ماكر، مضحك، متعب
يعظ المدير تلميذًا صغيرًا قائلاً له: " كن مجتهدًا في المدرسة، حتى تصبح أنت ذكيًا أيضا مثل رئيس وزراء بلدنا". أما التلميذ فيرد عليه: " أنا لا أذهب إلى المدرسة حتى أصبح مديرًا مثلك".
لا يوجد شيء مقدس لدى الكاريكاتوريين الجزائريين، فهم يتكئون على النافذة مطلين إلى الخارج. تجلى هذا في معرض في برلين، عرضت فيه مئات من الرسومات الكاريكاتورية السياسية والاجتماعية الناقدة من بلاد المغرب العربي: ليبيا وتونس والجزائر والمغرب.
مثّل ليبيا في برلين الرسام محمد الزواوي الذي يحظى في بلده بشعبية كبيرة، أما تونس فمثّلها شدلي بلخمسة المعروف والمحبوب في الصحافة اليومية هناك. ومن المغرب، البلد الذي يوجد فيه نقابة مهنية للرسامين الكاريكاتوريين، فقد جاءت أعمال ثمانية فنانين، من بينهم مثلاً رئيس النقابة محمد نضراني.
قنبلة تنفجر بجانب بيت، قطع من سيارة تطير في الهواء. يُشاهد عبر نافذة مفتوحة رجل يجلس أمام جهاز تلفزيون، ولا يرى الكارثة التي وقعت في الخارج؛ يصرخ هذا الرجل نحو الخارج قائلاً: "هدوء، بعد قليل سيتحدث الرئيس".
يضيع معظم ما في لوحة كاريكاتورية ما من نكتة، عندما يحاول المرء أن يصف مضمون هذه اللوحة. فلا يمكن التعبير لغويًا عن الحيل الفنية التي في اللوحات الكاريكاتورية إلاّ بمرارة أو ببذل الكثير من الجهد:
ذلك لأن المبالغة في تصوير ملامح الجسد المميّزة، والاقتصار على ما هو ضروري، والتأكيد على سمات بارزة، ومخالفة مقاييس الجمال، والتشكيل اللامعقول، والمتناقضات، وتغيير المعاني وإنكار القيمة - كل هذا يخلق النكتة والفكاهة. وليس من دون سبب يقول المثل الصحفي: "الصورة تنطق أكثر من ألف كلمة".
ديلم في هذا اليوم
تقدم الصحيفة الجزائرية اليومية الفرانكوفونية »ليبرتي« Liberté في كل عدد على صفحتها الأخيرة رسم فكاهي بعنوان: "ديلم في هذا اليوم" Le Dilem du jour. وديلم هو الرسام الكاريكاتوري الأكثر شعبية في الجزائر، يتلهف القراء كل يوم إلى جديده، إلى ما يهاجمه من جديد، إلى الفضائح التي سيكشفها ممثلوه ذوي الأنوف البصلية.
تقدم الرسوم الكاريكاتورية قبل كل شيء نكات وفكاهة. وهل هناك من يضحك أو يبتسم على مضض، من يفرح بغير شماتة، من يستطيع أن يتهرب من الشماتة، عندما يُجعل من المكروه أضحوكة للناس، أو هل ثمّة من لا يوافق برضًى عن استطاعة الريشة الحادة الطعن في الأحوال السيئة.
تصدير الهموم
عجز الدولة والإدارات، وتزييف الانتخابات، والفساد، واحتقار حقوق الإنسان، والأصولية الإسلامية، وأعمال الإرهاب والعنف، واضطهاد النساء، والنقص في حرية الصحافة: مواضيع من السياسية الداخلية التي يمكن لها أن تثير غيظ المواطنين. وهذه المواضيع كثيرة جدًا عند الكاريكاتوريين المغاربيين.
ولكن عندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية أو بنقد دول أخرى، يتم تحويل مواضيع مثل العلاقات مع الغرب وقبل كل شيء مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأزمة الشرق الأدنى، والأحداث في أفغانستان أو العراق وكذلك سياسة التعامل مع النفط، إلى رسومات كريكاتورية.
أما المواضيع التي تدعوا للرسم فهي تتمثل على سبيل المثال في: تعارض التراث مع الحداثة، وأشكال العلاقات المقرة دينيًا، والخطايا البيئية، والشؤون الأسرية، والعادات المتبعة في الأعراس، ومشاكل المرور، ومرض الإيدز، بالإضافة إلى الفقر والغنى.
الروؤساء والجيش والخطوط الحمراء
ومن بين البلاد المغاربية الأربعة لا يتم نقد الدولة والأحزاب والجيش بوضوح إلاّ في الجزائر. بيد أن الفنانين يتبعون أسلوبًا مختلفًا عما لدينا في أوروبا. فهم لا يصورن بوضوح تقريبًا أشخاصًا حقيقيين يمكن التعرف عليهم (لذلك يُظهر رسم كاريكاتوري عنوانه "سبق صحفي - استنساخ البشر في الجزائر"، عالمًا في مختبر يقول: "نعم. منذ سنة ١٩٦٢ ولا يزال لدينا نفس الرؤساء").
ويبدو أن السياسيين المغاربيين لا يتفقون مع رأي الرئيس الألماني السابق يوهانّيس راو، الذي قال في جلسة عشاء عقدت في شهر كانون الأول/ديسمبر ٢٠٠٣ على شرف رسامين كاريكاتوريين: "إن ما كان ولازال يعتبره السياسيون أسوء من أن تتناولهم الرسوم الكاريكاتورية، هو تحديدًا أن لا تتناولهم هذه الرسوم".
