مستقبل آخر موقع إخباري مصري مستقل في خطر
ضاعفت السلطات المصرية من الضغوط على الصحافيين في موقع "مدى مصر" بعد تقارير انتقدت فيها الحكومة. وتتزايد المخاوف حيال عدم منح الحكومة ترخيصا للموقع، ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى وضع نهاية للصحافة الاستقصائية في مصر.
وفي مقابلة مع دويتشه فيله قالت لينا عطا الله، رئيسة تحرير موقع "مدى مصر"، لقد "كنا نتوقع أن يُحدث التقرير هذا الصدى والتداعيات، لكن هذا لم يدفعنا إلى عدم نشر التقرير طالما الأدلة موثوق فيها بنسبة مئة بالمئة".
ونُشر التقرير في أواخر أغسطس/ آب الفائت 2022، والذي تم فيه تسليط الضوء على "مخالفات مالية خطيرة" ارتكبها أعضاء بارزون في حزب "مستقبل وطن" فيما كان يُفترض أن يخرجوا من المشهد السياسي في البلاد على وقع التقرير.
تجاهل طلبات الترخيص
بيد أن صدى التقرير كان مختلفا، إذ حققت نيابة استئناف القاهرة مع لينا عطا الله وثلاث صحفيات (رنا ممدوح وبيسان كساب وسارة سيف الدين) شاركن في إعداد التقرير، وتم اتهامهن "بنشر أخبار كاذبة من شأنها تكدير السلم العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة والإزعاج باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي وسب وقذف نواب حزب مستقبل وطن في البرلمان".
ورغم الإفراج عن لينا عطا الله بعد دفع كفالة قدرها 20 ألف جنيه مصري أي ما يعادل 1032 دولارا ودفع رنا وبيسان وسارة كفالة قدرها 5000 جنيه أي ما يعادل 258 دولارا لكل منهن، إلا أنه من غير المعروف ما إذا كانت النيابة ستمضي قدما في رفع قضية أمام القضاء المصري.
Authorities in #Egypt must immediately drop all bogus charges against four journalists from Mada Masr, one of the few remaining independent media platforms in the country. https://t.co/i377ChZ3uh
— Amnesty MENA (@AmnestyMENA) September 8, 2022
وعن ذلك قالت لينا عطا الله -وهي صحافية حصلت على العديد من الجوائز- إنها تأمل في أن "يُقدِم القضاء على إسقاط التهم احتراما لعمل الصحافيين المستقلين"، مضيفة أن هذا الأمر سيمثل انتصارا يصب في صالح "المصلحة العامة".
وفي إشارة إلى حزب "مستقبل وطن"، قالت لينا إنه يتعين "معاملة حزب سياسي قوي على أساس أنه كيان عام، لذا يجب أن يكون موضع انتقاد في ضوء هذه الصفة".
بيد أن القلق حيال مصير موقع "مدى مصر" تزايد مع ما ساقته النيابة من اتهام جديد، إذ جرى اتهام لينا عطا الله بإدارة الموقع دون الحصول على ترخيص من السلطات المصرية. وفي هذا السياق، قالت لينا إنها "تقدمت بطلبات للحصول على ترخيص منذ عام 2018، لكن السلطات المختصة تتجاهل هذه الطلبات بشكل مستمر".
وفي حالة عدم تمكنها من الحصول على ترخيص، فإن مستقبل "مدى مصر" سيكون في خطر خاصة في ظل تطبيق "قانون المنظمات غير الحكومية" العام الماضي 2021 والذي ألزم المنظمات الحقوقية وغير الحكومية بضرورة تسجيلها لدى الحكومة، وخضوع عمل ومصادر التمويل للتمحيص من قبل السلطات.
ويحظر القانون التعاون مع "جماعات أجنبية" أو نشر نتائج استطلاعات الرأي دون موافقة حكومية، كما يحظر القيام بأي محاولة قد تمس "الأمن القومي". فيما تضطر المنظمات إلى دفع غرامة تتراوح ما بين 50 ألف ومليون جنيه في حال مخالفة القانون.
