المرح إكسير الحياة
عندما تقف الباكستانية شازيا ميرزا على خشبة المسرح في لندن وهي ترتدي حجاباً أسود وملابس محتشمة فإن مظهرها يثير الاستغراب لدى معظم المشاهدين. امرأة – بل ومحجبة - تطلق نكاتاً عن الإسلام؟ بالنسبة إلى كثيرين في الغرب يبدو المرح والسخرية والتهكم أشياء تكاد تتناقض مع الثقافات العربية الإسلامية؛ ففي زمن الإرهاب والنزاع حول الرسوم الكاريكاتورية سادت في وسائل الإعلام الغربية صورة للعالم العربي والإسلامي تختزله في رجال دين متشددين ونساء محجبات، وغالباً ما ينسى الناس في الغرب أن الفكاهة تنتشر أيضاً تحت الحجاب، وأن الحكام السلطويين أو العاملين في أجهزة الرقابة لم ينجحوا يوماً في اجتثاث جذور المرح والفكاهة من المجتمع.
سخرية لاذعة من المستبدين
وبالفعل فإن النظم السلطوية – وهي النظم التي تسود معظم البلدان العربية في الوقت الراهن – هي التي أفرزت أكثر الساخرين والمتهكمين حدةً ولذاعة. غير أن أصحاب تلك النكات السياسية أو الدينية يخاطرون في الظروف الحالية بحياتهم، أو بحريتهم إذا واجهوا عقوبة السجن. الكاتب المغربي إدريس كسيكس مثلاً يعلم تمام العلم كيف يكون رد فعل الحكام على الفكاهة غير المرغوب فيها، وذلك بعد أن قام في مجلته بنشر سلسلة طويلة عن النكات المغربية.
عقب نشر المقالات لقي كسيكس هجوماً من جانب الأصوليين والدولة في آن واحد، ثم قامت السلطات بمنع المجلة من الصدور. في أعقاب ذلك رُفعت قضية ضد ناشر المجلة، وحُكم على كسيكس بالسجن لمدة ثلاثة أعوام، ثم صدر بعد ذلك قرار بوقف تنفيذ العقوبة. هذا رغم أن موطن إدريس كسيكس يُعتبر ليبرالياً إلى حد ما إذا قورن بالدول العربية الأخرى. لكن الإنسان في أيامنا هذه – يقول الصحفي – لا يعرف أي شيء سيهين مَن.
لا هذر بعد اليوم
يُصعب على كثيرين في الغرب أن يضحكوا على النكات العربية لأنهم لا يعرفون سوى القليل عن الشخصيات المؤثرة في المجتمع، كما أنهم يجهلون الظروف السياسة والدينية والاجتماعية التي أفرزت تلك النكات. على الجانب الآخر فإن المسلمين يشعرون سريعاً بالإهانة عندما يضحك الناس في الغرب على نكات تتخذ من الإسلام موضوعاً. توماس باور، الباحث في معهد الدراسات المتقدمة في برلين، يُرجع ذلك إلى عدة عوامل، ويقول: "لم يتخل المسلمون بالطبع عن الضحك، غير أنهم في موقف سياسي لا يدعو إلى المرح. إنهم يرغبون في إظهار وحدة صفهم، لأنهم يشعرون بأنفسهم منذ عصر الاستعمار وحتى اليوم في حالة دفاع عن النفس، وفي هذا الموقف الدفاعي لا يريد الناس وضع القيم الإسلامية الأساسية موضع تساؤل، ناهيك عن أن يفعل أجانب بذلك".
وإذا تأملنا الفكاهة في الثقافة العربية من منظور تاريخي، فسنجد كنزاً ضخماً للغاية، يتجلى على سبيل المثال في "ألف ليلة وليلة"، ذلك العمل الذي يمثل ركناً ركيناً في الأدب والذي ربما يلقى في أوروبا اهتماماً أكبر منه في العالم العربي.
المستشرقة الألمانية كلاوديا أوت قامت بترجمة القصص ترجمة جديدة، محررةً إياها من الاستيهامات الغربية. والقارئ يجد في "ألف ليلة وليلة" فكاهة متميزة تختلف تماماً عن النكات التي يتبادلها الناس في حياتهم اليومية. "إن كتاب "ألف ليلة وليلة" بأكمله يفيض بالمرح، كما أن الحكايات تعري وحشية السلطان الذي يقطع في كل ليلة رقبة امرأة. غير أن كل أسلحة الحاكم تُنزع منه في النهاية."