في ليبيا يسمح على ما يبدو بممارسة نقد اللجان الشعبية، ويتجلى هذا النقد على أية حال إن تطرق إلى الولايات المتحدة الأمريكية أو المملكة العربية السعودية أو إسرائيل. أما رسومات الزواوي المفعمة بالحب والمرسومة بالكثير من التفاصيل، فتصور بدقة الشعب وعاداته؛ والزواوي يرسم بالريشة والفرشاة خطايا البشر الصغيرة والكبيرة، وهموم الفقراء وعيوب الأغنياء أو إهمال وجَوْر الإدارات الحكومية.
كما أن الزواوي يستهزئ بمنع الكحول في البلاد (ليبيا) وبالعادات المتبعة في الزواج والتي صارت قديمة. وعلى سبيل المثال يخص تحجّب المرأة بلوحة قوية التعبير، صوّر عليها ثلاثة مخلوقات محجوبة تمامًا. وكل واحد من هذه المخلوقات الثلاثة يحمل لافتة كتب عليها: "أنا حلومة وأنا مبروكة وأنا فطومة".
حرية الصحافة والضحك بشروط
تعتبر حرية الصحافة في المغرب (وكذلك في الجزائر) موضوعًا مهمًا للغاية: فكثيرًا ما يُرمز إلى احتقارها من خلال ريشة كتابة أو ريشة رسم معذّبة: أقلام تشكل قضبان السجن، أقلام تُقتل بالرصاص، أقلام واقفة على العكاكيز أو مكبلة أيديها بالحديد. أو صحيفة مكبلة بالزرد يراقبها سجّان مسلح.
الرسامون الكاريكاتوريون المغاربة هم أكثر جدية من باقي الكاريكاتوريين المغاربيين. يرى الكاريكاتوريون المغاربة أنه ينبغي على المرء أن يضحك فقط بشروط، على مواضيع مثل التعذيب والهجرة الخطيرة إلى أوروبا عبر مضيق جبل طارق والعنف ضد النساء. رغم أن الأطباء النفسيين يعتبرون أن الضحك يشفي أيضًا في الحالات المخيفة، إذ أنه يحرر الخائف من مخاوفه.
والكاريكاتوريون التونسيون هم أقل من يظهروا ضخامة التفجر السياسي والحدّة. مشاكل المرور في كل المناطق المتاخمة للعاصمة الضاجة بالسكان وعمارتها المقفرة هي منهل ينتهل منه الكاريكاتوريون مواضيع رسوماتهم: (مثلاً تتوسط خيمة بربرية وجمل عمارات عالية بائسة ذات طابع واحد، وفي أسفلها جملة جاء فيها: "آخر البدو").
تقطير الحرية
الخطايا البيئية وجني طائل الأموال من ألعاب كرة القدم وألعاب الأطفال الجديدة - كل هذا شيء من المواضيع التي يعالجها شدلي بلخمسة. يتم نقد النقص الموجود في حرية الصحافة بحذر، من خلال رسم كاريكاتوري فيه صنبور ماء تنزل منه قطرات له شكل مفردة: "إعلام".
إن الرسم الكاريكاتوري وعلى ما له من أهمية في يومنا هذا، يعتبر مرآة فكاهية تعكس صورة المجتمع، وذلك منذ أن أوجد هذا النوع من الرسم في القرن الـ١٨ في إنكلترا. لقد جعل الكاريكاتور مواضيعًا مثل المبالغات وتشويه صورة الطبيعة وإبراز البشاعة والسخرية اللاذعة وسوء النوايا وفضح الأحوال السيئة، محببة لدى الجمهور.
رسامو الكاريكاتور المغاربيون يمثلون تمامًا هذا التراث. فهم يعكسون صورة المجتمع المغاربي بكل ما فيه من خواص وعيوب ونواقص. كثيرًا ما تتميّز ملامح الأشخاص المرسومين ومحيطهم بالطابع الشمال إفريقي.
تختلف هناك الأساليب مثلما تختلف في مناطق أخرى. فهذه الأساليب تمتد هناك من أعمال ملواح ذي الخطوط القليلة والسميكة، مرورًا بخط ديلم اليدوي غير المضطرب ذي المساحات المتشابكة، حتى رسومات الزواوي المرسومة بعناية والملونة جزئيًا.
الكاريكاتوروالطريق الى السجن
لكن ما هو الثمن الذي يدفعه الفنانون الكاريكاتوريون نتيجة إقدامهم على اختيار مواضيع لوحاتهم؟ تظهر سير حياة الفانانيّـن الموجودين في برلين، سيد علي محمد ومحمد نضراني، أن الشجاعة ممكن أن تكون خطيرة. إذ تحتم على الفنان سيد علي محمد أن يترك البلاد بعد أن هدده إرهابيون جزائريون بالقتل عدة مرات، أما محمد نضراني فقد قضى عدة أعوام في السجن.
حتى أن الزواوي قدم إلى تونس كسائح فأُدخل السجن لعدة أشهر من دون ذكر أسباب. أما ديلم فقد حكم عليه بالسجن لعدة أشهر وبغرامة مالية.
كان ملواح يستغرب دائمًا، أثناء إقامته مع كاريكاتوريين جزائرين في بلاد عربية، من أسئلة مثل كيف يمكن أن يوجد هذا القدر الكبير من الحرية والصراحة في الصحافة الجزائرية. يقول إنه كان يجاوب دائمًا على هذا السؤال بـ»نحن بدورنا لا يوجد لدينا حرية. بل نأخذها ببساطة«!
بقلم ليزيل شولتسه-مايَر، نشر المقال في كتيب المناخ العربي، طبعة عام ٢٠٠٤/٢٠٠٥
حقوق الطبع ليزل شزلتسه-ماير
ترجمة رائد الباش
مقابلة مع الرسامين جورج البهجوري ويوسف عبدلكي على موقع قنطرة