عام على رئاسة روحاني...حصيلة مخيّبة لآمال الإيرانيين
قبل عام، عندما فاز رجل الدين الإيراني المعتدل حسن روحاني، في الانتخابات الرئاسية مباشرة من الجولة الأولى، كان الكثيرون في إيران وكذلك في الغرب يأملون في أن يؤدّي فوزه إلى إعادة توجهات السياسة الإيرانية. فقد أحدث سلفه، محمود أحمدي نجاد، انقسامًا داخليًا في البلاد وعزلها دوليًا، وذلك من خلال لغته المتطرِّفة وآرائه الغريبة حول الإسلام وسياساته الاقتصادية المتقلبة. وفي ظل هذه الأسباب، تمكّن روحاني --بوعده الناخبين اتّباع سياسة معتدلة- من جمع الإصلاحيين والمعتدلين خلفه والفوز مباشرة بنسبة 51 في المئة من الأصوات.
وبعد مرور عام على فوزه في الانتخابات، حقَّق روحاني من ناحية أكثر بكثير مما كان يتجرّأ على الأمل فيه حتى المتفائلون، بيد أنَّه من ناحية أخرى خيَّب أيضًا بعض آمال ناخبيه. ومع ذلك لا بد من الإشارة أولاً إلى جانب إيجابي يكمن في تمكّن روحاني من التوصّل في الواقع وبعد عدة أعوام من انعدام الثقة إلى تقارب مع الغرب، وقف تجاهه المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، آية الله علي خامنئي، موقفًا متسامحًا؛ وتتوّج في شهر أيلول/ سبتمبر 2013، خلال زيارة روحاني للجمعية العامة للأمم المتَّحدة، بمكالمة هاتفية تاريخية مع الرئيس الأمريكي باراك أوباما.
دينامية جديدة في مفاوضات البرنامج النووي
أضف إلى ذلك أيضًا أنَّ روحاني قد تمكَّن من إعطاء المحادثات المتعثّرة حول البرنامج النووي الإيراني زخماً جديداً. فبعد ثلاث جولات فقط من المحادثات نجح وزير خارجيته المحنّك، محمد جواد ظريف، في التفاوض في جنيف في نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر 2013 مع مجموعة الدول الخمس الدائمة العضوية في هيئة الأمم المتَّحدة وألمانيا على اتفاقية مرحلية، سيتم من خلالها في البداية خلال ستة أشهر خفض العقوبات المالية والاقتصادية المفروضة على إيران نتيجة النزاع حول برنامجها النووي، مقابل موافقة إيران على ضوابط وعمليات رقابة مشدّدة وتجميد تخصيب اليورانيوم.
حتى وإن لم تحقّق الجولة الأخيرة من المفاوضات في شهر أيَّار/ مايو 2014 أية تقدّمات، فقد ظهر أنَّ جميع المشاركين -وعلى الرغم من بعض الانتقادات الشديدة داخل صفوف الإيرانين- لا يزالون مصمّمين على التفاوض، كما هو مخطط له، على اتفاق طويل الأجل حتى نهاية شهر تموز/ يوليو 2014. فعلى سبيل المثال لقد شدَّد روحاني مؤخرًا على أنَّ إيران سوف "تبذل قصارى جهدها من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي". ومن أجل التغلب على الاختلافات، تم في الوقت نفسه تنظيم سلسلة من المحادثات الثنائية. وكذلك لقد كان على وجه الخصوص الاجتماع بين طهران وواشنطن في الـ9 والـ10 من شهر حزيران/ يونيو 2014 في جنيف اجتماعًا بجودة تاريخية.
لا وجود لأية إصلاحات جوهرية
وفي حين أنَّ روحاني سجّل نجاحات مهمة في السياسة الخارجية، لا يزال سجله في السياسة الداخلية أقل لمعانًا. ففي أثناء حملته الانتخابية ضمن لنفسه، من خلال قبوله بعض المطالب مثل تعزيز حرية الصحافة وحقوق المرأة، الحصول على دعم معسكر الإصلاحيين حول الرئيس الأسبق محمد خاتمي، وكذلك تأييد سلفه ذي النفوذ الواسع علي أكبر هاشمي رفسنجاني، وذلك بعد عدم السماح لرفسنجاني بالترشّح للانتخابات. ولكن فجأة ومع وصوله لمنصب الرئاسة، أظهر روحاني بسرعة أنَّ الإصلاحات الجوهرية غير مدرجة على جدول أعماله.
ما من شكّ في أنَّ بعض الأمور في السياسة الإعلامية والثقافية والتعليمية قد تحسّنت من خلال إقالة المحافظين المتشدّدين عما كانت عليه في أثناء ولاية الرئيس محمود أحمدي نجاد، الذي حوّل مفهوم ميليشيا الباسيج الثقافي المتزمّت إلى المثل الأعلى في المجتمع. وبالإضافة إلى ذلك، لقد عبّر روحاني في أكثر من مناسبة عن معارضته على الإطلاق لحظر الصحف والتطبيق الصارم لقواعد اللباس وكذلك معارضتة لتدخّل الدولة في المسائل الأخلاقية والدينية. بيد أنَّه غالبًا ما ترك ذلك ضمن سياق الدعوات المجرّدة أو بالأحرى ضمن سياق الخطوات الرمزية.
