اتساع الهوة.. هكذا تدهور التنسيق الوثيق بين مصر والإمارات
توجه ولي العهد الإماراتي، محمد بن زايد، إلى القاهرة، الأربعاء الماضي، لإجراء محادثات مباشرة مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بشأن الديناميكيات المتغيرة للحصار المفروض على دولة قطر، والذي تسعى السعودية جاهدة للتوصل إلى حل له بعد أكثر من ثلاث سنوات.
كان الزعيمان يحاولان فقط «تخفيف التوتر» الناجم عن الاقتراح السعودي، وفقًا لمصدر حكومي مصري.
لكن، وعلى الرغم من تردد السيسي وابن زايد بخصوص المضي قدمًا في الخطة السعودية، تحاول مصر أيضًا التودد للمملكة، خصوصًا مع توتر العلاقة بين القاهرة وأبو ظبي بشكل متزايد خلال الشهور الثمانية عشر الماضية، وفقًا للمصدر. «زيارة الأربعاء لا ينبغي أن يُنظر إليها على أنها دليل على نهاية خلافات عميقة بين العاصمتين»، قال المصدر.
قبل أربع سنوات، كانت العلاقات أقوى بين مصر والإمارات العربية المتحدة. وجد السيسي وابن زايد في الخطاب المرشح الرئاسي الأمريكي وقتها، دونالد ترامب، المعادي للإسلاميين، سببًا للعودة إلى علاقات أوثق، بعد تعثر في السنوات التي سبقتها بسبب تردد القاهرة في تبني مقترح الإمارات لإصلاح الاقتصاد المصري اعتمادًا على خطة بطيئة وتدريجية لخفض قيمة العملة وإصلاح الدعم الحكومي.
بعد صعود السيسي إلى السلطة على خلفية الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي في عام 2013، قدمت كل من السعودية والإمارات الكثير من الأموال لتحقيق الاستقرار في مصر، بعد سنوات من الانتقال السياسي المفتوح، الذي أثر على الاقتصاد المصري. ومع ذلك، مع تزايد صبرها على الإصلاحات القادمة وعدم استعدادها لمواصلة التدخل لتقديم الدعم المالي، قررت الإمارات في أواخر عام 2015 استدعاء سلطان أحمد الجابر، وزير الدولة الإماراتي، الذي كُلف بتوجيه مصر خلال الإصلاح الاقتصادي، وتعليق مجموعة من الخطط الاستثمارية في مصر. ومع ذلك، وفقًا لمصدر سياسي إماراتي، لم تُدر الإمارات ظهرها لمصر بشكل كامل.
تزامنت حملة ترامب الرئاسية في عام 2016 مع تحول تحالفات السياسة الخارجية لمصر. في أبريل من ذلك العام، تنازلت مصر عن جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية. الخطوة حظيت برفض شعبي، ومثلت واحدًا من أكبر التحديات السياسية الداخلية للنظام، لكن السلطات في مصر اعتقدت أنها ضرورية للحفاظ على دعم السعوديين.
ومع ذلك، يبدو أن السعوديين لم يقدّروا تمامًا طبيعة الخطوة، ولم يكونوا متعاونين كما كانت القاهرة تأمل.
«كان هناك فزع بالتأكيد. السعوديون كانوا يطلبون أكثر من اللازم. لن يتوقفوا عند الجزر فقط. أرادوا أن ترسل مصر قوات للمساعدة في حربهم على اليمن، ولم يكن هناك اتفاق على هذا في القاهرة»، يقول مسؤول مصري مطلع.
من القضية الفلسطينية إلى ليبيا وقطر، ومن إثيوبيا والقرن الإفريقي إلى قناة السويس والبحر الأحمر، تباعدت المصالح السياسة الخارجية للبلدين بشكل متزايد، ما تسبب في ضغط كبير على ما كان يومًا «علاقة متينة»
مع تراجع الدعم السعودي، قررت السلطات في مصر المضي قدمًا في إجراءات التقشف الاقتصادي التي تم تأجيلها، واتخاذ خطوات تُوجت باتفاقية قرض بقيمة 12 مليار دولار أمريكي مع صندوق النقد الدولي. واعتبرت الإمارات أن هذه الخطوة مشجعة للغاية.
وعندما انتُخب ترامب، تعززت العلاقة بين مصر والإمارات، واتفق البلدان على تنسيق أجندة مشتركة للسياسة الخارجية تتمحور حول الحد من انتشار الإسلام السياسي وإيجاد «حل» للصراع الفلسطيني الإسرائيلي. كان السيسي وابن زايد مسؤولين بشكل مباشر عن تنسيق هذا الجهد من خلال اجتماعات مباشرة أو مكالمات هاتفية منتظمة، وفقًا لمصادر سياسية وحكومية إماراتية ومصرية.
