قضية الأمير حمزة.. هل تهدد استقرار الأردن؟
وصلت العلاقة بين العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني وأخيه غير الشقيق الأمير حمزة إلى باب مسدود، وتبين أن الأشهر الماضية لم تذب جبل الجليد بين الاثنين، رغم أن هناك من اعتقد أن العلاقة عادت لعهدها بعد اعتذار الأمير حمزة، ثم تخليه عن لقب الأمير.
ففي أحدث فصول الخلاف، أعلن الملك عبد الله عن تقييد اتصالات الأمير حمزة وإقامته وتحركاته، بعد موافقته على توصية للمجلس المشكل بموجب قانون الأسرة المالكة، رفعها للملك. ولم يأخذ بيان الملك الأردني واجب التحفظ تجاه أخيه غير الشقيق، بل قال إنه "يعيش في وهم يرى فيه نفسه وصيا على إرثنا الهاشمي"، كما "يعيش حالة إنكار ويرفض تحمل المسؤولية عن أفعاله".
وتظهر التهم كبيرة في حق الأمير حمزة، فـ "تصرفاته اللامسؤولة تستهدف بث القلاقل"، وكان "يستغل المساحة للإساءة للوطن ومؤسساته وأسرته ومحاولة تعريض استقرار الأردن للخطر"، حسب البيان الذي لم يذهب في اتجاه عقوبات أخرى بحق الأمير حمزة، وأكد الملك أن القصر سيوفر له كل ما يحتاجه لضمان العيش اللائق، لكنه سيبقى في قصره التزاماً بقرار مجلس العائلة.
ويأخذ الملك عبد الله على الأمير حمزة ما ورد في بيانه الأخير غداة تخليه عن لقب أمير من أن "قناعاته الشخصية وثوابته لا تتماشى مع النهج والتوجهات والأساليب الحديثة لمؤسساتنا"، رغم أن الأمير حمزة سبق أن أعلن في مارس/ آذار 2022 عن اعتذاره وفق رسالة له نشرها الديوان الملك الأردني، وقال فيها: "إنني، إذ أتحمّل مسؤوليتي الوطنية إزاء ما بدر مني من مواقف وإساءات بحق جلالة الملك المعظم وبلدنا خلال السنوات الماضية وما تبعها من أحداث في قضية الفتنة، لآمل بصفحك".
الفتنة لم يتم 'وأدها'!
اعتقد كثير من المراقبين أن ما عُرف بـ"الفتنة" قد انتهى عندما ظهر الملك مع الأمير، في احتفالات الذكرى المئوية لتأسيس الأردن، في أبريل/نيسان 2021، وقد كان حينها أول ظهور علني لهما، خصوصا أن الملك نفسه صرّح في ذلك الشهر أن الفتنة قد وئدت، وأن الأمير حمزة يوجد تحت رعايته.
وقبل هذا الظهور، تفجرت أحداث، خلال العام الماضي، أثارت جدلا كبيرا حول ما يجري داخل الأسرة المالكة، إذ أعلنت الداخلية الأردنية عن رصد تحركات للأمير حمزة وآخرين بنية المساس بأمن الأردن، ما أدى إلى وضع الأمير حينها تحت الإقامة الجبرية (وهو ما رفضه عبر تعميمه شريطا صوتيا)، واعتقال ما بين 14 إلى 16 شخصا، واتهمت الداخلية الأمير بإقامة اتصالات مع جهات أجنبية لبدء خطوات زعزعة الأردن.
غير أن مصادر تحدثت قبل عام لرويتز، أشارت إلى أسباب أخرى للخلاف، فالأمير حمزة زار أقارب أردنيين كانوا مصابين بكورونا، توفوا بعد نفاد الأوكسجين في مستشفى مدينة السلط الحكومي، وهي الواقعة التي شهدت وفاة 10 أشخاص في المجمل، وخروج احتجاجات في عدة مدن، ما أدى في النهاية إلى الحكم بسجن مدير المستشفى وأربعة من مساعديه.
وكانت زيارة الأمير، الذي يحظى بشعبية في البلد، القطرة التي أفاضت الكأس، فقد أشارت المصادر ذاتها إلى أن الزيارة فُهمت على أنها محاولة لسرقة الأضواء من الملك الذي تدخل بشكل شخصي وزار مستشفى السلط ووبخ المسؤولين فيه. وما زاد من سوء العلاقة أن عددا من المشاركين في الاحتجاجات على الوفيات كانوا يرفعون اسم الأمير الذي لقي حينها استقبالا حاراً من أسر الضحايا.
من ولي للعهد إلى حبيس في القصر
ووفق المصادر ذاتها، استطاع الأمير حمزة إقامة علاقات وثيقة مع أفراد داخل عشائر لها نفوذ كبير في البلد ومنها من يهمين على قوات الأمن. ويلعب النظام العشائري دورا كبيرا في الشرعية الشعبية لحكام الأردن، إذ هي المكون الرئيسي للبنية الاجتماعية في البلد. وكانت للأمير زيارات متعددة إلى مسؤولين في هذه العشائر، منهم مجموعات رَفعت صوتها بنقد الأوضاع في البلد.