إرث ثقافي غني
تمتلك الثقافة العربية تراثاً غنياً للغاية من الأدب الساخر المرح. غير أن جزءاً كبيراً من ذلك التراث لا يمكن نشره اليوم في البلاد العربية، لأنه سيقع على الفور ضحية الرقابة. أما في الماضي – يقول الباحث في العلوم الإسلامية توماس باور – فقد كان باستطاعة الكاتب أن يكتب وينشر بحرية أكثر بكثير من اليوم، حتى فيما يتعلق بالموضوعات الدينية:
"بالطبع هناك محرمات: ليس مسموحاً بالسخرية من النبي أو من القرآن. ولكن كان من الممكن استخدام القرآن في أغراض الهجاء. غير أن الحدود في ذلك العصر الذهبي كانت رحبة إلى أقصى درجة"، يقول باور، ويضيف قائلاً إن ذلك يصدق أيضاً على تناول الموضوعات الجنسية في الأدب.
ويرى الباحث في معهد برلين للدراسات المتقدمة أن ذلك العصر لم يكن يعرف المحرمات: "غير أن الناس في العالم الإسلامي قد اعتمدوا منذ عهد الاستعمار فهماً طهرانياً شبيهاً بالمفاهيم السائدة في العصر الفيكتورياني، وهو ما أدى إلى أن موضوع الجنس اليوم – وعلى العكس من الماضي – قد أصبح شبه محرم."
أما الباحث أولريش مارتسولف فيرى أن النظرة الغربية تجاه العالم العربي نظرة قاصرة للغاية، تغلب عليها العوامل الاقتصادية والسياسية، ولا تكاد الثقافة تؤثر فيها. ولهذا يدعو الخبير ليس فقط إلى تذكر الروافد المشتركة بين الثقافة العربية الإسلامية والثقافة الأوربية، بل إلى الاقتداء بها أيضاً.
"من الثابت أن النكات العربية قد دخلت عبر مصادر عديدة إلى التراث الأوروبي. ومن تلك المصادر المهمة الحجاج مثلاً الذين سافروا إلى المشرق في عصر الحملات الصليبية، ومن هناك أحضروا أشياء عديدة، أو التجار الذين كانوا في اتصال مباشر مع دول شرق البحر المتوسط."
سيستمر الناس في الثقافة العربية في إطلاق النكات والضحك في المستقبل أيضاً – حتى وإن كان ذلك يستدعي شجاعة عظيمة في البلاد السلطوية: هذه هي الحقيقة، سواء أراد المرء في الغرب معرفة ذلك أم لا.
أندريا لوغ
ترجمة: صفية مسعود
حقوق الطبع: دويتشه فيله 2009
قنطرة
"أدب النكتة" ونكات أهل حمص:
حرب الفكاهة وسلاح النقد في النكة الحمصيّة
في كل بلد تكاد تكون منطقة أو مدينة في مرمى سهام النكات، حيث تشكل النكتة عبر العصور والأزمان وسيلة لتوجيه النقد للأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية. وتعد مدينة حمص "عاصمة الضحك" السورية، إذ لهذه المدينة قصتها الموغلة في القدم مع عالم النكت. عفراء محمد تسلط الضوء على هذه الظاهرة.
ثقافة النكتة عند الفلسطينيين
عندما يغيب الشعب تكون النكتة سلاحه
تشكل النكتة أحد الثوابت القليلة عند الفلسطينيين. شريف كناعنة، عالم الإثنولوجيا في جامعة بير زيت برام الله، بحث في هذه الظاهرة منذ أكثر من خمسة عشر عاماً. فرانك هيسنلاند قام بزيارته وتعلم منه الكثير عن المجتمع الفلسطيني.
الكاريكاتور في المغرب العربي:
ماكر، مضحك، متعب
كيف يمكن للانسان العربي ان يتحدى واقعه الاجتماعي والسياسي بالسخرية والضحك، وهل يمكنه ان يتخطى الخطوط الحمراء من خلال الرسوم الساخرة، هذا ما حاولت ليزيل شولتسه-ماير رصده من خلال تقريرها عن معرض الكاريكاتور العربي الذي نُظم أخيرا في ألمانيا.