على مدى السنوات الأربع الماضية، شهدت هذه الأجندة تعاون الجانبين على عدة جبهات، من الحصار المفروض على قطر، ودعم مصر البرجماتي لما عُرف بصفقة القرن، إلى دعم الحملة العسكرية المشؤومة لزعيم ما يعرف بـ«الجيش الوطني الليبي» خليفة حفتر من أجل الاستيلاء على العاصمة طرابلس، وإعادة الاتصال بنظام الرئيس السوري بشار الأسد. ومع ذلك، وفقًا لاثنين من المسؤولين الحكوميين المصريين المطلعين، ومصدر سياسي إماراتي، تحدثوا إلى «مدى مصر» عدة مرات على مدار الثمانية عشر شهرًا الماضية، انتهى شهر العسل المصري والإماراتي الذي بشرت به رئاسة ترامب.
يقدم المسؤولون روايات مختلفة لأسباب تباعد العلاقات بين القاهرة وأبو ظبي على نحو متزايد. لكن ظلت هناك فكرة واحدة ثابتة: كانت القاهرة على استعداد لأن تكون شريكًا لدولة الإمارات، وتوقعت في المقابل أن يتم تضمينها في عملية صنع القرار بشأن جميع القضايا ذات الاهتمام المشترك. وبدلًا من ذلك، اتخذت الإمارات العربية المتحدة مرارًا وتكرارًا زمام المبادرة في القضايا الإقليمية دون استشارة مصر بجدية، وغالبًا ما تبنت سياسات عدوانية من جانب واحد وتجاهلت مخاوف القاهرة.
من القضية الفلسطينية إلى ليبيا وقطر، ومن إثيوبيا والقرن الإفريقي إلى قناة السويس والبحر الأحمر، تباعدت المصالح السياسة الخارجية للبلدين بشكل متزايد، ما تسبب في ضغط كبير على ما كان يومًا «علاقة متينة».
إحدى نقاط الخلاف الرئيسية كانت حول كيفية قمع الإسلام السياسي في أنحاء المنطقة والترويج لحكم عسكري أقوى، وهو سمة من سمات أجندة السيسي وابن زايد في عام 2016، وفقًا لمصادر دبلوماسية ورسمية. بينما كان كلا البلدين يبحثان عن طرق لمواجهة الدعم السخي الذي تقدمه قطر وتركيا للحركات الإسلامية في المنطقة، اختلفت الإمارات ومصر بشكل كبير في مقاربتهما ورغبتهما في التدخل.
جاءت ذروة تحالف مصر المناهض للإسلاميين مع الإمارات العربية المتحدة في عام 2013، عندما لعبت الإمارات دورًا مركزيًا في تقديم الدعم الدبلوماسي لتحرك القوات المسلحة المصرية، وعلى رأسها السيسي، وزير الدفاع وقتها، للإطاحة بمرسي من منصبه على خلفية الاحتجاجات الشعبية، وسحق تجربة مصر الديمقراطية مع الإسلام السياسي. كان القضاء على حكم الإسلام السياسي في مصر، وفقًا لمصدر سياسي إماراتي مطّلع، «أولوية قصوى» في ذلك الوقت.
«لم يكن بإمكاننا السماح لهم ببسط حكمهم في جميع أنحاء العالم العربي، لأن مسألة تأثرنا بذلك كانت ببساطة مسألة وقت»، يقول المصدر، مضيفًا أن أجهزة الأمن الإماراتية رصدت «محاولات إسلاميين في مصر للتواصل مع الإسلاميين في بلادنا بقصد إثارة القلاقل».
«… تعتبر أبو ظبي نفسها الآن قائدًا إقليميًا إلى حد ما. بغض النظر عن مدى واقعية ذلك، يشعر ولي العهد محمد بن زايد وفريقه بالمسؤولية عن مناطق بأكملها في إفريقيا والشرق الأوسط. هذا ليس صحيحًا من منظور أمني تقليدي، ولكن من منظور فكري»
«يد المساعدة» الإماراتية لصد القوى الإسلامية السياسية لم تمتد فقط إلى «القوى ذات الرؤى المتشابهة» في مصر فقط، ولكن أيضًا في العديد من البلدان العربية، حتى على حساب العلاقات الوثيقة مع السعودية، أقرب حليف للإمارات، والزعيم الإقليمي التقليدي.
يتحدث دبلوماسيون غربيون وعرب عن المقاومة التي أبدتها الإمارات للضغط السعودي في واشنطن وفي باريس للإطاحة السريعة بالرئيس السوري بشار الأسد وقتما كان يتخذ الخطوات الأولية التي من شأنها أن تقود البلاد إلى حرب أهلية. كما أشاروا كذلك إلى دور الإمارات في إحباط كل المحاولات السعودية لتأسيس تحالف سني إسلامي في اليمن لتولي زمام الأمور في أعقاب الإطاحة بالرئيس علي عبد الله صالح في الأشهر الأولى من الربيع العربي.
كانت الإمارات مثل السعودية، وفقًا للمصدر الإماراتي، معارضة تمامًا للربيع العربي، لكنها عارضت ظهور الإسلام السياسي في أي مكان في المنطقة العربية بنفس القدر، أكثر بكثير من السعوديين.
بالنسبة إلى الباحث المهتم بشؤون شمال إفريقيا في «المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية»، جلال حرشاوي، كان الربيع العربي هو الذي منح الأجندة الإماراتية، المناهضة بشدة للديمقراطية، ذلك التوجه الإقليمي.
