هل سيعاقب المجرمون؟

بدأت تحقيقات المحكمة الدولية في لاهاي الهولندية في عام 2005 في جرائم حرب مرتكبة في دارفور. ومن الممكن لأول مرة أن يمثل متهمون بهذه القضية أمام المحكمة قريبا. بقلم كلاوس دامان

تمّ تكليف لويس مورينو-أوكامبو من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتَّحدة قبل عامين بالتحقيق في جرائم الحرب في إقليم دارفور السوداني الذي يعاني من أزمة إنسانية ومن حرب - لكن من دون موافقة الخرطوم. في البدء قامت السودان بعرقلة تحقيقات المحكمة. ما لا يدعو للعجب، حسب رأي السيد هادي شلوف المختص بالقانون الدولي والمقيم في باريس:

"إنّ الحكومة السودانية غير ملزمة قانونيًا بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، لأنَّ السودان لم يقم بالتصديق على قوانين المحكمة. فلو اعترف السودان بأحكام المحكمة فعندها ستكون الحكومة السودانية بطبيعة الحال ملزمة بذلك. لكن الحكومة السودانية لم تصرِّح حتى الآن إن كانت تقبل بالمحكمة".

وهذا يعرقل عمل المحكمة. يضاف إلى ذلك أنَّ أعمال القتل والسلب والنهب لا تزال تُقترف في دارفور. وبما أنَّ الدعوى يجب أن تكون بالدرجة الأولى مبنية على شهادات يدلي بها شهود عيان، كان لا بد من إجراء الكثير من الاستطلاعات في معسكرات اللاجئين.

مجرمو الحرب

ومن خلال ذلك ظهرت بعض الحقائق، التي سلَّمها قبل عام الأمين العام السابق للأمم المتَّحدة كوفي عنان لرئيس هيئة الادِّعاء العام في مغلَّف مختوم بالشمع الأحمر: كانت فيه قائمة بأسماء 51 شخصًا من المشتبه بارتكابهم جرائم حرب.

على الرغم من التعامل مع هذه الأسماء بغاية السرية والكتمان، إلاَّ أنَّه تسرَّبت معلومات تفيد بأنَّ الأمر يتعلَّق بكبار الأشخاص التابعين لكلِّ أطراف النزاع في دارفور: زعماء مليشيات الجنجويد المسلَّحة وبمختلف مجموعات المتمرِّدين وحتَّى بأعضاء الحكومة السودانية.

وفيما بين أصبحت الخرطوم تقدِّم تنازلات: فقد سمحت للمحقِّقين بالاطِّلاع على ملفَّات-دارفور. وقد أبلغت رئيس هيئة الادِّعاء العام، بأنَّها اعتقلت أربعة عشر شخصًا بسبب ارتكابهم جرائم حرب في دارفور وبإمكانية تسليمهم إلى المحكمة في لاهاي. لكن السلطات في الخرطوم لم تعلن عن أسماء هؤلاء الأشخاص الأربعة عشر، على حدّ قول شلوف:

"لا تذكر السلطات السودانية أي شيء عن هوية هؤلاء المعتقلين. ربما يكونوا من الجنجويد وربما يكونوا تابعين لجماعات أخرى تطالب باستقلال دارفور".

علامات استفهام عديدة

يسعى شلوف للسفر بأقرب فرصة ممكنة مع رئيس هيئة الادِّعاء العام مورينو-أوكامبو إلى السودان، وذلك من أجل الإجابة على هذا السؤال وغيره من الأسئلة التي لا تزال مطروحة. عندما يتم جمع كلِّ هذه المعلومات ستقرِّر المحكمة في لاهاي ضدّ مَنْ سوف ترفع قضية.

لقد أُعلن في البدء أنَّ ذلك سيتم في منتصف شهر شباط/فبراير من هذا العام، بيد أنَّ شلوف لا يريد أن يؤكِّد ذلك. فعلى كلِّ حال يتوخَّى رجل القانون الفرنسي هذا الكثير من الحرص في حديثه، عندما يتعلَّق الأمر بتصريحات معيَّنة - وذلك لخوفه من أن تنقطع من جديد وبسهولة العلاقات الضعيفة القائمة ما بين لاهاي والخرطوم.

غير أنَّ هادي شلوف يتحدَّث بانفتاح أكثر بكثير حول مسألة أخرى. يقول إنَّ وضع المحكمة القانوني يعاني من بعض العيوب والثغرات. يعتبر شلوف أنَّ مجلس الأمن التابع للأمم المتَّحدة يتمتَّع بسلطات واسعة جدًا؛ فهو لا يستطيع فقط أن يحيل قضية إلى لاهاي - مثلما حصل ذلك لأوَّل مرَّة في مسألة دارفور- بل يستطيع كذلك أن يوقفها من جديد.

إذن إذا تحوَّلت أغلبية أعضاء مجلس الأمن إلى إلغاء الدعوى القضائية الخاصة بدارفور، فعندئذ من الممكن أن تصل نتيجة ذلك إلى اضطرار القضاة إلى الإفراج عن أحد المتَّهمين، وذلك لأنَّ المحكمة لا تعد مخوَّلة باعتقاله.

وحتَّى بالنسبة للسودان التي لم توافق حتَّى الآن على المحكمة الجنائية الدولية ثمَّة مخرج قانوني، على حدّ تعبير هادي شلوف:

"إذا ما قامت السودان بالتصديق على قوانين المحكمة مثلاً في عام 2007، فعندئذ لا يعد باستطاعتنا في لاهاي أن ننظر في جرائم ارتكبت قبل هذا التاريخ. وهذه المسألة هي مسألة قانونية وليست مسألة آراء".

أمر غريب لكنَّه ممكن من الناحية النظرية: سيكون توقيع الحكومة في الخرطوم على قوانين المحكمة كافيًا من أجل إيقاف كلَّ الإجراءات القانونية الجزائية على الفور وإلى الأبد. وعند ذلك لا يعود بإمكان المحكمة الجنائية الدولية النظر إلاَّ في الجرائم التي ارتكبت قبل هذا التاريخ. وعندها سوف يبقى كلَّ الجناة الذين اقترفوا جرائم حرب حتَّى ذلك من دون عقاب.

بقلم كلاوس دامان
ترجمة رائد الباش
حقوق الطبع قنطرة 2007

قنطرة

حرب من دون حدود
تتصاعد أعمال العنف في إقليم دارفور غربي السودان وكذلك في المنطقة الشرقية من تشاد الواقعة خلف الحدود السودانية. وتزداد حدّة النزاعين على الرغم من اختلاف الأسباب الكامنة خلفهما. تقرير بقلم مارك إنغلهارد.

دارفور، إلى أين؟
لم تفرز المفاوضات المتعلقة بمنطقة دارفور والتي أشرف عليها الاتحاد الأفريقي أية نتائج إلا بعد قرابة عامين من البدء فيها. هذا وإن لم يوافق على الاتفاقية المبرمة حتى الآن إلا عدد قليل من الثوار. فالكثيرون منهم تساورهم الشكوك حيال جدية نية حكومة الخرطوم في إحلال السلام. مقال كتبه مارك إنغيلهارت.