمّع.
تحوّلت منطقة شاهين باغ إلى رمز وطني، ونشأت مخيماتٌ مماثلة في أماكن عديدة. ليس جميع المشاركين مسلمين، لكن الكثيرين منهم مسلمون. حاول المحرّضون عدة مرات إثارة العنف، ولكنهم فشلوا. ومع ذلك، يُقال أنّه قد قُتِل على الأقل 24 محتجاً بسبب عنف الشرطة في عدة ولايات هندية، في حين تتصدّر قائمةَ القتلى ولايةُ أوتار براديش بـ 19 قتيلاً، وهي ولاية يديرها حزب بهاراتيا جاناتا وتعتبر أكثر ولايات الهند اكتظاظاً بالسكان.
أمّا كيفية تعبير النساء عن قضيتهن فهو أمرٌ مثيرٌ للإعجاب أيضاً. في شاهين باغ، أخبرتني عليمة -أمٌّ شابةٌ- وطفلها في ذراعيها: "إنْ لم نحتجّ اليوم فقد نخسر جنسيتنا غداً. يمنحنا دستورنا القدرة على الكفاح في سبيل حقوقنا. لا يمكن أن نسمح لمودي بتغيير دستورنا. لقد تعاون أشخاصٌ من كلّ الأديانِ لمنحنا هذا الدستور".
لدى النساء أسباب مقنعة تدعو للقلق. إذ أنّ سياسات حكومة ناريندرا مودي تُعرّضُ للخطرِ جنسيةَ العديد من الفقراء المسلمين الذين يفتقرون إلى الوثائق المناسبة. ويَظهر هذا الأمر بوضوحٍ عبر قانون تعديل المواطنة والخطط المتعلقة بالسجل المدني للمواطنين. في الواقع، يُفسِحُ التهميشُ غير الرسمي للمجتمع المسلم المجالِ بشكلٍ متزايد لأفعالٍ معادية للمسلمين من قبل الحكومة القومية. أراد المؤسّسون، الذين كتبوا الدستور، أن تكون الهندُ أمة ديمقراطية وتعددية. وعلى النقيض من ذلك، فإنّ السياسةَ التي مارسها الحزب الحاكم، بهاراتيا جاناتا، في السنوات الست الأخيرة تعطي دليلاً كافياً على أنّه يريد أن تكون الهند أمةً هندوسية.
شهدت العديد من المدن، في الأسابيع الأخيرة، مسيرات ضخمة تعارض التشريع التمييزي، غالباً بمئات آلاف المشاركين في الاحتجاجات. لقد شارك أناس من جميع المجتمعات. ولا يوجد هناك شك في أن النساء المسلمات يَلْعَبْنَ دوراً قيادياً. فقد تحوّلت مخيماتهن الاحتجاجية إلى رموز دائمة للمقاومة اللاعنفية.
وكان التأكيدُ على الثقة بالنفس للنساء المسلمات أيقونياً منذ بداية ما تحوّل بسرعة إلى حركةٍ شاملة للأمّة. حين هاجمت الشرطةُ طلاباً سلميين محتشدين في جامعة في دلهي بالغازات المسيلة للدموع والهراوات -في أواسط كانون الأول/ديسمبر 2019- واجهت طالبتان تَرتَدِيان الحجاب -وهما لاديدة وعايشة- ضباطاً لحمايةِ صديق لهما. وسرعان ما انتشرت مقاطع فيديو تظهرُ تدخلهما الشجاع، وفي غضون ساعاتٍ قليلة، كان آلاف الطلاب يتظاهرون في الجامعات ضد وحشيّة الشرطة.
غالباً ما تُعتبر النساء المسلمات مجموعة مضطهدة تُعلَّمُ الخضوع. ولا تنتشر هذه الصورة الذهنية في الهند فحسب، بيد أنّه لدى الحكومة الهندية نمط معيّن من القلق المزيّف بشأن مصيرهن. في حيّ شاهين باغ، تحمل النساء المسلمات المحجبات العلم الوطني بفخرٍ. يتلُون ديباجةَ الدستور، مطالبات بالحرية "آزادي"، ويرفضن أن يُعاملن بوصفهنّ مواطنات من الدرجة الثانية. وبذلك، فإنّ النساء المحجبات غير الخائفات يَتحدِّين رئيس الوزراء، ويقوّضن صورة الرجل القوي المنحوتة بعناية. البعض منهن كبيرات في العمر، والبعض الآخر شابات، وأغلبهن ربات بيوت يحتَجِجن للمرة الأولى.
ومازال يتعيّن معرفة إلى أي مدى ستنجح الحركةُ بإجبار الحكومةِ على التراجع. بيد أنّ الواضح، أن الدستور لا يزال يحظى بتأييد جماهيري. إذ يعرفُ غالبيةُ الهنود أنّ الهند هي أمّة متنوعة ولا يمكنها أن تكون أيّ شيء آخر. فاز حزب بهاراتيا جاناتا بأغلبيته البرلمانية المهيمنة بنسبة تقارب 38% فقط من الأصوات في الانتخابات العامة في العام الماضي 2019. وبأعداد مطلقةٍ، تبلغُ هذه النسبة نصف السكّان الهندوس على الأكثر.
وبالنظر إلى نتائج الانتخابات المحلية في دلهي، فإنّ قبضة حزب بهاراتيا جاناتا عل الهند قد تضعف. إذ حصل حزب مودي على ما يزيد قليلاً عن 10% من المقاعد. وحاول أن يحشد مشاعر مناهضة للمسلمين، على سبيل المثال، عبر تأجيج الخوف من أن احتجاجات حيّ شاهين باغ موجّهة لإنشاء دولة إسلامية.
من المشجِّع أن غالبية الناس في دلهي لا يؤمنون ببروباغاندا الكراهية تلك. والحقيقة الواضحة هي أنّ حركة الاحتجاج تستند بقوةٍ على دستور الهند، وأنّ أغلب المواطنين في الهند يقدّرون دستورنا.
عارفة خانم شيرواني
ترجمة: يسرى مرعي
حقوق النشر: مجلة التعاون والتنمية / موقع قنطرة 2020
عارفة خانم شيرواني هي كبيرة المحررين في موقع The Wire الإخباري المستقل.