«في يناير 2011، صدم قرار الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، بعدم إنقاذ […] حسني مبارك، الإماراتيين. أدت تلك اللحظة المؤلمة، التي أخذت الإمارات على حين غرة وأصابتها بخيبة أمل، إلى استنتاج لا رجعة فيه مفاده أن واشنطن كانت بطبيعتها غير قادرة على القيادة»، يقول حرشاوي، «وبسبب هذا الفراغ الملحوظ، تعتبر أبو ظبي نفسها الآن قائدًا إقليميًا إلى حد ما. بغض النظر عن مدى واقعية ذلك، يشعر ولي العهد محمد بن زايد وفريقه بالمسؤولية عن مناطق بأكملها في إفريقيا والشرق الأوسط. هذا ليس صحيحًا من منظور أمني تقليدي، ولكن من منظور فكري».
بعد فترة وجيزة من تنصيب ترامب، اتخذت الإمارات واحدة من أكثر خطواتها راديكالية في هذا الدور القيادي. إلى جانب مصر والمملكة العربية السعودية والبحرين، بدأت الإمارات مقاطعة وحصار قطر في صيف عام 2017، في خطوة سياسية غير مسبوقة أدت إلى تقسيم الوحدة الهشة لمجلس التعاون الخليجي.
لم يكن هناك شيء جديد في قاموس دول مجلس التعاون الخليجي حول الصدع في العلاقات القطرية السعودية، والذي بدأ في مطلع الألفية الجديدة بعدما زادت شهية الدوحة للقيام بدور سياسي يتجاوز الدور السعودي الرائد تقليديًا في المنطقة. ارتباط الدوحة بطهران ودعمها لحزب الله في لبنان، الذي عارضته الرياض، وللإخوان المسلمين في مصر، أدى إلى توتر العلاقات بين قطر والسعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى.
ومع ذلك، كان من الجديد بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي أن تقف الإمارات ضد قطر. «كانت الإمارات تتخذ موقفًا أكثر عدوانية لأنها كانت تقترح نوعًا من المواجهة المباشرة مع قطر»، وفقًا لدبلوماسي مطلع من اللجنة الرباعية العربية المناهضة لقطر.
كما «حاولت الإمارات دعم معارضة [الرئيس التركي رجب طيب] أردوغان، لكن أردوغان نجا من الهجوم»، بحسب سفير أوروبي سابق في أبو ظبي. «كانت الإمارات على استعداد للمحاولة مرة أخرى مع قطر، لكنني أعتقد أنها لم تتلق دعمًا مباشرًا من مصر في هذا الشأن» يقول السفير.
وفقًا لمسؤولين مصريين مطلعين، كانت مصر سترحب بالتأكيد بتغيير النظام الحاكم في قطر، لكنها لم تكن مستعدة تمامًا للتدخل من أجل دعم مواجهة عدوانية أو عسكرية محتملة بين دولتين عربيتين. «أو على الأقل لم يوافق الجميع في القاهرة على هذا الخط لأنه لم يكن من الواضح ما الذي يمكن أن يؤدي إليه إذا بدأ»، يقول أحد المسؤولين.
كبار المسؤولين في أبو ظبي نقلوا «رسالة واضحة إلى القاهرة مفادها أن هناك حدودًا للدعم المالي»
في تلك المرحلة، أبدى البعض داخل دوائر صنع القرار في القاهرة قلقًا بشأن رغبة أبو ظبي المتزايدة في تبني سياسات تدخل عدوانية.
رغم ذلك، ظل التعاون بين البلدين متينًا. اتخذت القاهرة وأبو ظبي الموقف ذاته فيما يتعلق بليبيا وتونس وسوريا. كلاهما كان يدعم إنشاء قاعدة عسكرية قوية في شرق ليبيا لوضع حد لتوسع نفوذ الإسلاميين، فضلًا عن دعم القوى السياسية الليبرالية والعلمانية في تونس، والتي كانتا تضغطان على الدول الأوروبية لدعمها، كما أعادتا الاتصال بنظام الأسد.
فضلًا عن كل هذا، وفقًا لمسؤولي القاهرة، كانت هناك كيمياء جيدة على مستوى القيادة.
ومع ذلك، فإن هذه الكيمياء لم تُترجم إلى دعم مالي إماراتي كما كانت مصر تأمل. يُقر المسؤول الإماراتي أن كبار المسؤولين في أبو ظبي نقلوا «رسالة واضحة إلى القاهرة مفادها أن هناك حدودًا للدعم المالي».
تجددت مخاوف القاهرة مرة أخرى في الأشهر الأخيرة من عام 2018 عندما طُرحت خطة هجوم على طرابلس من قبل حفتر.
بينما كانت ليبيا ساحة للصراع ضد الإسلام السياسي، كانت مصر قلقة منذ فترة طويلة من أن زيادة عدم الاستقرار في جارتها الغربية، التي تشترك معها في حدود طويلة وسهلة الاختراق، يمكن أن تشكل تهديدًا محتملاً لأمنها.
