الجزائر - انتخابات الرئاسة 2019 بين "رفض شعبي وتعنت سلطوي"
تنوعت أشكال التظاهر في الجزائر ضد انتخابات 2019: من المظاهرات الأسبوعية يومي الجمعة والثلاثاء إلى وقفات احتجاجية ضد حضور أحد المترشحين الخمسة في إطار الحملة الانتخابية، مرورا بغلق مكاتب التحضير للانتخابات في البلديات والدوائر عبر مناطق متعددة من البلاد.
ولعل الدافع المشترك لكل المتظاهرين هو رفض استحقاق انتخابي يشارك فيه خمسة مترشحين ينبثقون كلهم من فترة الرئيس المخلوع بوتفليقة، ويرمزون إلى حد كبير إلى كل مظاهر الفساد والرداءة التي اتسمت بها تلك الفترة التي مازالت جد قريبة في الماضي.
بعبارة أخرى، بالنسبة لشرائح عريضة من الشعب الجزائري، انتخابات الثاني عشر من ديسمبر تعتبر ببساطة بمثابة تكريس لاستمرارية نظام بو تفليقة.
"انتخابات رئاسية شكلية"
يجدر القول إن هذا الرفض الشعبي ليس رفضا مطلقا للانتخابات في حد ذاتها، بل رفضا للانتخابات المنظمة في مثل هذه الظروف من الاعتقالات السياسية والتضييق الإعلامي وتطويق الحريات الجماعية. فالشعار الطاغي حاليا وبدون منازع بالعامية الجزائرية هو: "ما كانش انتخابات مع العصابات!".
الكاتب والمفكر حميد زناز يرى أنها "انتخابات رئاسية شكلية مزورة سلفا يحاول النظام من ورائها استنساخ نفسه وفرض الأمر الواقع على الشعب الجزائري. في الحقيقة هي انتخابات لا معنى لها قبل أن تُجْرَى، إذْ كيف يمكن تنظيم انتخابات رئاسية بالقوة ورغم أنف الشعب الذي يرفضها رفضا تاما".
من البديهي أن تنظيم اقتراع ضد إرادة الشعب هو ضمان للفشل واستمرار للأزمة السياسة، إذ ستفتقد النتائج لكل شرعية ومصداقية ما دام هذا الشعب غير منخرط فيها".
يتساءل الكاتب: "أيّ مصداقية لانتخابات رئاسية تقام في جو الاعتقالات والمحاكمات والاحتجاجات والمظاهرات الضخمة المنظمة ليلا ونهارا؟".
"وحتى وأن أجريت ماذا سيبقى لها من معنى وأغلبية الجزائريين يتظاهرون في الشوارع مناهضين لإجرائها؟ هل هي انتخابات تلك التي لا يتوفر فيها أدنى حد من التوافق بين مختلف القوى السياسية في البلد؟".
ويرى حميد زناز أن "التمادي في محاولة اجراء الاقتراع المرفوض شعبيا هو إنكار صريح للواقع من طرف قيادة الأركان ورغبتها في المرور عن طريق القوة لغاية واحدة هي الاستمرار في حكم البلاد، وهو دليل أيضا على وقوع سلطة الأمر الواقع في مأزق لم تكن مستعدة لمواجهته. وهي لا تعرف كيف تتصرف لأنها أحرقت كل أوراقها ولم يبقَ لها سوى مواجهة الشعب الرافض والمسالم بالقوة الأمنية والقضائية والتضليلية".
بالفعل، سخرت الحكومة الجزائرية الحالية كل إمكانياتها (الإدارة، قوات الأمن، الإعلام العمومي والخاص الموالي، الدعاية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ... إلخ) لإنجاح هذه الانتخابات، لاسيما بتنظيم حملة انتخابية في ظروف استثنائية جدا وغير مسبوقة في تاريخ الجزائر.
فلقد شهدت الأسابيع السابقة العديد من الاشتباكات والاعتقالات في كثير من المدن الجزائرية إثر المرور غير المرغوب فيه للمرشحين في إطار الحملة الانتخابية.
من جهته، يرى عالم الاجتماع ناصر جابي أن "السلطة الحاكمة تريد الذهاب إلى الانتخابات تحت أي طرف حتى ولو باستعمال الإكراه، رغم معرفتها أن الأغلبية الساحقة من المواطنين ضد هذه الانتخابات التي لا تتوفر شروط القيام بها.
شروط كانت قد طالبت بها على شكل تطمينات الأغلبية الساحقة من الأحزاب والشخصيات، علاوة بالطبع على الحراك الشعبي الرافض للذهاب إلى هذه الانتخابات في هذا الظرف".
"نكسة في عملية الانتقال الديمقراطي"
ناصر جابي يؤكد أن "الانتخابات إن تمت فعلا ستكون نكسة في عملية الانتقال الديمقراطي لأنها ستحصل دون مشاركة شعبية وضد إرادة الأغلبية، وبالتالي ينتج عنها رئيس جمهورية ضعيف في الداخل والخارج ومن دون شرعية يستطيع بواسطتها التطرق لمشاكل البلد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية".
لانتخابات 2019 الجزائرية الرئاسية أربعة سيناريوهات واردة:
- إجراء انتخابات من شأنها أن تؤدي إلى انتخاب رئيس ضعيف سيواجه نفس التحديات،
- مواجهة مباشرة بين المتظاهرين وقوات الأمن قد تؤدي إلى فرض حالة استثناء (حالة طوارئ)،
- الإلغاء الثالث للانتخابات وفتح حوار شامل ونزيه مع المجتمع المدني،
- إجراء انتخابات ثم إلغاؤها بعد الإقرار بعدم شرعيتها وفتح حوار شامل ونزيه مع المجتمع المدني.
ويرى صلاح الدين صالحي، باحث مشارك في المجموعة البحثية للدراسات حول المجتمعات العربية والإسلامية، في إسبانيا، أن "الحكومة ترغب في إجراء الانتخابات بأي ثمن، وحتى، على الأرجح، عن طريق حشو الأصوات".
ويضيف أن "تنظيم الانتخابات بهذه الطريقة، مع شبح المشاركة الضعيفة للغاية، يضعف من السلطة ويصعب من مهمة الرئيس الجديد الذي سيفتقد للشرعية الشعبية".
ولعل أحد المؤشرات الرئيسية للصعوبة التي يجدها النظام الجزائري في تجديد نفسه والحصول على نفس جديد هو فشله الذريع في إيجاد مترشحين ذوي مصداقية من خارج دوائر السلطة لانتخابات الثاني عشر من ديسمبر / كانون الأول 2019.
وإذا فرضنا أن السيناريو الأول المذكور آنفا هو الأكثر احتمالا، فما الذي سيتغير سياسيا بالنسبة للرئيس المنتخب؟
كيف ستكون مساحة المناورة الحقيقية في مواجهة التحديات السياسية والاقتصادية الضخمة؟
ألن يجد نفسه في مواجهة نفس الحراك الشعبي بسقف من المطالبات أعلى مما كان عليه؟
هذه أسئلة تفرض نفسها في سياق الأزمة السياسية غير المسبوقة في تاريخ الجزائر الحديث.
نور الدين بسعدي
حقوق النشر: موقع قنطرة 2019