تحديات عسيرة وآفاق مستقبلية غامضة

صور جابت العالم حينها وهي تظهر شباباً عراقيين يسقطون بمساعدة جنود أمريكان التمثال الضخم للطاغية في ساحة الفردوس وسط بغداد. لكن موجة الحماس بالتخلص من النظام الديكتاتوري سرعان ما تلاشت ليحل محلها شعور بخيبة الأمل والقلق مما يخبئه المستقبل. ناجح العبيدي في قراءة لسير التجربة الديمقراطية في العراق بعد سبعة أعوام من إسقاط نظام صدام حسين.

​​لا يوجد يوم يختلف عليه العراقيون قدر اختلافهم على التاسع من أبريل حين استطاعت القوات الأمريكية فجأة فرض سيطرتها على العاصمة العراقية منهية خمسة وثلاثين عاما من الديكتاتورية الفردية. البعض يصفه بالتحرير، والبعض الآخر بيوم السقوط، فيما يرى فيه آخرون بداية لاحتلال اجنبي بغيض. مجلس الحكم المعين من قبل الامريكان أعلن التاسع من أبريل عطلة رسمية. ولكن الحكومة العراقية ألغت هذه القرار لاحقا. وبغض النظر عن الجدل الدائر حول مغزى هذه اليوم إلا أن هناك أمرا مؤكدا هو أن هذا اليوم كرس نهاية عنيفة للنخبة الحاكمة القديمة ومهد لنشوء طبقة سياسية جديدة لا تزال تبحث عن دور متميز لها وسط بحر متلاطم من الصراعات والتناقضات. بيد أن ما جاء بعد ذلك اليوم فاق كل التصورات: اعتداءات ارهابية دامية لم توفر أحدا وعمليات عسكرية واسعة النطاق ومذابح طائفية بين الشيعة والسنة أودت بحياة عشرات الآلاف من الأبرياء.

ربيع بغداد القصير

احتاجت القوات الأمريكية لثلاثة أسابيع فقط للتقدم نحو العاصمة بغداد واحتلالها. ولم تصطدم خلال توغلها لمئات الكيلومترات داخل الأراضي العراقية بمقاومة تستحق الذكر، ولا حتى من قبل الجيش العراقي الذي نُسجت حوله الأساطير. ولم يكن ذلك نتيجة للتفوق العسكري الكبير للجانب الأمريكي فحسب، بل بيّن أيضا بوضوح أن أغلبية العراقيين تقف موقفا سلبيا من نظام صدام حسين وترفض التضحية من أجل عيون حكم شمولي طالما دأب على قمعها واذلالها. صحيح أن أجواء التفاؤل سرعان ما تعكرت بسبب الفوضى العارمة وأعمال النهب والسلب الواسعة النطاق، إلا أن الكثيرين نظروا اليها كظاهرة عابرة وتمسكوا بإيمانهم بامكانية النجاح، لا سيما وأن العراق يتمتع بوفرة في ثلاثة عناصر حاسمة للتطور وهي المياه وموارد الطاقة والثروة البشرية.

مأزق الديمقراطية المفروضة من الخارج

​​لم يرد بخلد المتفائلين أن أبواب الجحيم ستفتح قريباً على مصراعيها. موجة من العنف غير المسبوق اجتاحت العراق لتقول بوضوح إن الاطاحة بالديكتاتورية لن تكون دون ثمن. بل وهناك ما يرجح وجهة النظر بأن القوى المتطرفة، سواء كانت من فلول حزب البعث أو من عناصر تنظيم القاعدة الارهابي أرادت أن ترسل للعراقيين وربما آخرين في منطقة الشرق الأوسط رسالة بليغة مفادها أن الاستعانة بقوى أجنبية لاسقاط نظم قائمة لن يمر دون عقاب شديد ليكون عبرة للجميع. وما حدث في العراق بدا وكأنه دليل على صحة مقولة بعض رجال الدين لتبرير الاستبداد:"إن ألف عام من حكم سلطان جائر أفضل من يوم فتنة".

وسيبقى من الصعب جدا تفسير ضريبة الدم التي أضطر عشرات الآلاف من العراقيين لدفعها دون مبرر واضح. فكيف يمكن معرفة الأسباب التي تدفع بشباب في مقتبل العمر لتجشم عناء رحلة طويلة من بلدان بعيدة والتسلل عبر الحدود غير المراقبة، وكل ذلك من أجل أن يفجروا أنفسهم في الأسواق المزدحمة أو المساجد والمستشفيات وحتى في جلسات العزاء وحفلات الأعراس، والهدف هو دوما قتل أكبر عدد من العراقيين. كما يصعب فهم الاصرار العجيب والمحاولات الدؤوبة لتأجيج حرب طائفية تحرق الأخضر واليابس. وكل ذلك تحت شعار إفشال المشروع الأمريكي في العراق.
ومن الغريب أن تغطي منابر اعلامية عربية عديدة الأحداث الدامية في العراق بشماتة لا تخفي على أحد وهي تتحدث عن عدد القتلى والجرحي وانتمائهم المذهبي والقومي. وأمام كل ذلك لم يعد غريباً أن يتساءل عراقيون كثيرون عن جدوى التخلص من دكتاتورية مقيتة ليحل محلها ارهاب وميليشيات وفرق موت وقتل على الهوية.

