الحرب الأهلية سيناريو محتمل

ما هي إفرازات الانتخابات البرلمانية التي ستجرى في العراق في 30 يناير / كانون الثاني وما هو المستقبل السياسي لهذه الدولة؟ يرى فيرهاد إبراهيم، الخبير في شؤون العراق، بأنه ليست هناك، في أية حال، مؤشرات بانتهاء العنف.

كتب فؤاد عجمي، وهو أمريكي من أصل لبناني يدرّس في جامعة جون هوبكينز، مؤخرا، بأن الانتخابات في العراق هي بمثابة مسألة حياة أو موت نظرا لأن أعمال العنف تهدف إلى منع إجراء الانتخابات. هذه مقولة صحيحة، إذ أن الانتخابات أخذت نحتل، بشكل متزايد، أهمية مركزية. لكن مما يؤسف له بالنسبة للعراقيين أن البديل للانتخابات ليس "الانتخابات أو العنف". حيث أن العنف سيظل، بناء على كل المؤشرات، مرافقا لعملية التحول في العراق. وليس من الخطأ التنبؤ بأن التصعيد سيطرأ على العنف قبل فترة قصيرة من إجراء الانتخابات وفي أثنائها وأنه لن ينتهي بعد الانتخابات.

السنة بصدد فقدان النفوذ

الخطر الكامن اليوم هي الحرب الأهلية التي بدأت فعليا. وذلك لأن الانتخابات ستكرّس شرعية انتقال الحكم إلى الشيعة. هذا يفسّر الأسباب التي تجعل الشيعة لا يردون على استفزازات دعاة الجهاد السنة الذين يشنون اعتداءات ضد المؤسسات الشيعية ويغتالون شخصيات شيعية. وكان الزعيم الديني للطائفة الشيعية في العراق ، آية الله علي السيستاني، البالغ من العمر 74 عاما، قد وضع إجراء الانتخابات شرطا لقبول وجود القوات الأجنبية في العراق.

باول بريمر الذي وجد نفسه في مأزق بسبب تصعيد العنف في بداية عام 2004 اضطر إلى الموافقة على شروط آية الله السيستاني المقيم في النجف. من هذا المنظور فقد كان الوعد بإجراء الانتخابات في وقت قريب خطوة مرحلية في إطار السياسة الأمريكية المتعلقة بالعراق، تلك السياسة التي لم تتسم بمعالم محددة وواضحة منذ سقوط بغداد في9.4.2003.

لكن هذه الانتخابات ستكون خطوة أخرى نحو التهميش السياسي للسنة العرب الذين فقدوا، من خلال انهيار العهد القديم، كافة مواقع السلطة والنفوذ. والشكوك التي يضمرها السنة العرب لسياسة الولايات المتحدة التي سلبتهم هذه المواقع، كانت وما زالت السبب الرئيس للمقاومة الدائرة في المثلث السني.

بناء على رؤية السنة العرب فإن اتخاذ قرارات مثل تشكيل قوات عسكرية جديدة وإنشاء نخبة سياسية جديدة للحكم وكذلك بطبيعة الحال إجراء الانتخابات هي بمثابة تكريس نهاية حكمهم للعراق.

ضرورة الضغط على سوريا وإيران

لكن الانتخابات تنطوي كذلك على مخاطر أيضا بالنسبة للولايات المتحدة. فما الذي يحدث لو طالبت الأغلبية الشيعية الولايات المتحدة بتقديم خطة زمنية للانسحاب؟ وعند إصدار المجلس التشريعي المقرر انتخابه للدستور هل ستوافق المجموعات الأخرى على القرارات الصادرة عن الأغلبية الشيعية؟

هاجس الرأي العام العالمي وهاجس العراقيين اليوم هو تصعيد دائرة العنف على نحو سريع وكذلك الجهود المتصلبة لمجموعة القاعدة التي يتزعمها الأردني أبو مصعب الزرقاوي الرامية إلى زرع بذور الحرب الأهلية في البلاد من خلال الاعتداءات الموجهة عمدا ضد الشيعة. في حالة تصعيد العنف وتحول الشيعة أو الأكراد عن موقفهم المتحفظ فإن هذا سيجعل اندلاع الحرب الأهلية مسألة حتمية.

