حرب أوكرانيا: قائمة قراءة

قائمة قراءة أعدها عمار الشقيري وفيها يستعرض أربعة كتب صدرت في الأعوام الماضية، تشكّل في مجموعها مصدرًا ثريًا للتعرف على ما حصل في روسيا وأوكرانيا على مدى العقود الماضية، وتبحث في شكل العلاقات الداخلية في كل بلد على حدة، وبينهما.

ثمّة عدّة روايات حول السبب الذي قاد روسيا إلى غزو أوكرانيا مؤخرًا، ومن أجل فهم السبب الرئيسيّ لهذا الحدث ثمة ضرورة لفهم السياق التاريخي للعلاقة بين روسيا وأوكرانيا من جهة، وبين روسيا والغرب من جهة أخرى.

توفّر هذه الكتب الأربعة شيئًا من سرد تاريخي لهذه العلاقة، وشيئًا من التحليل الذي لا يقف عند علاقة البلدين ببعضهما إنما يتعدّاه كذلك إلى تحليل للعلاقات الدوليّة حيث أوكرانيا وروسيا يمثلان طرفين نقيضين في صراع أوسع بين ما يمكن تسميتها كتلة شرقيّة وأخرى غربيّة.

الأزمة الأوكرانية وصراع الشرق والغرب: جذور المسألة ومآلاتها

المؤلف: محمد الكوخي

الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2015

لفهم جزء مهم مما يجري بين أوكرانيا وروسيا لا بدّ من سياقٍ تاريخيٍّ يوضّح تاريخ جمهورية أوكرانيا الحديثة ومراحل تشكّلها، ومن ثم معرفة تركيبة البلد هوياتيًا وعرقيًا وسياسيًا، وعلاقة هذه التركيبات بمراكز القوى من حولها، وهذا ما يقدّمه كتاب محمد الكوخي الصادر سنة 2015.

يتتبع الكتاب التغيّرات التي طرأت على جغرافيا أوكرانيا ما قبل القرن العشرين من بلدٍ خضعت أراضيها لقوى وإمبراطوريات مجاورة: روسيا الإمبراطورية، النمسا والمجر، وبولندا، والدولة العثمانية، ثم في حقبة الاتحاد السوفييتي التي اقتُطع خلالها جزء من أراضي بولندا، ورومانيا، ومولدافيا، وتشيكوسلوفاكيا وألحقت بأوكرانيا، ومن ثم اقتطاع خليفة ستالين نيكيتا خروتشوف جزيرة القرم من روسيا وضمها لأوكرانيا.

لقد تغيّرت جغرافيا أوكرانيا كذلك في فترة الاتحاد السوفييتي أكثر من مرّة وكانت هذه التغيّرات تؤثر على هويتها العرقيّة والثقافية واللغوية. سياسيًا، تأسس تيّار اليمين القومي الأوكراني المتطرف المعادي لروسيا برئاسة يوري شوخوفيتش إثر معارضة القوميين الأوكرانيين لسياسة ستالين التي تسببت بالمجاعة في مناطق واسعة من الاتحاد السوفييتي ومنها أوكرانيا في بداية الثلاثينيات من القرن الماضي، وتحالف تيّار القوميين هذا مع ألمانيا النازية ضد الاتحاد السوفييتي عام 1941.

في نهاية مرحلة الاتحاد السوفييتي قامت مجموعة من المعارضين للنظام الشيوعي بالتكتّل لتشكيل نواة ما سيعرف لاحقًا بحركة الشعب الأوكراني التي ضمت ليبراليين وقوميين، ومن هذه الحركة التي ترأسها الشاعر والكاتب إيفان دراش خرجت العديد من أحزاب اليمين والوسط في أوكرانيا الحالية.

يتتبع الكتاب تشكّل انتماءات الأوكرانيين؛ بين انتماءين رئيسيين: روسيّ وآخر غربيّ، ومحاولة كل طرف روسنة أو أكرنة المجتمع واللغة، وقد امتد هذا الصراع إلى الدين؛ فالكنيسة الأرثوذكسية في أوكرانيا ظلت لسنوات تدين بالمرجعيّة بين بطريركية كييف وبطريركية موسكو.