خطوة إلى الأمام…. خطوات إلى الخلف

​​ثلاث مرات تحدت أغلبية العراقيين التهديدات الارهابية وذهبوا الى صناديق الاقتراع للادلاء بأصواتهم، كما حدث في الانتخابات التشريعية الأخيرة في السابع من آذار/ مارس الماضي. وفي كل مرة تكون نتيجة ما بعد الانتخابات هي خيبة أمل مريرة بسبب انشغال سياسيين من تيارات مختلفة بالتسابق على المناصب والامتيازات. ففي الوقت الذي يثبت فيه الناخبون شجاعة كبيرة ووعياً عالياً، تفشل النخب السياسية الجديدة في استغلال هذا الزخم لتطوير التجربة الديمقراطية.

وظهرت قوى عديدة لا تتورع عن التضحية بالمصالح الوطنية على مذبح الصراعات الطائفية والاثنية والتسابق على السلطة والثروة. ومما زاد الطين بلة استمرار عملية تسييس الدين التي بدأها النظام السابق وتوظيفها بشكل صارخ من قبل أطراف اسلامية لأغراض سياسية ضيقة الأمر الذي شكل عائقاً كبيراً أمام تكريس هوية وطنية قادرة على استيعاب الانتماءات الدينية والمذهبية والقومية المختلفة.

وبدلاً من مراجعة جرائم الديكتاتورية واستخلاص العبر منها تحول اجتثاث البعث في أحيان كثيرة إلى أداة للثأر والتصفيات السياسية للخصوم. وكل ذلك جرى وسط محيط اقليمي معاد لأي تطور ديمقراطي. وهكذا تحول الأمل بالتأثير الإيجابي لنشر الديمقراطية في العراق على جيرانه الى سراب في الصحراء العربية الكبرى. بل وأصبحت تجربة العراق بمثابة مثال يُذكر لاخافة الآخرين. وليس نادراً أن نسمع حكاماً عرباً وهم يحذرون الأصوات المطالبة بمزيد من الحريات بالقول:"هل تريدون أن نصبح مثل العراق؟."

وهكذا تبدو النظم الاستبدادية سواء كانت في سوريا أو ليبيا أو السعودية أو إيران وغيرها صامدة أكثر من أي وقت مضى بوجه رياح التغيير. وحتى ادارة أوباما تخلت عملياً عن التركيز على نشر الديمقراطية كهدف للسياسة الخارجية الأمريكية في الشرق الأوسط، وذلك بعد التجارب المريرة في العراق وأفغانستان.

من دون شك ينطوي المستقبل في العراق على سيناريوهات كثيرة تتراوح بين التفاؤل والتشاؤم. وهذا ما أثبتته أيضاً الانتخابات التشريعية الأخيرة والتي أسفرت نتائجها عن تغييرات واضحة في المشهد السياسي. لكن النجاح في إقامة ديمقراطية فاعلة في العراق سيتوقف بالدرجة الأولى على إرادة النخب السياسية في البلاد وقدرتها على حل خلافاتها بطريقة سلمية. وبكل تأكيد سيبين التاريخ لاحقاً إن كان ما بدأ يوم التاسع في نيسان/ أبريل في بغداد سيؤدي في نهاية المطاف إلى نهاية سعيدة أم لا.

ناجح العبيدي
مراجعة: لؤي المدهون
حقوق الطبع: قنطرة 2010

قنطرة

تعليق حول موجة العنف في العراق بعد الانتخابات
"انتصار المقاومة العراقيّة يعني الانزلاق في حرب أهلية مفتوحة"

يرى المحلل السياسي المعروف حازم صاغيّة في تعليقه التالي أن جماعات "المقاومة" في العراق ليست سوى حفنة من القتلة والمجرمين الطائفيّين، الذين يبقى أسوأ احتلال للعراق أفضل ألف مرّة من وقوعه في يدهها، كما تبقى أسوأ عمليّة سياسيّة خيراً من أعمالهم التحريريّة والجهاديّة كما يرى أن انتصارها سيؤدي إلى انزلاق العراق في حرب أهلية مفتوحة ومطلقة.

نتائج الانتخابات البرلمانية العراقية
سباق محموم وصراع ضار على المناصب

أفرزت النتائج الأولية للانتخابات العراقية منافسة قوية بين قائمتي المالكي وعلاوي وسط اتهامات متبادلة بالتزوير ومطالبات بإعادة فرز الأصوات. والسؤال الحاسم من سيتولى منصب رئيس الوزراء والمناصب السيادية الهامة الأخرى. ناجح العبيدي يسلط الضوء على معالم خارطة التحالفات المحتملة للمشهد السياسي العراقي.

الخارطة الحزبية في العراق الجديد
دولة دينية أم دولة القانون العلمانية؟

قبل إجراء الانتخابات البرلمانية القادمة في العراق أخذت الخارطة الحزبية تغير معالمها بشكل كبير. فبينما سادت الائتلافات الطائفية والعرقية والدينية في انتخابات 2005 السابقة، تجتاح العراق اليوم موجة من الوطنية والعلمانية في ظل التفجيرات الدموية. بيرجيت سفينسون تسلط الضوء من بغداد على هذه التغيرات.