نقص في التجربة السياسية
محمود أحمدي نجاد البالغ من العمر 49 عاما والذي ولد عن أب كان يعمل حدادا في مدينة تقع بالقرب من طهران، نجح في الارتقاء إلى أعلى المناصب. فقد تبوأ منصب مدرّس في جامعة طهران الهندسية وأصبح محافظا للعاصمة الإيرانية طهران إلى أن انتخب في الدورة الانتخابية الثانية رئيسا للدولة، علما بأن فوزه في تلك الانتخابات كان له وقع المفاجأة.
منذ ذلك الحين أخذت تصريحاته المعبأة بالعداء لإسرائيل ولليهود تثير الصدمة في العالم كما أنه عمد إلى تصعيد أجواء المواجهة في المسألة النووية وأثار الإحباط في نفوس الإيرانيين الذين تحتم عليهم أن يروا البلاد تنزلق نحو عزلة جديدة.
كان من المفروض على الإيرانيين أن يعوا كل تلك الاعتبارات عندما عمدوا إلى انتخاب أحمدي نجاد رئيسا للبلاد. فمع أن هذا الرجل لم يكن مشهورا حتى الآن إلا أن ماضيه وخطه الراديكالي لم يكونا في إيران بحكم الأمر المجهول.
صحيح أنه لم يثبت حتى الآن بأنه قد شارك في احتلال السفارة الأمريكية في طهران أو أنه شارك بعد ذلك ببضع سنوات في مقتل معارض إيراني في مدينة فيينا. لكنه من المعروف أن أحمدي نجاد انضم بعد انطلاق الثورة الإسلامية إلى الحرس الثوري كما تولى أثناء اندلاع الحرب الطويلة التي اشتعلت بين إيران والعراق مسؤولية إجراء العديد من العمليات السرية.
في المرحلة اللاحقة التي تولى فيها أحمدي نجاد منصب محافظ العاصمة لاحق خصوم النظام باستخدام أبشع الوسائل.
كان أحمدي نجاد وما يزال محط آمال الفقراء والمستعضفين، فقد وعدهم أثناء الحملة الانتخابية بتوجيه المزيد من العناية وتوفير ظروف معيشية أفضل لهم، وهو ما زال يشكل لهذه الفئات قدوة عليا نظرا لكونه ينحدر من عائلة بسيطة ولا يتسم على ما يبدو بالفساد والرشوة كما أن نمط حياته يتسم على ما يبدو بالتواضع والبساطة. لكن موضع الإشكالية يكمن في كونه في السياق السياسي متطرفا ومفتقدا للتجربة على حد سواء.
اتضح هذا النقص على وجه خاص عندما واجه أحمدي نجاد صعوبات جمة في تعيين الأشخاص المناسبين لاحتلال مناصب وزارية هامة كمنصب وزير النفط. فقد رشّح أشخاصا غير مؤهلين لتولي تلك المناصب مما دفع البرلمان رغم أغلبيته المحافظة إلى رفض أولئك المرشحين. لكن البرلمان لم يكن بوسعه التصدي لقرارات الرئيس الجديد المتعلقة بتعيين المحافظين ومدراء المصارف وعزل أهم العاملين في الحقل الدبلوماسي.
هذا ولم يجرؤ أحد على التصدي علنا للتصريحات الصادرة عن أحمدي نجاد. ففي أكتوبر/تشرين الأول أعلن بأنه ينبغي محو إسرائيل من الخريطة، كما تنبأ بعد ذلك بفترة قصيرة بفوز الإسلام على إسرائيل.
قام أحمدي نجاد بعد ذلك بالتشكيك في ال"هولوكاوست"، الإبادة الجماعية التي قام بها النازيون، ثم اقترح قيام الأوروبيين لاسيما ألمانيا والنمسا بمنح اليهود جزءا من أراضيهم لتقوم عليها دولة إسرائيل مبررا ذلك بمشاعر الالتزام القائمة لديهم تجاه اليهود بسبب " ما يزعم حول مقتل اليهود".
نجم عن تلك التصريحات استياء في شتى أنحاء العالم، وقد تحفظت القيادة الفلسطينية نفسها إزاء ذلك، كما أن تلك التصريحات لم تلق صدى يستحق الذكر في الدول العربية، إذ أنها لم تعد تتبنى مثل هذه النظريات كما أن مشاعر الخوف بدأت من ناحية أخرى تخالجها حيال تقوية ساعد إيران واحتمال حيازتها عن قريب للأسلحة النووية.
المسألة النووية كانت وما تزال تشكل عنصرا هاما من سياسة أحمدي نجاد. ومع أن الرئيس ليس الطرف المختص برسم السياسة النووية للدولة وتحديد خط المفاوضات الجارية مع الاتحاد الأوروبي، إلا أنه يعبر عن القناعة الداخلية لدى الكثير من الإيرانيين الذين يرون بأن بلدهم بحكم وقوعه تحت ضغط دولي لا يعامل بطريقة عادلة.
وبالتالي فإنهم يعتبرون خطب أحمدي نجاد المثيرة لأحاسيس الصدمة لها ما يبررها لكونها تبيّن للعالم الخارجي بأن إيران ترفض أن تكون عرضة للتخويف.
هذه الاستراتيجية قصيرة الأجل بقدر ما أنها محدودة الأفق، حيث أنها تجعل إيران عرضة للعزلة مما يلحق بها أضرارا جسيمة في العديد من القطاعات.
لكن الرئيس ينظر إلى هذا الأمر بروح عدم الاكتراث، فالأحب على نفسه أن تعود عجلات التاريخ إلى الوراء وتحديدا إلى الأيام التي تلت انطلاق الثورة حيث باتت إيران عرضة للعزلة العالمية دون أن يدفعها ذلك إلى التراجع عن سعيها إلى تطبيق رسالة الإسلام الحقيقي. والملاحظ أن هذا الرئيس الذي لا يحمل صفة دينية يتسم في هذا السياق بتوجه أكثر راديكالية من غالبية الملالي أنفسهم.
في إيران يتناقل الناس في الوقت الراهن نظريات تقول إن الملالي يحاولون التخلص من هذا الرجل الذي يصعب التعامل معه. وهناك أغلبية ترجح خيار عزله من منصبه بسبب فشل أدائه أو بسبب وقوع "حادثة" ما. لكن المواطنين يدركون من ناحية أخرى بأن مثل هذه التصورات الخيالية لا تدخل غالبا إلى حيز الواقع.
بقلم بيتر فيليب
ترجمة عارف حجاج
حقوق الطبع قنطرة 2005
قنطرة
حوار مع شيرين عبادي
نزاع نووي وكلمات رنانة. إن ما يصدر عن إيران في الشهور الماضية يدعو إلى القلق. ولكن شيرين عبادي لا تزال تمارس عملها هناك، السيدة التي منحت قبل عامين جائزة نوبل للسلام. حوار أدارته كاترين اردمان مع المحامية شيرين عبادي في طهران.