"كليبات التعذيب"

الثنائي التكنولوجي الإعلامي الحديث الذي يتمثل في التصوير بالهاتف المحمول وعرض الفيديو عبر "المدونات"، نجح في إثارة قضية التعذيب في مصر. تقرير نيللي يوسف

"في مكان يتصف بالقذارة وقف شاب متوسط العمر، ذليل وبائس، يتلقى سيلا من الصفعات على وجهه ورقبته من الخلف من ضابط يسخر منه، في حين أن هناك آخرين جلسوا في المكان يتضاحكون، ويشجعون هذا الضابط ويهتفون باسمه".

"شخص آخر ملقى علي الأرض وبدا نصفه الأسفل عاريا، وساقاه مرفوعتان وهناك صوت لضابط يتوعده وينهال عليه بالسباب والشتائم البذيئة. ثم جاء الضابط بعصا وأدخلها في مؤخرة هذا الشخص وهو يضحك ويهدده ببث هذا الفيديو المصور بالموبايل بغرض إهانته، فتعالت صرخاته ويقول: الرحمة يا باشا".

هذه بعض مقاطع الفيديو المنتشرة الآن على عدد من المدونات المصرية وعلى أجهزة المحمول لدى معظم الشباب المصري. فهذا الثنائي التكنولوجي الإعلامي الحديث الذي يتمثل في التصوير بالهاتف المحمول وعرض الفيديو عبر "المدونات"، نجح في إثارة قضية التعذيب في مصر على يد ضباط الشرطة داخل السجون المختلفة.

تتجاهل الصحف الرسمية هذه القضية و يقتصر ذكرها على صحف المعارضة والتقارير محدودة الانتشار لمنظمات حقوق الإنسان.

كليبات التعذيب

ولكن منظمات حقوقية عرضت قضية التعذيب على النيابة المصرية وطالبت بالتحقيق في هذه المقاطع التي أطلق عليها "كليبات التعذيب" ووصلت لساحات المحاكم حتى صدر حكما أخيرا بالحبس لمدة عام لأحد ضباط الشرطة الذي ظهر في الفيديو الأول. وقد تم القبض على الضابط المتهم في الفيديو الثاني الخاص بالاعتداء الجنسي.

وتحول هذا الفيديو إلى دليل إدانة قوي ضد المتهمين خصوصا أن صوتهم مسجل عليه، وستصدر المحكمة حكمها في الأسابيع المقبلة. وإذا تمت إدانة الضابط ومساعديه، فسيواجهون عقوبة السجن لمدة تتراوح ما بين 3 إلى 10 سنوات.

وقد ساهمت الوسائل التكنولوجية الحديثة غير الخاضعة للرقابة الرسمية في إثارة هذه القضية على نطاق واسع في مصر والتحقيق فيها حتى أصبحت حديث الشارع المصري. وأنشئت مدونة خاصة بمناهضة وتوثيق التعذيب في مصر عنوانها www.tortureinegypt.net وهي تصنف أشكال التعذيب وتتابع أية انتهاكات تحدث في أقسام الشرطة المصرية وتوزع نشرة بريدية تلخص الانتهاكات على مدار كل أسبوع.

وتشجع المدونة أي مواطن تعرض للتعذيب أو يعرف حالة مماثلة على الإفصاح عن تجربته وترشده إلى مراكز معنية بتأهيل ضحايا جرائم التعذيب وتقديم العلاج النفسي لهم بالإضافة إلى المساعدة القانونية.

منهجية وسياسة التعذيب

ويرى المحامي محمد زارع أحد أعضاء الجمعية المصرية لمساعدة السجناء أن التعذيب في مصر يتم على نطاق واسع، وأن السلطات العليا إما موافقة عليه أو تشجعه. وقال إن من أسباب انتشار التعذيب في مصر هو افتقاد ضباط المباحث الجنائية للمهارات التقنية للحصول على الحقيقة، فيلجأ الضابط إلى استخدام العنف لانتزاع اعتراف حتى في أبسط الجرائم، وجعل عدد المحاضر التي يتم تحريرها والحصول على اعترافات المتهمين فيها معيارا لترقى الضابط وهو ما يدفعه إلى تلفيق القضايا وإجبار المشتبه فيهم على التوقيع باستخدام أساليب التعذيب.

