ليبيا...إدارة ترامب غير معنية بتحريك عملية السلام
الحرب الأهلية تمسك بزمام الأمور في ليبيا. فمنذ نيسان/ أبريل تحاصر ميليشيات بقيادة الجنرال خليفة حفتر العاصمة طرابلس. والهجوم الأخير يشكل ذروة التوتر بين جماعتين تدعي كل واحدة منها الأحقية في قيادة ليبيا: من الشرق نجد الجنرال خليفة حفتر وميليشياته يواجهون "حكومة الوحدة الوطنية" بقيادة رئيس الوزراء فايز السراج في شمال غرب البلاد.
في مطلع تموز/ يوليو تعرض مخيم اللاجئين في تاجوراء إلى قصف جوي أسفر، حسب معلومات الأمم المتحدة، عن مقتل 53 شخصا وإصابة قرابة 130 آخرين بجروح مختلفة. في وقتها قالت الأمم المتحدة إن الهجمات يمكن أن تقيم كجرائم حرب، وأن احتمال الهجوم عن طريق الخطأ أمر مستبعد، لأن الطرفين حصلا على إحداثيات المعسكر مسبقا لتجنب تعرضه لهجوم من هذا النوع.
ومن جانبها حمّلت حكومة السراج، المعترف بها دوليا، الجنرال حفتر وجيشه الوطني الليبي مسؤولية الهجوم، لكن حفتر رفض أية مسؤولية عن الحادث.
وبغض النظر عن هوية المهاجمين على مخيم اللاجئين في تاجوراء، فإن مجلس الأمن الدولي أدان الهجوم بشدة ورغب في توثيق ذلك في إعلان أممي رسمي، إلا أن وفد الولايات المتحدة في مجلس الأمن عارض صدور إعلان بهذا المعنى ودون توضيح الأسباب. لكن إدانة بهذا الشكل كانت يمكن أن تعتبر نقدا للجنرال حفتر، الذي وعده الرئيس ترامب في نيسان/ابريل الماضي بدعم علني.
تحول في سياسة الولايات المتحدة
وكان البيت الأبيض قد أعلن بعد أيام من اتصال هاتفي بين ترامب والجنرال حفتر، الذي جرى في 15 من نيسان/أبريل أن الرئيس ترامب قد ثمن في الاتصال الهاتفي أهمية دور الجنرال حفتر في مكافحة الإرهاب وفي حماية الثروة النفطية في ليبيا، حسب تعبير البيان الرسمي.
وأضاف البيان أن الجانبين تحدثا عن تصوراتهما بشأن مرحلة انتقالية في ليبيا تمهد لنظام سياسي ديمقراطي مستقر في البلاد.
ورغم ذلك، فإن الإعلان الرسمي عن الاتصال الهاتفي بين حفتر وترامب كانت خطوة غير مألوفة، فواشنطن مازالت رسميا تعترف بشرعية بحكومة السراج كممثلة لليبيا دوليا.
وحتى قبل أيام من الاتصال الهاتفي المذكور، وجه وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو انتقادات حادة للجنرال حفتر بسبب هجومه على طرابلس. وفي حينها قال بومبيو إن "مسؤولين حكوميين على مستوى رفيع" أوضحوا "إننا نرفض الهجوم العسكري".
لكن الاتصال الهاتفي اللطيف لترامب مع حفتر يشير إلى موقف مغاير، وهو ما يشكل موقفا "كارثيا"، حسب رأي جيفري فيلتمان، الدبلوماسي الذي عمل ما بين الأعوام 2012 و2018 كسكرتير ثان للشؤون السياسية لدى الأمم المتحدة. وكان أيضا ما بين أعوام 2009 و2012 نائبا لوزير الخارجية لشؤون الشرق الأوسط.
حفتر لا يعير أي أهمية للديمقراطية
لكن الولايات المتحدة ليس العضو الوحيد في مجلس الأمن الدولي الذي يدعم حفتر. فروسيا وفرنسا قد أوضحتا رسميا دعمهما لحكومة الوحدة الوطنية، ولكن، وحسب رأي خبراء، تدعم الدولتان في نفس الوقت الجنرال حفتر.
وفي الوقت نفسه لا تلتزم دول إقليمية بقرار حظر إرسال الأسلحة إلى ليبيا، وفق القرار الأممي الصادر في عام 2011. مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة تزودان حفتر بالسلاح وتمولان "جيشه الوطني الليبي" بالمال، حسب تقارير إعلامية. والدولتان من أبرز حلفاء ترامب في المنطقة، لكن ترامب لا يمارس نفوذه لمنع شحنات الأسلحة إلى ليبيا.
ويوضح الخبير الأكاديمي في مؤسسة كارينيغ الفكرية فريدريك ويراي أن تصرف حكومة الولايات المتحدة أعطى الضوء الأخضر لحلفاء حفتر الإقليميين لخرق قرار حظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا والاستمرار فيما يفعله لحد الآن. ويقول الخبير الأمريكي: "إن ذلك يؤثر سلبا وبشكل كبير على عملية السلام في ليبيا".
ويتابع الخبير الأمريكي ويراي الذي التقى شخصيا حفتر في عام 2014، أنه من غير المحتمل أن يوقف الجنرال حفتر حملته العسكرية الجارية دون ضغط من الخارج". كما أضاف الخبير: "حفتر يقول من منذ فترة طويلة إنه يريد حكم البلاد". ويوضح الخبير في حديثه مع دويتشه فيله "أن حفتر لا يعير الديمقراطية أي أهمية، وهو يعتقد أن ليبيا يجب أن تحكم بقبضة قوية، ويقصد بذلك قبضته القوية".
النفوذ الخارجي هو الحاسم
ولا بد من القول إن لا حفتر وجيشه الوطني الليبي ولا حكومة الوحدة الوطنية بقيادة السراج تولدان انطباعا بأنهما معنيان أو مهتمان بحل دبلوماسي للأزمة.
ولهذا تأخذ الجهود الدبلوماسية لدول أخرى أهمية استثنائية. ويرى الخبير الأمريكي ويراي أن على حكومة ترامب أن "تطالب بوقف لإطلاق النار"، إضافة إلى التأثير على الأطراف الإقليمية التي تصب الزيت على النار بتحمل مسؤوليتهما الأخلاقية.
بيد أن الخبير الأمريكي لا يعتقد حقا بأن واشنطن ستمارس فعلا ضغطا على أهم حلفائه في المنطقة، مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة بهذا الصدد. "فهناك علاقات وروابط شخصية بين حكومة ترامب والدولتين المذكورتين. عدا ذلك تلعب بعض العوامل الإقليمية دورا كبيرا، مثل القلق بشأن إيران"، حسب ما يقول الخبير ويراي.
لكن الدبلوماسي الأممي السابق فيلتمان يحذر من الحرب الأهلية ستكون لها تبعات دراماتيكية على السكان المدنيين في ليبيا، إذا لم تسارع القوى العظمى، مثل الولايات المتحدة، إلى جمع الأطراف المتصارعة حول مائدة المشاورات من أجل إيجاد حل سلمي.
ويضيف الدبلوماسي المخضرم أنه يجب على طرفي الصراع البدء جديا بالبحث عن حل سياسي. و"إلا، كما يقول الدبلوماسي الأممي، " ستكون هناك حلب ثانية". " ومن يريد ذلك؟".
كارلا بلايكر/ حسن.ع. حسين
حقوق النشر: دويتشه فيله 2019