لن نسمح للإرهاب بأن يسلب حريتنا أو تسامحنا!
لم يكن الهجوم على صحيفة شارلي إيبدو الساخرة مفاجئاً تماماً، فقد أعادت عام 2006 نشر اثنين من الرسوم الدنمركية المسيئة للنبي محمد، التي أثارت المسلمين في كل أنحاء العالم. وحينئذ شُنت العديد من الهجمات على ممثليات دبلوماسية دنمركية وغربية في البلدان الإسلامية. وفي عام 2011 تعرض مقر شارلي إبدو في باريس لهجوم بالقنابل الحارقة. لكن هذا الهجوم لم يثن الصحيفة الساخرة عن الاستمرار في تناول مواضيع تتعلق بالنبي محمد والإسلام.
وليس من قبيل الصدفة أيضاً أن يحمل غلاف أحدث عدد للصحيفة صورة الكاتب الفرنسي ميشال ويلبيك، الذي أصدر مؤخراً رواية "الاستسلام" المثيرة للجدل والتي يصور فيها أن فرنسا تُحكم من قبل رئيس مسلم.
هل من المسموح لصحيفة أن تتناول ديناً وقدسياته بالسخرية؟ من الطبيعي أن يكون ذلك مسموحاً في الإطار القانوني للبلاد، ولطالما وضعت صحيفة شارلي إيبو بابا الفاتيكان هدفاً لسخريتها، وكسبت نزاعاً قانونياً مع إحدى المنظمات الكاثوليكية.
وربما تثير الرسومات الساخرة لبابا الفاتيكان الكاثوليكيين بشكل كبير، لكنهم يحتملونها في نهاية المطاف. وهنا لا يُسمح حتى لأي حكومة أن تتدخل. وبحق رفض رئيس الوزراء الدنمركي السابق اندرس فوغ راسموسن عام 2006 - في أوج الموجة التي أثارتها الرسوم المسيئة للنبي محمد- اتخاذ خطوات قانونية ضد هذه "الرسوم التجديفية"، كما وصفها المسلمون في كافة أرجاء العالم. فعلى أي مجتمع ديمقراطي أن يتحمل مثل هذا الأمر. ويمكن لأي دولة أن تتوقع مثل هذا التسامح من جميع مواطنيها. إذ لا يمكن أن تكون هناك معاملة خاصة بالمسلمين دون غيرهم.
توتر متزايد
وبعد مثل هذا الاعتداء الدموي نقع أمام إغراء الدفع باتجاه ضبط النفس: "يا أيها المنتقدون للإسلام، لا تبالغوا، واهدءوا قليلاً. لا نريد نشوب حرب دينية". لكن هذه الرسالة هي تماماً ما يريده منفذو الهجوم، إذ يريدون تقييداً طوعياً للحريات. ولا يمكن أن ينجح مثل هذا الابتزاز. لكن رغم ذلك يُتوقع تبعات سيئة لهذا الاعتداء، إذ سيزيد الأوضاع المتوترة أصلاً في فرنسا توتراً. ففي هذا البلد يعيش عدد كبير من المسلمين، والكثير منهم عاطل عن العمل ويعيشون على هامش المجتمع، حتى أن الشرطة لم تعد تتجرأ على الدخول إلى بعض المغلقة بالمهاجرين.
من ناحبة ثانية، تحرض الجبهة الوطنية اليمينية المتطرفة الرأي العام ضد الأجانب، وضد المسلمين منهم بشكل خاص. في انتخابات البرلمان الأوروبي الأخيرة، التي أُجريت العام الماضي، أصبحت الجبهة أقوى حزب سياسي. ومن ثم سيشعر ناخبو هذا الحزب الآن بأنهم على حق، وعليه سيزداد السخط على الإسلام، وبالمقابل سيكبر الغضب في صفوف المسلمين أيضاً، لنقع في حلقة مفرغة.
خارج حدود فرنسا
كما أن تبعات هذا الاعتداء سوف لا تقتصر على فرنسا وحدها فقط، فقد صعدت في كل دولة من دول الاتحاد الأوروبي عملياً خلال السنوات الماضية أحزاب معادية للأجانب، وسوف تقول قياداتها: "أترون؟ ببساطة، فإن المسلمين لا ينتمون إلينا، فهم غير قادرين على الاندماج".
وسرعان ما سيمثل اعتداء قامت به قلة قليلة ديناً بأكمله وكل أتباعه. في ألمانيا أيضاً يمكن لحركة "بيغيدا" أن ترى أن الغرب بات مهدداً أكثر وأكثر من أسلمة مزعومة. وهنا لا يمكن أن نضلل أنفسنا، فالتعايش المجتمعي سيصبح أصعب.
لكن من المهم هنا يجب أن نبقى واقعيين، فهذا الهجوم هو أسوأ اعتداء على حريتنا ولا يمكن لأي شيء أن يبرره. ولا نسمح لأي شخص أن يسلبنا حريتنا، كما لا يجب أن نسمح لأي شخص أن يسلبنا تسامحنا أيضاً. لا يوجد ثمة سبب لأن نجعل جميع المسلمين تحت طائلة الشبهات أو لأن نشك في صحة نموذج التعايش السلمي السائد في ألمانيا.
كريستوف هاسلباخ / عماد غانم
حقوق النشر: دويتشه فيله 2015