بالنسبة للإمارات، لم تكن مخاوف مصر بشأن عدم الاستقرار في ليبيا بنفس الأهمية، بحسب حرشاوي، الذي يجادل بأن أبو ظبي «تركز على المخاطر الفكرية بدلًا من المخاطر الأمنية التقليدية».
«بسبب طبيعة الوضع ليبيا، تشعر أبو ظبي أنه لا يمكن قبول نمط حكم في طرابلس تسمح تعدديته بدرجة من التأثير للإسلام السياسي، سواء كان متطرفًا أو معتدلًا. في ليبيا، إذا سُمح لأي نوع من الترتيبات التعددية بالوجود والازدهار في سياق عملية السلام، سيبعث هذا برسالة فكرية إلى البلدان الأخرى ذات الأغلبية السنية في المنطقة، ويولد تأثير الدومينو عبر النصف الشمالي من إفريقيا. ويمكن أن تنتشر هذه العدوى بعد ذلك إلى شبه الجزيرة العربية، حيث أسلوب الحكم السائد رأسيًا وصارمًا. أي شيء أكثر مرونة من شأنه أن يعرض ترتيب الحكم الحالي للخطر»، يقول حرشاوي.
ولتحقيق هذه الغاية، قدمت الإمارات دعمًا كبيرًا لحملة حفتر. وفقًا لتقرير عام 2020 الصادر عن لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة، المكلفة بمراقبة حظر الأسلحة في ليبيا، فإن عمليات نقل أسلحة إماراتية إلى البلاد منذ يناير كانت «واسعة النطاق وصارخة، مع تجاهل تام لتدابير العقوبات». في الفترة الممتدة من بدء الهجوم على طرابلس في أبريل 2019 حتى يناير 2020، وجدت الأمم المتحدة أن «الجيش الوطني الليبي»، الذي لا يدعي امتلاك أي طائرات بدون طيار في سلاحه الجوي والقوات التابعة له، «نفذ حوالي 850 غارة جوية دقيقة بطائرات بدون طيار، و170 غارة أخرى شنتها قاذفات قنابل، من بينها حوالي 60 ضربة جوية دقيقة لطائرات مقاتلة أجنبية». تورطت الإمارات في هجمات الطائرات المسيرة على طرابلس والتي أسفرت عن خسائر كبيرة في صفوف المدنيين.
حينها، أوضح مسؤول دبلوماسي مصري لـ«مدى مصر» أن حفتر تهرب من المسؤولين المصريين، بينما استمر في التشاور مباشرة مع مسؤولين إماراتيين.
أضاف المسؤول أن مصر كانت مستاءة بشكل خاص من حفتر بشأن ما اعتبرته «عدم التزام بالتعاون السياسي والأمني بين ليبيا ومصر». وامتدت الاختلافات في الاستراتيجية كذلك إلى موقف الإمارات من هذه القضية.
وفقًا للعديد من المسؤولين المصريين، ثبت أن ما قالته مصر كان صحيحًا في النهاية: كانت هناك مبالغة في تقدير قدرة حفتر على السيطرة على طرابلس على الرغم من دعم الإمارات ومصر والأردن وروسيا، ما دفع حكومة الوفاق الوطني إلى السعي للحصول على دعم خارجي من تركيا.
ومن أجل الحفاظ على مصالحها الأمنية، علمت مصر أن عليها تقديم تنازلات في غرب ليبيا. في حديثه، بعد وقت قصير من انهيار حملة حفتر التي استمرت 14 شهرًا للسيطرة على طرابلس، اعتبر مسؤول مصري أنه «لو لم يخسر حفتر هذه المغامرة العسكرية، لما اضطررنا إلى الذهاب بعيدًا في المحادثات مع الإسلاميين».
إلى جانب ليبيا، كان التوصل إلى تسوية لاحتلال إسرائيل لفلسطين هدفًا رئيسيًا آخر لأجندة مصر والإمارات للسياسة الخارجية المشتركة. وفقًا لعدة مصادر دبلوماسية، من بينهم مسؤول أمريكي سابق، تم إطلاع ابن زايد على رؤية ترامب بشأن «تسوية سلمية» في الشرق الأوسط قبل وصول ترامب فعليًا إلى المكتب البيضاوي. «ومن وجهة نظر واقعية للغاية، وافق بن زايد»، يقول المسؤول الأمريكي السابق.
في أغسطس الماضي، بدأت الإمارات رسميًا تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وتحركت للضغط على دول عربية أخرى لتحذو حذوها كجزء من إعادة تشكيل كبرى للعلاقات في الشرق الأوسط. ومع ذلك، لم يتم إخطار السيسي بالخطوة الإماراتية -التي أعلن عنها البيت الأبيض- إلا قبلها بأيام قليلة، وفقًا لدبلوماسيين مصريين.
راقبت مصر بقلق ما تمارسه الإمارات من ضغط على الولايات المتحدة لحمل السعودية على الموافقة ضمنيًا على اتفاق البحرين لتطبيع العلاقات مع إسرائيل كذلك، وفقًا للعديد من المسؤولين المصريين.
