شيطنة وسوء فهم أبدي للمعتقدات والتقاليد الإيزيدية
فرار عشرات آلاف الإيزيديين من التنظيم الجهادي "الدولة الإسلامية" (داعش) إلى جبال سنجار في شمال العراق في شهر آب/ أغسطس 2014 أثار خوف الرأي العام، فشكَّل خطر الإبادة الجماعية لهذه الطائفة الدينية الصغيرة التي تتعرَّض بشكلٍ متكرِّرٍ منذ عدة قرونٍ للملاحقة والتشريد إنذارًا للمجتمع الدولي. وبمساعدة دعمٍ دوليٍ استطاع مقاتلون أكراد سوريون بعد ذلك إنقاذ معظم الأيزيديين من الجبال ونقلهم إلى مناطق آمنة. وتحدثت التقارير الدورية الواردة عن عمليات إعدام وإجبار على اعتناق الدين الإسلامي وعن استرقاق النساء الإيزيديات.
ما سبب ملاحقة الإيزيديين واضطهادهم؟ على الرغم من الاهتمام بمصيرهم، لا يُعرف إلا القليل عن أصلهم وثقافتهم ومعتقدهم. الباحثة التركية في الدراسات الشرقية والمختصة بتاريخ الفنون بيرغول آجيك يلدز تقدِّم من خلال كتابها "الإيزيديون" تعريفًا شاملًا ومفهومًا على حدٍّ سواء لهذه الطائفة الدينية التي قد تختفي قريبًا بشكلٍ كاملٍ من الشرق الأوسط. قامت بيرغول آجيك يلدز بغية إنجاز هذا العمل بعدة رحلات بحثية إلى مناطق سكن الإيزيديين في شمال العراق، وأيضا في سوريا وأرمينيا وتركيا في الفترة الواقعة بين 2002 و 2005، وكان بعضها لا يخلو من المغامرة.
بلغ عدد الإيزيديين الإجمالي في شمال العراق قبل الصراع الأخير 518 ألف نسمةٍ، منهم ثلاثمائة ألفٍ في منطقة سنجار وحدها بحسب مؤلفة الكتاب. وبالتالي تكون المجتمعات الإيزيدية في الدول المجاورة هي أصغر من ذلك بكثير، وبخاصة لأن معظم الإيزيديين في تركيا كانوا قد هاجروا منذ ستينيات القرن الماضي إلى ألمانيا. غالبية الإيزيديين العظمى أكراد. كما توجد أهم مقدسات الإيزيديين في مناطق الحكم الذاتي الكردية في شمال العراق، حيث يتمتعون بالحماية والاحترام. ولكن ما عدا ذلك تتسم علاقاتهم بالمسلمين بالتوتُّر.
الإيزيدية إحدى أقدم الديانات في المنطقة
يَعتبر الأيزيديون ديانتهم من أقدم الديانات في المنطقة، بيد أنَّ ممارساتهم الحالية لمعتقدهم تعود إلى الشيخ عدي (1073 – 1163) وهو مسلمٌ وعلّامة صوفي ترك بغداد وذهب إلى وادي لالش حيث أسس جماعةٍ دينيةٍ ووطَّد الطريقة الصوفية العدويَّة. أجزاءٌ من السكان المحليين الذين كانوا يمارسون معتقداتٍ متأثرةً بالأديان الإيرانية القديمة مثل الزرادشتية، انضموا إلى الشيخ عدي وأخذوا بتعاليمه، وبعد موته أدخلوا بدورهم عناصر من ديانتهم إلى الطريقة.
تشكَّلت حتى القرن الخامس عشر ديانةٌ إيزيديةٌ خاصةٌ، يجري حتى يومنا هذا توارثها شفهيًا من خلال أناشيد دينيةٍ في الغالب. وعلى الرغم من احتوائها بعض العناصر الإسلامية، إلا أنها تختلف بصفةٍ عامةٍ عن الديانة الإسلامية بوضوح.
يؤمن الإيزيديون بإلهٍ واحدٍ (خودا Xwede)، إلا أنه اختار من الملائكة الملاك "طاووس ملك" لكي يمثّله على الأرض. "طاووس ملك" هو كبير الملائكة السبعة ويشكِّل مع الشيخ عدي والشيخ إيزيد الثالوث المقدس، في حين أنَّ شخصَ الشيخ إيزيد يعود ربما إلى خليفة المسلمين يزيد بن معاوية.
يتخذ "طاووس ملك" الذي يُرمز له بصورة طاووسٍ أزرق دورًا مركزيًا في الديانة الإيزيدية. لكنَّ واقعَ وجود هذا الملاك في الإسلام والمسيحية أيضًا، ولكونه يُعتبر لديهما مساويًا للشيطان (ملاك ساقط)، أدى بالمسلمين والمسيحيين لاعتبار الإيزيديين "عبدة شيطان".
