الهجوم على سلمان رشدي يعيد ذكريات أليمة إلى أذهان الكتاب العرب
(أ ف ب) - كان من الممكن أن تمر رواية "آيات شيطانية"، لمؤلفها البريطاني سلمان رشدي دون أن يلاحظها أحد، فهي لم تصدر باللغة العربية وانتشرت ترجماتها في دوائر محدودة للغاية، لولا الفتوى الإيرانية بهدر دم الكاتب.
عاد ذلك مجددا إلى الاذهان، بعد مشهد تعرض رشدي للطعن في بطنه ورقبته بيَد شاب أميركي من أصل لبناني خلال مناسبة في الولايات المتحدة الأسبوع الماضي، قبل أن يبدأ في التماثل للشفاء.
عندما أصدر مؤسّس الجمهوريّة الإسلاميّة آية الله روح الله الخميني فتوى بهدر دم رشدي في 1989، ثار جدل وصدرت ردود أفعال عن الكتاب العرب ومن بينهم من كان يتعرض بانتظام للهجوم والنقد سواء لاحتجاجه على استبداد السلطات أو بحجة "حماية الأخلاق" في منطقة راهنت فيها الأنظمة الحاكمة على التيار الإسلامي لاطاحة اليساريين.
عندما صدرت الرواية عام 1988، كان العالم العربي منهكا بنهاية الحرب بين إيران والعراق والتي تسببت في مقتل مليون شخص من الجانبين، فضلا عن الانتفاضة الفلسطينية الأولى.
ولكن في بريطانيا، محل إقامة الكاتب، وشبه القارة الهندية مسقط رأسه، خرج عشرات الآلاف من المتظاهرين احتجاجا على الرواية التي قالوا إنها "تسيء" للنبي محمد.
ولاحظت الكاتبة المصرية أهداف سويف، التي كانت تعيش في بريطانيا آنذاك، أن ما صدم القراء باللغة الإنكليزية هو "المفردات التافهة المستخدمة في وصف النبي، والتي تتعارض جذريا مع القدسية المعتادة".
ولكن في العالم العربي، لم يتحدث أحد عن الرواية، وفي مصر، قامت مشيخة الأزهر بحظرها لا سيما بسبب عنوانها المستفز بشكل واضح لمشاعر المسلمين، لكن محتواها لم يكن غريبًا بالنسبة لبعض طلاب دراسات الفقه الاسلامي.
قالت أهداف سويف لوكالة فرانس برس إن بعض الأحداث المذكورة في الرواية "وردت في العديد من السير الذاتية المبكرة للنبي (محمد)".
لكن الأمر لا يقتصر على رأي أدبي أو رأي ديني فحسب، بل امتد للسياسة وهو ما جذب انتباه العالم العربي.
وبعد أيام من فتوى الخميني، نشر أربعون مثقفا وفنانا عربيا خطابا مفتوحا من سوريا بعنوان "دفاعا عن حق الكاتب في الحياة".
وجاء فيه "لسنا هنا للدفاع عن الكتاب ولا نميل إلى ذلك، لكننا ندافع عن الكاتب وحقه في الحياة والكتابة معا"، منددين بما اسموه "جهاد قوى الظلام ضد العقل والمدافعين عنه فتحرق الكتب وتعدم كل من كتب كتابا لا يعجبها".
والأحد كتب أحد الكتاب الموقعين على الخطاب اللبناني فواز طرابلسي على صفحته على موقع فيسبوك "عام 1991، وقعت ضمن مئة مثقف عربي ومسلم نصًا في كتاب 'من أجل رشدي' ادانوا فتوى القتل ... الآن وقد انتقلت الفتوى القاتلة الى التنفيذ، أدين محاولة اغتيال سلمان رشدي واؤّيد حقه في الحياة".
في عام 1993 بعد نجاح التيار الإسلامي المتطرف في اغتيال مفكرين عرب مثل الطاهر جعوط في الجزائر وفرج فودة في مصر، ردت أيضا كتابة قامات أدبية مثل الفلسطينيين إدوارد سعيد ومحمود درويش واللبناني أمين معلوف والجزائري محمد أركون.
وفي مقال تعليقا على فتوى الخميني ومحاولة الربط بين روايته "أولاد حارتنا" ورواية رشدي، كتب المصري نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل في الأدب "أنادي بأن تكون حرية الرأي مقدسة ولا يصحح الفكر إلا الفكر". في عام 1994 نجا محفوظ من محاولة اغتياله بسبب روايته واعترف الجانيان في محاكمتهما أنهما لم يقرآها قط.
والسبت، عندما اتجهت أنظار العالم إلى المشهد المروع في نيويورك حيث طُعن رشدي، كتب المؤلف المصري عز الدين فيشر أن نجيب محفوظ "طُعن من جديد".
فبعد أكثر من ثلاثة عقود، ما زال الجدل مستمرا حول كتابات ومؤلفات المثقفين، لكن يتم تبادله بشكل أكبر اليوم عبر المنصات الإلكترونية. عن ذلك قال الكاتب المصري سيد محمود "الآن أصبحت المساحة الوحيدة المتاحة للتعبير هي مواقع التواصل الاجتماعي".
ويرى محمود أن مشهد الإسلاميين اختلف حاليا بعد خلع الحكومات الاسلامية التي ظهرت في أعقاب انتفاضات "الربيع العربي"، "لأن المشهد السياسي كان معقدا جدا وكان هناك صعود واضح للتيارات الإسلامية".
ومع ذلك، بعد يوم من الهجوم، قال الصحفي اللبناني رضوان عقيل في مقابلة تلفزيونية أنه "على المستوى الشخصي لا يتبنى محاولة قتل أي إنسان، ولكن سلمان رشدي لا يحمل مواصفات الكاتب .. وفتوى الخميني كانت بمحلها آنذاك".
وتابع: "لو قال هذا الكلام بحق السيد المسيح .. أكيد سأرفضه".