وعُرف عن الأمير حمزة انتقاده الكبير للوضع ولما يراه فسادا كبيرا، وجاءت في تصريحاته لبي بي سي قبل عام "لستُ مسؤولاً عن الانهيار في الحكم والفساد وعدم الكفاءة السائدة في هيكل الحكم منذ 15 أو 20 عاما"، ويظهر هذا الرقم ذو دلالة كبيرة، إذ يقترب من عدد السنوات التي قضاها الملك عبد الله الثاني على العرش، منذ توليه له عام 1999.
لكن إعفاء الأمير حمزة من منصب ولي العهد عام 2004، من طرف الملك عبد الله الثاني، قد يكون له دور في الخلافات بينهما. الأمير حمزة هو الابن الأول للملك حسين الثاني من زوجته الرابعة الملكة نور، وكانت هناك وصية من الملك الراحل لابنه عبد الله بتعيين حمزة ولياً للعهد، وهو ما تم مباشرة بعد وفاة الملك حسين، بل هناك تقارير تشير إلى أن الأمير حمزة كان مفضلاً لمنصب خلافة الملك حسين الذي كان يشيد به، لكن سنه الصغير حينها (24 عاما) لم يساعده في ذلك.
غير أن الملك عبد الله أعلن لاحقاً أن أخاه لم يعد يمكنه خلافته بعد سحب لقب "ولي العهد" منه وذلك حتى "يكون أكثر حرية وقدرة على الحركة" حسب بيان للديوان الملكي. ورغم أن الملك عبد الله وصف هذا المنصب بكونه شرفيا، فقد أعطاه عام 2009 لابنه الأمير حسين، ما سيجعل عرش الأردن ينتقل حصراً ما بين الآباء والأبناء عكس ما جرى في دول خليجية خصوصاً السعودية والكويت والإمارات.
كل هذه التطورات لم تُظهر وجود خلاف بين حمزة وعبد الله طوال السنوات الماضية، خاصة مع استمرار الأمير في أداء مهمات كلفه بها الملك، كما أن انتقاداته المتعلقة بمواجهة الفساد، قبل اندلاع الأزمة، كانت موجهة للحكومة وليس للملك. ويرى مراقبون أنه طوال السنوات الماضية، لم يظهر منافساً حقيقياً للملك على العرش رغم شعبيته وعلاقاته.
ويشير تحليل لموقع "ذ انتبريتر"، التابع لمعهد لوي للسياسات الدولية، إلى أن الخلافات العائلية أمر أساسي في الحياة الملكية سواء في المنطقة العربية أو حتى في العالم الغربي، وهو ما ظهر أكثر من مرة في السعودية، والمثال الأخير طريقة تولي الأمير محمد بن سلمان لمنصب ولي العهد، لكن ما هو غير عادي هو ظهور هذه الخلافات للعلن بالشكل الذي رأيناه في الأردن.
صورة المملكة في الخارج
يعوّل الغرب بشكل كبير على الأردن في منطقة مضطربة، وتعد المملكة حليفا رئيسيا للغرب، سواء من الناحية الأمنية في مواجهة التنظيمات المتشددة، أو السياسية لدور المملكة منذ عقود كمخاطب للغرب في عدة ملفات إقليمية. أولاً لأن البلد ينعم باستقرار كبير مقارنة بجيرانه العرب، خصوصا سوريا والعراق والأراضي الفلسطينية، وثانيا لدور عمان الكبير في المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية للوصول إلى سلام يضمن حلّ الدولتين.
وثالثها لتوّفر البلد على حياة سياسية أكثر حيوية مما في بلدان عربية أخرى، إذ يتوفر على برلمان وحكومة لهما اختصاصات على قدر معين من الأهمية، كما يتوفر البلد على صحافة لها هامش أكبر من الحرية مقارنة بدول الخليج، وعلى مجتمع مدني نشيط له تنسيق مع منظمات دولية متعددة.
غير أن الأردن يواجه تحديات أخرى ليست عند دول الخليج، وهي أساسا وضعه الاقتصادي المتردي، إذ تضرر البلد، غير المتوفر على ثروات نفطية، بشدة من جائحة كوورنا، وارتفعت نسبة البطالة مؤخرا إلى 24 بالمائة. وتحاول الدول الغربية وحتى الخليجية دعم المملكة بمعونات مالية، وخصص الاتحاد الأوروبي ما يزيد عن 841 مليون يورو للمملكة لمواجهة تداعيات جائحة كورونا.
إلا أن ما رافق قضية الأمير حمزة من جدل قد يؤثر على صورة المملكة في الخارج. يبرز تحليل معهد لوي للسياسات الدولية أنه "إذا كان ولي العهد السابق سيتم توقيفه بسبب انتقاداته للحكامة في البلد، فسيظهر أن هناك مساحة صغيرة لبقية الأردنيين لأجل التعبير عن انزعاجهم من الأوضاع، وهو ما لن يخدم مصالح المملكة الهاشمية على المدى البعيد".
ع.ا