أما المواطن فهو يجهل حقوقه كما أنه من الملاحظ وجود ثقافة لدى بعض المواطنين تقبل التعذيب وتعتبره من صميم عمل ضابط الشرطة، حسب رأي المحامي زارع.

وبرغم أن الشرطة تنظم دورات في حقوق الإنسان للضباط، إلا أن هذه الدورات ظهرت كنتيجة للضغوط الدولية حول مسائل حقوق الإنسان وفاعليتها محدودة طالما النظام السياسي والإداري يكرس ظاهرة التعذيب باعتبارها آلية أساسية لحماية النظام، حسب قول المحامي محمد زارع.

ومصر من الدول الموقعة على الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، وتنص المادة 42 من الدستور المصري على أن أي شخص محتجز "تجب معاملته بما يحفظ عليه كرامته، ولا يجوز إيذاؤه بدنيا أو معنويا" ويعتبر قانون العقوبات المصري أن التعذيب جناية.

وأكد محمد زارع أن هذه المحاكمات الحالية ضد التعذيب محدودة للغاية مقارنة بأعداد الذين تعرضوا للعنف الجسدي والمعاملة المهينة، وخاصة مع وجود بطء إجراءات التقاضي وحجم التعويض الضئيل الذي تقرره المحكمة وتحايل موظفي الشرطة المدانين على هذه الأحكام إما بالطعن ضدها أو تعريض أقارب الضحية للتهديد بغرض تنازله عن الدعوى، أو حتى صدور العقوبة مع إيقاف تنفيذها.

الوعي المصري

ولكن هل ستحد تلك الحملات على المدونات بشكل فعال من التعذيب في المستقبل؟، يجيب على هذا السؤال وائل عباس صاحب المدونة الشهيرة "الوعي المصري" والتي تعرض الكثير من لقطات الفيديو لحالات تعذيب.

ويؤكد وائل أن الشرطة أصبحت تخاف من هذا السلاح الإعلامي الجديد القوي وخاصة بعدما نشرت هذه المدونات تفاصيل عملية التعذيب الجنسي الأخيرة للسائق المصري على مدوناتهم وانتقل الموضوع بفضل النشر من زاوية البث عبر مواقع فيديو لصور الموبايل على شبكة الإنترنت إلى الصحف، ثم مسؤولي النيابة المصرية والمنظمات الدولية، إلى أن تمت محاكمة بعض رجال الشرطة.

وعبر وائل عن تخوفه من عواقب هذه المسألة بالنسبة لنشطاء الإنترنت حيث يرى أن ما يحدث اليوم يمكن أن يكون نقطة تحول للأحسن أو للأسوأ: "فيمكن أن يساور النظام الحاكم الخوف من عملنا ويبدأ في مهاجمتنا عن طريق إصدار قانون يمنع تماما كافة الأنشطة على الانترنت".

وتؤكد وزارة الداخلية المصرية أنه ليست هناك سياسة منظمة للتعذيب في مصر ولكن هناك بالفعل تجاوزات من بعض رجال الشرطة في بعض الأقسام وهذه حالات فردية تمت محاسبة المسؤولين عنها، بالإضافة إلى أن معظم لقطات الفيديو على المدونات مفبركة ولا تعبر عن الواقع.

ويرى وائل أنه إذا كانت هذه الفيديوهات مفبركة وغير حقيقية مثلما تقول وزارة الداخلية فإن الحل يتمثل في التحقيق فيها وبيان صحتها أو زيفها مثلما ثبت صحة الكثير منها.

نيللي يوسف
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

مصر والإتحاد الأوروبي
في الوقت الذي اعتمدت فيه مصر والإتحاد الأوروبي خطة عمل مشتركة لسياسة الجوار واصلت السلطات المصرية نهجها في إسكات الأصوات المطالبة بحرية التعبير. إزابيل شيفر من جامعة برلين الحرة تلقي الضوء على هذا التطور

المدونات: صحافة معارضة أم وسيلة لجرح الآخرين؟
ما دور المدونات في تعزيز حرية الرأي والتعبير في العالم العربي؟ موضوع المناقشة التالية

ملف الإنترنت
حقق الإنترنت حلم الحصول على معلومات بشكل سريع وحربالإضافة إلى سهولة الاتصال بالآخرين. ولكن هذا بالذات يدفع العديد من الحكومات إلى محاولة التضييق على هذه الوسيلة الإعلامية لا سيما في العالم الإسلامي