بيد أنَّ الأمر يتعلق هنا بسوء فهمٍ كما تؤكد بيرغول آجيك يلدز، لأنَّ "طاووس ملك" لا يُعتبر لدى الإيزيديين شيطانًا. ولا يملك أيضًا صفات الشيطان ولا يُعتبر غريمًا لله، بل وسيطًا بين الله والإنسان.
ملاحقون ومتهمون بالهرطقة
ومع ذلك لطالما تعرَّض الإيزيديون للملاحقة باعتبارهم "عبدة الشيطان". وبرغم أنهم موحِّدون، كان المسلمون لا يعتبرونهم من أصحاب الكتاب مثل اليهود والمسيحيين، بل كفارًا ارتدُّوا عن الإسلام. وفي عهد الإمبراطورية العثمانية رفض الإيزيديون دفع الضرائب وأداء الخدمة العسكرية، ما دفع العثمانيين في سنة 1890 إلى وضع مهلةٍ أخيرةٍ للإيزيديين لاعتناق الإسلام، ولأنهم رفضوا ذلك، تم احتلال مناطقهم في سنجار وشيخان وتم ارتكاب أعمال قتل في حق سُكَّانها.
وتمت ملاحقة الإيزيديين أيضًا إلى جانب الأرمن في الحرب العالمية الأولى، ما أدَّى إلى هرب الآلاف إلى أرمينيا السوفياتية. وكما تكتب بيرغول آجيك يلدز، فإنَّ تجربة الملاحقة والاضطهاد جعلت الإيزيديين طائفة منطوية على نفسها تقابل الغرباء بحذر. وهم لا يتزوجون إلا من بعضهم البعض تقريبًا، في حين أنَّه لا يسمح أيضًا بالزواج بين ما يسمى طبقات المجتمع الإيزيدي الثلاث. ومن يتزوَّج على الرغم من ذلك من مسلمين أو مسيحيين يُنبذ من الطائفة، أما اعتناق الديانة الإيزيدية لغير الإيزيدي في المقابل فغير ممكن.
تصف بيرغول آجيك يلدز الإيزيديين بأنَّهم مجتمعٌ خاضعٌ بقوةٍ للنظام الذكوري الأبوي، مهمةُ المرأة فيه في المقام الأول العناية بالأطفال والقيام بالأعمال المنزلية إلى اليوم. عندما أرادت الباحثة في مدينة بحزاني تناول طعام العشاء في المطعم، قيل لها إنَّ النساء لا يفعلن ذلك. وعندما أصرَّت على ذلك، كانت بحسب قول مرشدها، أول امرأة على الإطلاق تتناول الطعام في بحزاني في مكانٍ عامٍ. وفي المجتمعات القروية لا يزال تدبير الزيجات يجري من قبل الوالدين. كما أنَّ مستوى التعليم منخفضٌ – وحتى الماضي القريب كانت القراءة والكتابة حكرًا على طبقة رجال الدين.
غير متزمتين ولكن تقليديون
كما تصف بيرغول آجيك يلدز بإسهاب فن عمارة المقامات الإيزيدية التي تتميَّز بأسطحها المخروطية المضلّعة. أضرحة الأولياء وبخاصةٍ قبر الشيخ عدي في لالش تلعب دورًا مركزيًا في الطقوس والاحتفالات عند الإيزيديين، وذلك لعدم وجود مساجد أو كنائس أو ما يماثلها من أماكن العبادة. وبحسب بيرغول آجيك يلدز لا يوجد لديهم تقليد صلاة جماعية، بل يصلِّي كلٌّ منهم لوحده متجهًا للشمس. ولا يوجد قواعد محددةٌ للصلاة، كما أنَّ الصلاة والصوم ليسا بفريضة.
بلغ الاضطهاد الذي يمارسه تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي المسلَّح حدًا يُعرِّض وجود هذا المكوِّن الشعبي للخطر. وتكتب بيرغول آجيك يلدز بهذا الصدد: "أما مسألة كيفية سعيهم لحماية أنفسهم من الإبادة، فتبقى قضيةً مفتوحةً وملحَّةً... ومن دون حمايةٍ دوليةٍ يبقى وجود الثقافة الأيزيدية مهددًا".
أولريش فون شفيرين
ترجمة: يوسف حجازي
حقوق النشر: قنطرة 2015 ar.qantara.de
بيرغول آجيك يلدز: "الأيزيديون: تاريخ مجتمع وثقافة ودين"، لندن، آي بي توريس، 2014، 283 صفحة.