المغرب ليست آخر دولة تدفعها الإمارات نحو التطبيع
كما طالت الجهود الإماراتية المغرب العربي. وفقًا لدبلوماسيين أوروبيين مطلعين، فإن قرار الإمارات بفتح قنصلية في المنطقة الصحراوية بالعيون، أكبر مدينة في إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه، في بداية نوفمبر كان جزءًا من «مخطط تحفيزي» تعرضه أبو ظبي على العاصمة المغربية الرباط لكي تمضي قدمًا في التطبيع الدبلوماسي الذي أُعلن عنه ديسمبر الجاري.
أصبحت القنصلية الإماراتية هي القنصلية السادسة عشر في مدينة العيون. ويتوافق تدشينها مع السياسة الخارجية الإماراتية طويلة الأمد التي تعترف بأن الصحراء الغربية تخضع للسيادة المغربية. كما أعلنت الأردن ومصر اعتزامهما اتخاذ نفس الخطوة قريبًا.
وبعد الاتفاق، ستشجع الإمارات دولًا أخرى، وخاصة دول مجلس الخليج العربي التي تعترف بالصحراء الغربية كأرض مغربية، لفتح قنصليات في العيون.
«كان من المهم للغاية بالنسبة للمغرب أن يحصل على مزيد من الاعتراف بسيادته على الصحراء الغربية»، قال مسؤول حكومي مصري مطلع، بعد اندلاع الأعمال العدائية في الصحراء الغربية في نوفمبر الماضي، الأمر الذي أدى إلى انهيار وقف إطلاق نار مدته ثلاثة عقود، وهدد بصراع عسكري شامل بين المغرب و«جبهة البوليساريو» المؤيدة للاستقلال.
المغرب ليست آخر دولة تدفعها الإمارات نحو التطبيع. وفقًا لباحث مقيم في القاهرة على دراية بصناع القرار في السياسة الخارجية الإماراتية، فإن أبو ظبي تعمل أيضًا على موريتانيا.
يقول كذلك إن الإمارات «تعهدت بالفعل باستثمارات ضخمة، بشكل أساسي في صناعات الغاز والنفط والتعدين، في المغرب وموريتانيا -نتحدث عن حزمتين تبلغ كل منهما بضعة مليارات من الدولارات».
العقبات القائمة تظل في تونس والجزائر. «من الواضح أن تونس توقفت الآن لأن الرئيس التونسي لا يوافق على فكرة التطبيع، على الأقل حتى الآن»، يقول الباحث. لكن فيما يخص الجزائر، وبحسب المسؤول الحكومي المصري، فإنه على الرغم من موقفها المناهض للتطبيع، إلا أن ابن زايد يمتلك علاقات داخل الطبقة العسكرية الجزائرية القوية.
تسبب النشاط الإماراتي فيما يتعلق بالتطبيع في المنطقة في توتر علاقة أبو ظبي بالقاهرة. يمكن ملاحظة أعراض هذا التوتر في امتناع مصر عن إرسال وزير خارجيتها لحضور توقيع اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والإمارات والبحرين في البيت الأبيض.
كما يمكن ملاحظته كذلك، بحسب العديد من المصادر الرسمية والسياسية، فيما حدث مع رجل الأعمال المصري، صلاح دياب، الذي تربطه علاقات عائلية وثيقة بالسفير الإماراتي القوي في واشنطن، يوسف العتيبة، والذي ألقت قوات الأمن القبض عليه في الأول من سبتمبر الماضي.
تحاول مصر إيجاد مساحة صغيرة من الأرضية المشتركة والأهمية بالنسبة للولايات المتحدة من خلال محاولة إعادة تأكيد نفسها كوسيط إقليمي رئيسي في عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية
وبحسب مصدر مطلع، استغرق إطلاق سراح دياب أسبوعين كاملين على الرغم من النداء العاجل من كبار المسؤولين الإماراتيين، بعد تبرئته من تهم الفساد المزعومة. وكان دياب قد أعُتقل قبل سنوات بتهم فساد، لكن أُطلق سراحه وقتها في أقل من 48 ساعة بعد مكالمة هاتفية من العتيبة.
وفي هذا العام أيضًا، أجبرت السلطات المصرية «دياب» على التنازل عن جزء من حصته في مشروع تنموي ضخم، وتقليص عمل صحيفة «المصري اليوم» المستقلة بشكل كبير، والبدء في الإعداد لاتفاق يقضي بتنازله عن الصحيفة لإحدى الشركات الإعلامية المملوكة للدولة.
أحد مصادر القلق الرئيسية للقاهرة هو اقتناعها بأن الإمارات تحاول تقديم نفسها كقوة رائدة في تعزيز التطبيع مع إسرائيل، وهي خطوة يمكن أن تقلل بشدة من دور مصر التاريخي كوسيط رئيسي في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وفيما يعرف بـ«عملية السلام»، بحسب مسؤول مصري.
نفوذ مصر المتضائل في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني يضاعف القلق المصري هذه الأيام بسبب افتقارها إلى نقاط أهمية استراتيجية أخرى لدى الإدارة الأمريكية القادمة للرئيس المنتخب، جو بايدن، بحسب المسؤول المصري.