وفي مقابلة مع دي دبليو، اعتبرت بولين أديس-ميفيل، الناطقة باسم منظمة "مراسلون بلا حدود"، رفض منح موقع "مدى مصر" الترخيص اللازم لمباشرة العمل، واستجواب الصحفيات "يجسد ما يتعرض له الصحافيون في مصر من ضغوط، فضلا عن نهج الحكومة في تكميم الصحافة بشكل عام".
ويتفق هذا الرأي مع وضع الصحافة في مصر التي احتلت المرتبة الثالثة بين أسوأ الدول الأكثر سجنا للصحافيين في عام 2021 وفقا لمؤشر حرية الصحافة. ويشير مراقبون إلى إغلاق أو حظر قرابة 500 وسيلة إعلامية وموقع إلكتروني في مصر خلال العقد الماضي، فيما حذر تيموثي كالداس - الزميل غير المقيم بمعهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط ومقره واشنطن، من تداعيات ذلك.
وقال في مقابلة مع دويتشه فيله، إن "حملات القمع الجارية ومحاولات إسكات الصحافة المستقلة على مر السنين، قد نجم عنها خلق قدر كبير من الرقابة الذاتية في الصحافة المصرية". وأضاف "الخوف وأشكال الترهيب تعد بمثابة آلية فعالة وغير مكلفة للسيطرة على الصحافة"، مشيرا إلى أنه لم يتفاجأ من قيام "أشخاص داخل النظام بمهاجمة موقع مدى مصر بشكل مستمر، لأنه أحد الكيانات الإعلامية القليلة غير الخاضعة لسيطرة الحكومة فيما فشلت السلطات في إجبار الموقع للدعاية للحكومة كحال معظم وسائل الإعلام المصرية."
استمرار الضغوط
منذ تدشين موقع "مدى مصر" عام 2013، ظل بمثابة شوكة في عين السلطات التي قامت بحظر الوصول إلى الموقع في مايو/ آيار عام 2017. ومنذ ذلك الحين لا يمكن تفصح الموقع إلا عبر الشبكات الافتراضية الخاصّة "في بي إن" وغيرها من مواقع الخوادم الوكيلة (بروكسي).
وعقب نشر تقرير عن نجل الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2019، جرى مداهمة مقر موقع "مدى مصر" واحتجاز فريق العمل لساعات وألقي القبض على أربعة صحافيين جرى الإفراج عنهم لاحقا. وفي عام 2020، تعرضت لينا عطا الله للاعتقال خارج سجن طره بالقاهرة قبل أن تتمكن من إجراء مقابلة مع والدة الناشط السياسي البارز علاء عبد الفتاح.
بدوره، أشاد كالداس بالمثابرة الاستثنائية لصحفيي "مدى مصر" خاصة في ضوء أنهم "نجحوا في رفض الاستسلام (لمحاولات سيطرة الدولة) وتحلوا بالشجاعة. فهم عازمون على العمل الصحفي حتى إذا كان الأمر سيجلب لهم مخاطر".
وأكد أن غلق موقع "مدى مصر" سيكون بمثابة "خسارة فادحة، سواء لمصر أو المجتمع الدولي فيما يتعلق بالوصول إلى معلومات عن البلاد".
ورغم الخطر، فإن لينا عطا الله عازمة على المضي قدما في عملها الصحفي وترفض الاستسلام، مضيفة "نقوم حاليا ببناء استراتيجيتنا للدفاع عن أنفسنا في حالة مثولنا أمام المحكمة".
وأكدت أن هذا الأمر يتزامن مع استمرارها في تقديم طلبات للحصول على ترخيص من السلطات المصرية، مؤكدة في الوقت نفسه على "استمرار عمل الصحافيين داخل الموقع على إعداد تقارير يومية عن الوضع السياسي والأزمة الاقتصادية وغيرها من القضايا المهمة في مصر. نأمل في أن تكون حملة القمع الأخيرة ليست سوى حلقة أخرى في معركتنا من أجل البقاء".
وقد حاولت دي دبليو التواصل مع النيابة العامة في مصر، لكنها لم تتلقَّ أي رد حتى تاريخ نشر هذا التقرير.
جينيفر هوليس
ترجمة: م. ف
حقوق النشر: دويتشه فيله 2022