تحليل المحلل الاقتصادي ميهير شارما: ينبغي على الغرب مساعدة أوكرانيا وترك أموال صندوق النقد الدولي للدول الفقيرة
16 نيسان/أبريل (د ب أ)- يعقد صندوق النقد والبنك الدوليان
حاليا اجتماعات الربيع في ظل حالة من التذمر بين دول الجنوب والتي تشكك
في كفاءة النظام المالي العالمي القائم على وجود مؤسستي التمويل
الدوليتين منذ الحرب العالمية الثانية. وهذا الموقف بمثل مشكلة بالنسبة
للغرب. كما أن جهود مساعدة أوكرانيا جعلت الموقف أكثر سوءا.
وفي تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء قال ميهير شارما وهو زميل كبير
لمؤسسة أوبزرفر ريسيرش فاوندشن بنيودلهي ومؤلف كتاب "إعادة التشغيل:
الفرصة الأخيرة"، إن عدد الدول النامية التي تواجه أزمة ديون سيادية
كبيرة وصل إلى مستوى قياسي بسبب جائحة فيروس كورونا والتضخم الذي أشعله
الغزو الروسي لأوكرانيا في أواخر شباط/فبراير من العام الماضي. لذلك
يجب أن تكون مساعدة هذه الدول على رأس أولويات صندوق النقد والبنك
الدوليين.
ومع ذلك يقول ديفيد مالباس الرئيس المنتهية ولايته للبنك الدولي إن
"عملية إعادة هيكلة الديون لا تتحرك كثيرا، ولم يجر نقاش كاف حول سبل
التحرك نحو خفض الديون إلى مستويات يمكن تحملها".
ودفع بطء وتيرة تحرك المؤسسات الدولية للتعامل مع أزمة الديون الكثير من
الدول إلى التساؤل عما إذ كانت مؤسسات التمويل متعددة الجنسيات فقدت
الرؤية لاحتياجاتها، خاصة عندما تضاف لأسئلة أكبر عما إذا كانت هذه
المؤسسات تتهرب من مهمتها الأصلية بالتركيز على قضايا المناخ.
ومن المستحيل المبالغة في تقدير أهمية كل من صندوق النقد والبنك
الدوليين للثقة في النظام الاقتصادي الليبرالي في مرحلة ما بعد الحرب
العالمية الثانية وفكرة أنه يعمل من أجل الجميع بما في ذلك الدول الأشد
فقرا والأكثر مديونية. وكتبت ميا أمور موتلي رئيسة وزراء دولة باربادوس
وراجيف جيه شاه رئيس مؤسسة روكلفر مؤخرا إن تعثر كل من صندوق النقد
والبنك الدوليين يهدد "بالانهيار الكامل للعهد الذي استمر حوالي 80
عاما".
الأمر الأسوأ، هو أن هذا يأتي في الوقت الذي يعاقب فيه الغرب الكثير من
الدول النامية بسبب ما يراه عدم إدانتها الكافية للغزو الروسي
لأوكرانيا. وكان رد بعض تلك الدول شائكا. ففي العام الماضي تصدر وزير
الخارجية الهندي وسائل الإعلام عندما قال إنه "على أوروبا التخلي عن
فكرة أن مشكلاتها هي مشكلات العالم، لكن مشاكل العالم ليست مشكلات
أوروبا".
وقال شارما إنه لا يمكن لأحد أن يلوم الأوروبيين أو الأمريكيين في
سعيهم لضمان إدانة أوسع للغزو الروسي غير المبرر لأوكرانيا، في الوقت
نفسه لا أحد يشك في أن الغرب خصص كما ضخما من موارد المؤسسات الدولية
لمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن نفسها.
ولكن عندما تكسر هذه المؤسسات قواعدها لدعم جهود الغرب في مساعدة
أوكرانيا، فإنه يجب إخضاع تصرفات هذه المؤسسات لمزيد من التدقيق. ولعل
التحرك الأبرز في هذا السياق هو قرار المجلس التنفيذي لصندوق النقد
الدولي في الشهر الماضي السماح بتمويل الدول "التي تواجه مستويات عالية
من عدم اليقين". وعلى مدى العقود الثمانية الماضية، كان صندوق النقد
حريص على عدم إقراض الدول التي تشهد صراعات. وتأكد هذا الموقف منذ
عامين عندما قرر تجميد حزمة القروض المقررة لإثيوبيا بعد نشوب حرب
أهلية في شمال البلاد.
لكن قبل أربعة أيام انتهك المجلس التنفيذي لصندوق النقد الدولي
قواعده مجددا، ووافق على تقديم قرض جديد بقيمة 6ر15 مليار دولار
لأوكرانيا والتي أصبحت ثالث أكبر مقترض من الصندوق وهو اللقب الذي تحتفظ
به لأكثر من عقد.
وقد يبدو قرار الصندوق بالنسبة للغرب مثالا يستحق الثناء من جانب مؤسسة
عريقة تحركت بسرعة للتعامل مع خطر جديد وعاجل. لكن بالنسبة لبقية دول
العالم فإن القرار يعتبر نموذجا فجا للمحاباة وما هو أسوأ استخدام
أموالها وأموال الغرب لصالح دولة واحدة.
وتشعر دول آسيا وأفريقيا بتحيزات صندوق النقد الدولي منذ قدم
الصندوق الذي يرأسه أوروبي منذ تأسيسه مبالغ ضخمة لمساعدة الدول
الأوروبية أثناء أزمة منطقة اليورو عام .2009 كما حذر تقرير صادر عن
الصندوق في ذلك الوقت من أن هذه المساعدات التي قدمها للدول الأوروبية
"خلقت تصورا بأن الدول الأوروبية الأعضاء تتمتع بوزن زائد في صناعة
القرارات مقارنة بقوتها الاقتصادية وأن برامج الصندوق في الاتحاد
الأوروبي تتم وفقا لشروط أيسر من تلك التي يطبقها في آسيا".
والحقيقة أن تصور دول العالم لتحيز الصندوق للدول الأوروبية يعرقل
مهمته. وبحسب التقرير فإن نحو نصف رؤساء بعثات الصندوق لدى دول العالم
يرون أن هذا التصور يؤثر سلبا على علمهم في الاقتصادات الناشئة".
ومن الصعب إقناع دول جنوب شرق آسيا على سبيل المثال بخطأ هذا التصور.
ففي حين يفرض الصندوق شروطا بالغة الصعوبة على دول مثل بنجلاديش
وباكستان وسريلانكا مقابل منحها مليارات قليلة من الدولارات، تراه يقدم
المزيد من الأموال لأوكرانيا ثالث أكبر دولة مقترضة منه دون أن تلتزم
بمثل تلك الشروط.
وإذا كانت أوكرانيا تحتاج وتستحق المساعدة حتى لا تضطر للتنازل عن
سيادتها بسبب نقص الأموال، فإنه على أصدقاء أوكرانيا من الدول الغربية
تقديم هذه المساعدة بدلا من صندوق النقد وغيره من المؤسسات الدولية
التي يجب أن توفر أموالها لكي تساعد الدول الفقيرة.