ينبغي هنا أن نعطي بعض الملاحظات المتعلقة بخاصية الوضع في العراق. ربما تنجح الولايات المتحدة، من خلال تطابق الرؤى بينها وبين الحكومة العراقية التي ستنتخب، في احتواء العنف التصعيدي سواء كان عسكريا أو سياسيا. لكن ذلك سيكون صعبا لعدة أسباب مختلفة. فدعاة الجهاد يعملون في إطار يتخطى الحدود القومية ويلتحمون ببعضهم البعض من خلال شبكات تتخطى أيضا الحدود القومية.

كذلك فإن هذا الأمر يتطلب الضغط على قوى إقليمية كسوريا وإيران المتورطة في ما يمكن اعتباره بشكل أو آخر حروب أهلية. فهناك معلومات كافية بكون حزب البعث العراقي يتلقى دعما من سوريا في حرب العصابات التي يشنها.

لكن الولايات المتحدة تهاب فتح جبهة جديدة في الشرق الأوسط. هذا يسري أيضا على إيران التي تولي هدفها الاستراتيجي الخاص بجعل الولايات المتحدة تنسحب من العراق أولوية أكبر من تشكيل حكومة شيعية في بغداد. هاتان الدولتان، أي سوريا وإيران، على استعداد لتقبل اندلاع حرب أهلية في العراق طالما كان ذلك يخدم استراتيجياتهما المتعلقة بالحفاظ على السلطة.

سيناريوهات الحرب الأهلية

إذا افترضنا بأن الحرب الأهلية كانت أحد الخيارات المحتملة فما هي النتائج التي قد تفرزها؟
الملاحظ وجود تعاطف متزايد مع فكرة الدولة الشيعية القادرة على الوجود اقتصاديا في صفوف الشيعة. أما الدول العربية السنية فمن المحتمل أنها ستقاوم إنشاء مثل هذه الدولة مقاومة حادة.

هناك خيار أكثر اعتدالا يتضمن إنشاء كونفدرالية بين المناطق العراقية الثلاث. لكن الدول الشرق أوسطية التي تتواجد فيها أقليات كردية لن توافق على هذا الخيار. يبقى خيار التقسيم. فيمكن أن ينشق العراق، الذي وصفه هنري كيسنجر، بطائرة ذات أجنحة ثلاثة، وفقا لحدوده الإثنية والطائفية. لكن هذا الخيار سيصطدم مؤكدا بأشكال متعددة من المقاومة الإقليمية وعلى سبيل المثال من قبل السنة العرب وتركيا وإيران.

فيما يتعلق بكل هذه الخيارات يتضح بأن مستقبل المثلث السني يشكّل العقبة الرئيسية. فلو تم فصل هذا المثلث عن المناطق الشيعية والكردية فقد ينشأ فيه نظام على نمط حكم طالبان. ولكن لا أحد من صانعي القرار السياسي يمكنه أن يتقبل ظهور "مرفأ آمن" للقاعدة في قلب منطقة الشرق الأوسط. وسيتحتم على الفائزين في انتخابات العراق أن يجعلوا السنة العرب يشتركون في النهاية مشاركة حاسمة في رسم الخطط المستقبلية للعراق.

قد يكون الاقتراح الأمريكي الخاص بتحديد نسبة معينة لتمثيل السنة خيارا قابلا للتطبيق. لكن ذلك لن يؤدي إلى وقف العنف من قبل حركة الجهاد. لهذا فإن العراق سيبقى واقفا ربما لفترة طويلة على حافة الحرب الأهلية.

فيرهاد إبراهيم

حقوق الطبع محفوظة ل: DEUTSCHE WELLE/DW-WORLD.DE 2005

فيرهاد إبراهيم أستاذ جامعي مكلف من الهيئة الألمانية للتبادل الأكاديمي بالتدريس في الجامعة الأردنية في عمّان. وهو مولود في سوريا ويعيش في ألمانيا منذ عام 1971 حيث درّس في عدة جامعات منها جامعة برلين الحرة وجامعتي بوتسدام وإيرفورت.