فقد تجاهل روحاني دعوات ناخبيه إلى أن يكافئ المصلح محمد رضا عارف بحقيبة وزراية مقابل انسحابه لصالح روحاني من الانتخابات الرئاسية قبل فترة وجيزة من إجرائها، تمامًا مثلما تجاهل الدعوات إلى أن يدافع عن زعيمي "الحركة الخضراء" المسجونين منذ عام 2009، مير حسين موسوي ومهدي كروبي. وبالإضافة إلى ذلك، فقد تورّع الرئيس روحاني عن الدخول في صراع مع المحافظين المتشدّدين في جهاز القضاء والأجهزة الأمنية من أجل الحقوق المدنية.
وطبقًا لذلك لم يتغيّر سوى القليل في مسألة حرية التعبير عن الرأي وحقوق الإنسان: فمنذ تولي روحاني منصب الرئاسة، تم مرارًا وتكرارًا إغلاق العديد من الصحف بسبب مقالات غير مرغوب فيها وكذلك لا تزال تتم ممارسة ضغوطات على الصحفيين الناقدين كما أنَّ الرقابة على الإنترنت لا تزال مستمرة من دون أن تخفت وتيرتها. وعلاوة على ذلك أيضًا، في شهر نيسان/ أبريل 2013، سلطّ قمع الاحتجاجات بعنف في القسم رقم 350 السيء السمعة داخل سجن إيفين في طهران، الضوء على استمرار الوضع الصعب الذي يعاني منه السجناء السياسيون هناك.
وتضاف إلى كلّ هذا وجود موجة من عمليات الإعدام غير المسبوقة والمستمرة منذ بضعة أعوام: ففي العام الماضي، تم بحسب معلومات الأممالمتَّحدة أعدام خمسمئة شخص على الأقل في إيران، في حالات كثيرة بعد محاكمات لا تتطابق مع المعايير الدولية. وفي الكثير من الحالات، كان يتم تبرير أحكام الإعدام هذه بارتكاب جرائم مخدرات، ولكن كثيرًا ما كان هذه المبرّرات كاذبة. وبالإضافة إلى ذلك، لا يزال يتم مرارًا وتكرارًا إعدام السجناء السياسيين، حيث حدثت آخر عملية إعدام من هذا النوع -في بداية شهر حزيران/ يونيو 2014- لرجل بسبب ارتباطاته المزعومة مع مجاهدي خلق.
نجاحات اقتصادية متواضعة
والآن، ما من شكّ في أنَّ العديد من الإيرانيين سيكونون مستعدّين أكثر لتقبّل استمرار انتهاك حقوقهم المدنية، لو كان هناك انفراج في الحياة اليومية. ولكن نجاحات روحاني ضمن هذا السياق لا تزال متواضعة حتى الآن: فعلى الرغم من نجاحه بفضل الاتفاقية المرحلية في الإفراج عن جزء من عائدات النفط الإيرانية المجمَّدة، وكذلك على الرغم من السماح مثلاً ببيع قطع غيار للطائرات إلى إيران؛ ورغم النجاح في إيقاف التراجع الحاد لقيمة العملة الإيرانية منذ توليه منصب الرئاسة، بالإضافة إلى خفض معدّل التضخّم بشكل طفيف، إلاَّ أنَّ معدّل التضخم المالي يبقى -بنسبة تبلغ نحو 35 في المئة- مرتفعًا بالإضافة إلى أنَّ الثقة في الريال الإيراني لا تزال قليلة.
وعلاوة على ذلك، لا يزال الحظر المفروض منذ عامين على النفط الإيراني والقيود المفروضة على المعاملات المالية والتجارية مع إيران، مُشدّدة وسارية المفعول. وحتى في حال التوصّل إلى اتفاق نهائي في النزاع حول البرنامج النووي الإيراني، فإنَّ الأمر سيستغرق عدة أعوام حتى يتم إلغاء هذه العقوبات والقيود بشكل تام. وروحاني يعرف ذلك أيضًا، ولهذا السبب فهو يحاول خفض نفقات الدولة، من خلال إلغاء دعم الدولة عن الكهرباء والوقود والمواد الغذائية الأساسية. ونتيجة لذلك فقد بات يشكو حتى الكثيرون من أعضاء الطبقة الوسطى من كونهم لم يعودوا قادرين على شراء حتى المنتجات المعيارية مثل الدجاج وبعض المواد الغذائية.
ومع ذلك لا يزال بوسع الإيرانيين أن يعقدوا آمالهم على نجاح روحاني في تمهيد الطريق للبلاد، من خلال التوصّل إلى اتفاق نووي دائم، من أجل العودة إلى الأنظمة التجارية والمالية الدولية ونجاحه بالتالي في إعطاء الاقتصاد الإيراني دفعة جديدة. ولكن في المقابل لقد ثبت - مرة أخرى - في الحقيقة أنَّ الأمل في قيام الرئيس بتحرير المجتمع من قبضة جهاز القضاء والأجهزة الأمنية، وعمله من أجل المزيد من حرية التعبير عن الرأي ومشاركة المواطنين وحماية حقوق الإنسان، ليس إلاَّ مجرّد سراب وخيال.
أولريش فون شفيرين
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2014