وفي حين أن هناك آراء متضاربة بين المسؤولين المصريين حول ما إذا كانت مصر والسعودية والإمارات ستجتمع معًا للتغلب على العقبات المتصورة التي فرضها فوز بايدن في نوفمبر، فإن سعي الإماراتيين المستمر للتطبيع في المنطقة يعكس طموح أبو ظبي في ترسيخ مكانتها كلاعب رئيسي في المنطقة.
«[ابن زايد] استثمر الكثير في هذا الأمر، وكان يفضّل مواصلة العمل مع ترامب، لكنه سيحاول العمل على استمرار التطبيع مع بايدن كمكافأة مربحة للجانبين تجعل الإدارة الأمريكية الجديدة تبدو حريصة على تعزيز اندماج إسرائيل مثل الإدارة السابقة. تقدم الإمارات نفسها كشريك استراتيجي للولايات المتحدة على أساس أن عملها لتعزيز التطبيع هو استثمار في واشنطن وليس مجرد استثمار في إدارة ترامب، وهو ما يمنح [رئيس الوزراء الإسرائيلي] بنيامين نتنياهو فرصة لتحقيق المزيد من المكاسب السياسية التي يمكن أن تنقذه سياسيًا»، يقول المسؤول.
خارج ملف التطبيع، قد تحاول الإمارات دفع نقاط أخرى للتعاون مع إدارة «بايدن» القادمة. التراجع عن موقفها العدائي تجاه قطر، وعن دعمها لحفتر في ليبيا، وعن معارضة دعوات الديمقراطية في تونس قد تكون على قائمة التنازلات التي قد تضطر أبو ظبي للقيام بها في الأشهر المقبلة لبدء علاقات جديدة مع إدارة بايدن، بحسب دبلوماسي في واشنطن. وتتفق المصادر على أن الشيء الوحيد الذي يمكن أن تحصل عليه أبو ظبي من إدارة بايدن الجديدة هو العمل مع الرياض على تأمين إنهاء سريع للحرب في اليمن، حتى إذا كان هذا الإنهاء يعني تقسيم اليمن إلى يمنين، شمالي وجنوبي.
ومع ذلك، تحاول مصر إيجاد مساحة صغيرة من الأرضية المشتركة والأهمية بالنسبة للولايات المتحدة من خلال محاولة إعادة تأكيد نفسها كوسيط إقليمي رئيسي في عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية.
مصادر دبلوماسية مصرية وأوروبية قالت لـ«مدى مصر» الأسبوع الماضي إن مصر تتطلع إلى إطلاق مفاوضات متوقفة حول حل الدولتين من خلال الجمع بين وزراء خارجية فرنسا والأردن وألمانيا مع نظيريهم في إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
المتحدث باسم الرئاسة المصرية، بسام راضي، كشف عن جزء من الخطة في نهاية الأسبوع الماضي عندما أخبر الصحافة أن مسؤولين فرنسيين ومصريين سيجرون مشاورات مع مسؤولي السلطة الفلسطينية هذا الأسبوع.
وعلى الرغم من وجود خطط من أجل الإعداد للاجتماع منذ أشهر، قال عدد من المصادر الدبلوماسية الغربية العاملة في القاهرة لـ«مدى مصر» إن مصر تكثف جهودها لإحياء المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بناءً على استعداد السلطة الفلسطينية لإعادة الانخراط، في محاولة لتأكيد القاهرة على دورها كوسيط إقليمي رئيسي فيما يسمى بعملية السلام.
وفقًا للمصادر، فإن الاجتماع سيُعقد قبل 25 ديسمبر الجاري، تعقبه زيارة رسمية من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى القاهرة، حيث سيعقد مباحثات مع السيسي بشأن إعادة انطلاق المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية. أخبر المسؤول المصري «مدى مصر» أن الموعد الدقيق لزيارة نتنياهو لم يُحدد بعد. وعلى الرغم من زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي للقاهرة ثلاث مرات في السنوات الخمس الماضية، إلا أن أي منها لم يعلن عنه رسميًا.
ومن المحتمل أن يعقد وزراء خارجية مصر والأردن وألمانيا وفرنسا محادثات أولية، تليها اجتماعات منفصلة مع نظيريهم الفلسطيني والإسرائيلي.
من جانبه، أعرب الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، عن دعمه المبدئي لبدء محادثات غير مباشرة مع إسرائيل خلال لقاء مع السيسي في القاهرة قبل أسبوعين، بحسب المصدر المصري.
ومع ذلك، فإن قلق مصر بشأن التقدم الذي حققته اتفاقيات التطبيع الإماراتية لا يقتصر على الدورة الانتخابية الأمريكية. مصر قلقة بشكل خاص من أن يؤدي التقارب الإماراتي-الإسرائيلي إلى تعاون البلدين في قضايا تهم مصر، من بينها السودان والقرن الإفريقي والبحر الأحمر.
