قصص مأساوية من داخل مستشفى الصليب الأحمر في رفح
تعم الفوضى خارج المستشفى الميداني للصليب الأحمر في رفح. أكثر من 12 سيارة إسعاف متوقفة أمام منطقة الخيام، تنتظر دورها لتفريغ الجرحى. الأضواء الزرقاء تومض وأبواق سيارات الإسعاف تدوي. المسعفون يعطون التعليمات بينما يمكن سماع صوت أسرّة سيارات الإسعاف التي تُفتح وتُدفع إلى داخل المستشفى مرارًا وتكرارًا.
تمثل المستشفى الميداني للصليب الأحمر حالياً نقطة الاتصال الوحيدة للمصابين الفلسطينيين في مدينة رفح والمخيمات في محيطها منذ الهجمات الإسرائيلية على المدينة التي بدأت في مايو/أيار الماضي. بحسب مدير التمريض بالمستشفى، الألماني سايمون رينرت، "غالبًا ما يصل العشرات من المصابين بجروح خطيرة في آن واحد، حينها ثم نقوم بفرزهم".
يقسّم المستشفى الجرحى إلى 3 فئات بألوان مختلفة؛ أولئك الذين يحتاجون إلى جراحة فورية يحملون اللون الأحمر. أما الذين في حالة حرجة، ويمكنهم الانتظار لفترة أطول قليلاً، فيتم تحديدهم باللون الأصفر. أما المصابون الذين بإمكانهم الوقوف يحملون اللون الأخضر وعليهم الانتظار، يقول رينرت.
يتذكر الممرض الألماني يومه الأول في المستشفى الميداني جيدًا، "كان لدينا أكثر من 50 جريحا، بعضهم في حالة حرجة للغاية، وأكثر من 20 قتيلًا وصلوا في الوقت نفسه، كان الوضع مروعا تقريبا"، يقول رينرت واصفا المشهد: "بينما كان الناس يصلون، سمعنا دوي انفجارات ونيران المدافع الرشاشة حولنا، فيما كانت الصواريخ تتطاير في الهواء".
"نموت هنا منذ 10 أشهر"
أكثر من 80 في المئة من الحالات التي وصلت المستشفى الميداني هم من جرحى الحرب المندلعة منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي. أحدهم هو محمد مخيمر، الذي فقد إحدى ساقيه في قصف صاروخي إسرائيلي على منزل عائلته المكون من ثلاثة طوابق. كان مخيمر الناجي الوحيد من الغارة، فيما قُتل 16 من أقاربه. "لقد تحوّل أطفال أخي إلى أشلاء أمام عينيّ، وتطاير آخرون إلى منزل الجيران. أمي وأبي وأشقائي، لقد ماتوا جميعًا، الله يرحمهم"، يقول مخيمر.
أما أكرم أبو وردة، فقد أُصيب بجراح بالغة في هجوم إسرائيلي على مخيم المواصي منتصف يوليو/تموز الماضي. يقول الأب لطفلين الذي خضع لجراحة خياطة أمعائه، "نحن نموت هنا منذ عشرة أشهر. نذهب إلى الفراش على دوي الانفجارات، ونستيقظ على نفس الأصوات"، يقول أبو وردة، وهو يمسح الدموع المنهمرة على وجهه.
على أحد أسرّة المستشفى، تجلس نداء محمد بدون ساقيها منذ أن وقع الانفجار الذي تحولت معه السماء إلى اللون الأحمر، "لم أسمع أي شيء بعد الانفجار، ولم أشعر بأي ألم. لكن الجميع كان يحدق في ساقيّ الممزقتين، لقد بُترت كلتاهما، إنها معجزة أنني نجوت"، تقول نداء إنها تتلقى العلاج منذ شهرين إلى الآن.
أمام خيمة المستشفى، يدفع الطفل الصغير صالح عرفات نفسه على كرسيه المتحرك على طول طريق مليء بالحصى بين الخيام، وبطانية تغطي جذع إحدى ساقيه. "فقدت ساقي عندما أتت القنابل، كل من حولي سقطوا قتلى وجرحى"، يتذكر الطفل -الذي يبلغ 12 عاما تقريبا- المشهد، "وبينما كان يحملني والدي بعيدًا، كان هناك المزيد من الانفجارات حولنا حتى وصلنا إلى السيارة، ثم انتهى بنا المطاف في المستشفى الميداني للصليب الأحمر".
الثناء للموظفين الفلسطينيين
داخل المستشفى الميداني، يعكف أكثر من 30 موظفا دوليا و200 فلسطيني على رعاية المصابين. يكنّ الألماني رينرت، احتراما كبيرا للموظفين الفلسطينيين خاصةَ، "لقد عانى جميعهم تقريبًا ليس فقط من صدمة واحدة، بل من عدة صدمات. وهذا ما يجعل من الصعوبة بما كان مواصلة عملهم وحسب". يشير رينرت، إلى قلق الموظفين الفلسطينيين على عائلاتهم، خاصةً عندما تجري عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم اللاجئين الذي يعيشون فيه.
منذ منتصف يوليو وحتى بداية أغسطس/آب فقط، جرى علاج أكثر من 6 آلاف جريح في المستشفى الميداني للصليب الأحمر الذي يعمل منذ شهر مايو/أيار، نصفهم تقريبا من النساء، فيما شكّل الأطفال دون سن 15 عامًا حوالي ثلث الجرحى.
بدوره، ساعد الصليب الأحمر الألماني في تزويد المستشفى بمعدات طبية وطاقم طبي متخصص. يقول كريستوف جونين، رئيس قسم التعاون الدولي في الصليب الأحمر الألماني، إن الوضع الإنساني في قطاع غزة كارثي، والرعاية الطبية غير كافية تماماً، حيث خرجت العديد من مستشفيات القطاع عن الخدمة.
"لقد طلب الهلال الأحمر الفلسطيني الدعم على وجه السرعة، ونظراً لخبرة الصليب الأحمر الألماني في إنشاء وتشغيل مثل هذه المراكز الإغاثية، كان من الطبيعي أن يساهم في تقديم المساعدة للسكان المدنيين"، يضيف جونين قبل أن يستدرك قائلا: "لكن بالطبع لا يمكن للمستشفى الميداني للصليب الأحمر أن يحل جميع المشاكل" التي يواجهها سكان القطاع.
ورغم ذلك، يبقى أمر واحد مؤكد هو أنه؛ "مع انهيار النظام الصحي الفلسطيني في قطاع غزة، فإن خطوات مثل المستشفى الميداني للصليب الأحمر في رفح هي فعليا بمثابة طوق نجاة للبقاء للعديد من الفلسطينيين في غزة"، يقول جونين.
ملاحظة: نظرًا لعدم السماح للصحفيين بالخارج بالدخول إلى قطاع غزة، يستند هذا النص إلى لقطات من مصور فوتوغرافي داخل القطاع بتكليف من كاتب القصة، ومكّنته اللجنة الدولية للصليب الأحمر من الوصول الحصري إلى المستشفى الميداني للصليب الأحمر في رفح.
© Qantara 2024