أصبحت الإمارات وسيطًا رئيسيًا، ومهندسًا أساسيًا للترتيب الأمني في البحر الأحمر، الذي يشهد منافسة قوية، مع وجود قاعدة إماراتية في إريتريا جنبًا إلى جنب مع قواعد أخرى في بربرة بوساسو على أرض الصومال
بعد الاتفاق الذي توسطت فيه الولايات المتحدة بين السودان وإسرائيل لبدء تطبيع العلاقات، أخبر مصدر مصري مطلع «مدى مصر» أن «هناك قلقًا معينًا داخل بعض دوائر السلطة في القاهرة بشأن تلك التطورات»، حيث سيسمح التقارب مع السودان لإسرائيل إنشاء منظمات إغاثة في جميع أنحاء السودان، ما يمنحها نفوذًا كبيرًا في البلاد. وأضاف المصدر أن هناك مخاوف أيضًا من تنفيذ إسرائيل لمشروعات كثيفة المياه في السودان كما فعلت في إثيوبيا.
وفقًا لمسؤولين حكوميين في القاهرة، أقامت الإمارات وإسرائيل تعاونًا أمنيًا مخططًا في إثيوبيا والصومال، الأمر الذي تخشى مصر من أن يجلب المزيد من عناصر الاستخبارات الإسرائيلية إلى المنطقة. وأشارت المصادر نفسها كذلك إلى وجود خطة إماراتية إسرائيلية لحفر قناة مائية من أقصى شمال البحر الأحمر في إيلات إلى ميناء حيفا. سيتم الوصول إلى القناة عبر خليج العقبة ومضيق تيران. إذا كانت الخطة ستؤتي ثمارها، فسيكون ذلك بمثابة ضربة كبيرة لقناة السويس، خاصة بالنظر إلى الاستثمار الكبير الذي وضعته في حفر قناة السويس الجديدة.
اكتشفت مصر أيضًا أن الإمارات غير مهتمة بواحدة من مخاوفها الأمنية الرئيسية في المنطقة، حيث كانت أبو ظبي غير راغبة في ممارسة الضغط الذي تريده القاهرة على إثيوبيا من أجل تسهيل تسوية سياسية وقانونية بشأن بناء وملء وتشغيل سد النهضة الإثيوبي الكبير.
يقول العديد من المسؤولين المصريين المطلعين إنهم «فزعوا» من رفض الإمارات لاستخدام نفوذها المالي، نظرًا لاستثماراتها الضخمة في إثيوبيا، لدفع أديس أبابا إلى أن تكون أكثر تعاونًا في التوصل إلى اتفاق بشأن سد النهضة، حيث كانت مصر قد أصبحت قلقة بشكل متزايد بشأن حصتها السنوية من مياه النيل.
التزمت الإمارات بمبلغ ثلاثة مليارات دولار في الاستثمار والدعم لإثيوبيا، من بينها وديعة بقيمة مليار دولار لدى البنك الوطني لإثيوبيا للمساعدة في تحسين الوصول إلى العملة الصعبة. كما تعهدت ببناء مشروع عقاري فاخر بقيمة ملياري دولار في عام 2018 حول موقع محطة قطار «لاجار» القديمة في وسط أديس أبابا.
أدى اندلاع النزاع المسلح في ولاية تيجراي الإثيوبية الشهر الماضي بين الجيش الإثيوبي وجبهة تحرير تيجراي الشعبية، القوة المهيمنة في السياسة الإثيوبية بين عامي 1991-2018 عندما تولى رئيس الوزراء، آبي أحمد، السلطة، إلى تعميق الخلافات طويلة الأمد بين الإمارات ومصر. إذ تدعم كل منهما طرفًا من الأطراف المتعارضة.
أكدت منصة الاستقصاء المفتوحة المصدر «بيلنجكات»، وجود طائرات بدون طيار صينية الصنع في القاعدة العسكرية الإماراتية في مدينة عصب الإريترية. ووفقًا لثلاثة مسؤولين مصريين ودبلوماسي أوروبي مطلع على شؤون القرن الإفريقي، استخدمت الإمارات القاعدة لإطلاق طائرات مُسيرة شنت هجمات ضد تيجراي، مع تقديم الدعم عبر الحدود للجيش الإثيوبي.
في تلك الأثناء، حاولت مصر الضغط بقوة على السودان لتقديم الدعم لجبهة تحرير تيجراي في أثيوبيا، وفقًا للمسؤولين المصريين، في محاولة واضحة لإضعاف آبي أحمد بشكل أكبر، بعد أن وصلت المفاوضات مع حكومته بشأن السد إلى طريق مسدود، رغم الضغط الذي واجهته القاهرة من إريتريا للامتناع عن هذا، حليف مصر التقليدي.
تزايدت مخاوف مصر بنفس القدر من ضغط الإمارات على إريتريا لدعم آبي أحمد، وفقًا للمصادر نفسها. في حين أن مدى تورط الإريتريين غير معروف، زعمت جبهة تحرير تيجراي أنها شاهدت جنود إريتريين يقاتلون في تيجراي. وقال دبلوماسي أجنبي لوكالة أنباء «رويترز» إن هناك «آلاف» الجنود الإريتريين الذين يُعتقد أنهم متورطون في تيجراي.
بالنسبة لمصر، يشير المأزق طويل الأمد مع إثيوبيا إلى مشكلة أكبر -افتقارها النسبي إلى التأثير في القرن الإفريقي والبحر الأحمر، وهي منطقة تعتبرها ساحتها الخلفية لإدارة الموارد المحتملة على طول نهر النيل وأعمالها التجارية في الممر البحري المؤدي إلى قناة السويس. ووفقًا لمسؤولين مطلعين، غالبًا ما وجدت مصر نفسها تتساءل عن أسباب خطط الإمارات للتواجد على نحو موسع عبر البحر الأحمر حتى نقطة مضيق باب المندب.
أصبحت الإمارات وسيطًا رئيسيًا، ومهندسًا أساسيًا للترتيب الأمني في البحر الأحمر، الذي يشهد منافسة قوية، مع وجود قاعدة إماراتية في إريتريا جنبًا إلى جنب مع قواعد أخرى في بربرة بوساسو على أرض الصومال، إضافة إلى العديد من الموانئ الساحلية في اليمن، حيث قاتلت في التحالف الذي تقوده السعودية منذ 2015.
وفي المناطق التي لا تمتلك فيها قاعدة عسكرية، أبدت أبو ظبي استعدادها لتيسير الحصول على مقاعد على طاولة الترتيبات الأمنية في البحر الأحمر لدول أخرى.
في السودان، حوّلت الإمارات مساعيها الدبلوماسية من إطلاق عملية تطبيع هشة مع إسرائيل إلى وساطة بين الخرطوم وموسكو لإنشاء قاعدة بحرية روسية في بورتسودان، بحسب مسؤول مصري.
«امتلأت منطقة شرق إفريقيا بقواعد عسكرية لدول من خارج المنطقة»، يقول مسؤول مصري، معربًا عن استياء مصر من مشاركة الإمارات في القاعدة الروسية.
لم يمنع هذا مصر من محاولة وضع بصمتها العسكرية في المنطقة. في الاجتماعات الأخيرة، رفيعة المستوى، مع مسؤولين من إريتريا وجنوب السودان، واصلت مصر محاولة تأمين وجود من نوع ما في القرن، وفقًا لمسؤولين مصريين. ومع ذلك، لا توجد ترتيبات وشيكة، كما رفض جنوب السودان طلبات مصر لبناء قاعدة على أراضيه.
ما يعقد الأمور بالنسبة لرغبة مصر في نفوذ أكبر في البحر الأحمر، هو فقدان جزيرتي تيران وصنافير، اللتين تنازلت عن سيادتها عليهما للمملكة العربية السعودية في عام 2016. كانت الجزيرتان الواقعتان عند مصب خليج العقبة نقطة تنسيق مهمة لأمن البحر الأحمر، ومكنتا مصر من لعب دور رائد في إدارة الترتيبات الأمنية في مضيق تيران مع إسرائيل وفقًا لشروط اتفاقية كامب ديفيد لعام 1979.
لكن قد تجد مصر والسعودية أرضية مشتركة. في نهاية نوفمبر الماضي، صادق السيسي على ميثاق مجلس البحر الأحمر الذي وقع عليه وزراء خارجية جيبوتي ومصر وإريتريا والأردن والسعودية والصومال والسودان واليمن في يناير 2020.
وبحسب مسؤول مطلع، تحركت مصر للمصادقة على عضويتها في المجلس من أجل منحها منصة للإدلاء ببيانات حول أمن البحر الأحمر بعيدًا عن إسرائيل والإمارات، وكليهما إلى جانب إثيوبيا، ليسا عضوين بالمجلس في الوقت الراهن.
مع ذلك، يرى حرشاوي أن سلسلة الخلافات قد لا تعني أن الإمارات ومصر ستصلان إلى حد القطيعة التامة.
«على مستوى السياسة الخارجية، الإمارات ليست محبطة حقًا: إنها ليست بهذه السذاجة، فهي تعلم أن مصر عملاق ناعم، وإن اختل وظيفيًا»، يقول حرشاوي. «على الرغم من النمو السكاني المستمر، والتفاوت الاقتصادي الكبير ونقاط الضعف الهيكلية الأخرى، تظل مصر الدولة العربية الأكثر نفوذًا من منظور شعبي عام. لم تعد الدولة ما كانت عليه قبل 40 أو 50 عامًا، لكنها لا تزال تحتفظ بشخصية رائدة. التوقع الإماراتي الجاد والوحيد فيما يتعلق بالحكومة المصرية الحالية هو أنها ستظل شديدة السلطوية فيما يتعلق بالسياسة الداخلية».
رغم هذا، وفي قلب مؤسسات الحكم في القاهرة، يتصاعد قلق من أن هذه الجرعة الزائدة من السلطوية، والتي صُممت لإسكات كل أشكال المعارضة السياسية، إسلامية أو غيرها، قد تؤدي لانفجار على المدى الطويل، بحسب مصادر رسمية مقربة من دوائر صنع القرار في مصر، خصوصًا مع المخاطر الاقتصادية المرتفعة بسبب الدين الأجنبي، وغياب السخاء الإماراتي والسعودي الذي كان موجودًا في 2013-2014.