على الجانب الآخر يتتبع الكتاب الصراع العسكريّ بين روسيا والناتو الذي صار يتوسّع في دول أوروبا الشرقية ومنها أوكرانيا ومحاولة روسيا مواجهة هذا النفوذ، ثم يتتبع كيف أثّر هذا الصراع على التركيبة السياسيّة في أوكرانيا وصولًا إلى قيام الثورة البرتقالية عام 2004 التي تسببت بتصاعد الانقسام في الانتماء والثقافة والهوية بين المناطق الشرقية التي توالي روسيا (دونيتسك، خاركوف، لوهانسك) والمناطق الغربية الموالية لأوروبا (كييف ولفيف). من هنا يقول المؤلف:«هكذا ظهر إلى العلن أول مرة في تاريخ أوكرانيا ما بعد الاستقلال، انقسام عمودي في المجتمع الأوكراني، اتضحت تجلياته بشكل لا لبس فيه في نتائج انتخابات 2004 الرئاسيّة، معسكر شرقي موالٍ لروسيا يتركز في المناطق الشرقية ويتحدث معظم سكّانه بالروسيّة، ومعسكر غربي في المناطق الغربيّة معظمهم ينطقون بالأوكرانية مع الانتماء الأوروبي».

روسيا بوتين

المؤلف: ليليا شيفتسوفا، ترجمة بسّام شيحا

الناشر: الدار العربية للعلوم – ناشرون، 2006

ما هي سياسة روسيا في بداية عهد بوتين؟ للإجابة على هذا السؤال تستعرض الباحثة ليليا شيفتسوفا وتحلّل القليل من سيرة الرجل مع الكثير من سياسة روسيا المحلية والخارجية في السنوات الخمس الأولى من عهد بوتين في السلطة، منذ مجيئه إلى رئاسة الوزراء عام 1999 وحتى نهاية فترته الرئاسية الأولى العام 2004، وهي الفترة التي شهدت الكثير من التحوّلات في سياسة روسيا محليًا وإقليميًا ودوليًا.

يبدأ الكتاب منذ أواخر عهد بوريس يلتسن في السلطة الذي كان يركّز على مصارعة التحديات الخارجية الروسيّة لكنّه غير قادرٍ على صناعة التغيير وبناء الدولة داخليًا؛ فانتشر الفساد وتراجع الاقتصاد وبرزت فئات متنفذة استولت على السلطة. ثم جاء بوتين من الظلّ رئيسًا للوزراء في البداية ومن ثم رئيسًا قاد روسيا -ولو ظاهريًا- إلى تحقيق النظام والاستقرار عبر «ترويض النخبة السياسيّة الروسيّة والمتنفذين المتعجرفين» وبدء ثورة مناصرة للغرب في السياسة الخارجية.

تركز المؤلفة على ارتباط اسم بوتين -منذ البداية- بالعلاقة مع الدول المجاورة حاملة إرث الاتحاد السوفييتي، إذ ورث الرجل الشعور القومي الروسي بالضعف الناجم عن انهيار الاتحاد وما رافقه من هجمات عسكريّة قادمة من الشيشان، وكان أول ما قدّمه من وعد للشعب، الأمر الذي شغلهم طويلًا، وهو: الحماية من هجمات الشيشان. فمضى قدمًا في محاربتهم، ورسّخ في شعور الشعب لأول مرة منذ سنوات طويلة فكرة الوطنية العسكرية التي أصبحت ملاذًا لكل من كان يشعر بالخوف والضعف في روسيا، وهكذا رفعت الحرب بوتين إلى ذروة الهرم السياسي في بلاده.

لقد حمل بوتين برنامجًا لبلاده على مستويين؛ داخلي قائم على تحديث في السلطة وحماية البلاد، وخارجي قائم على شراكة مع الغرب. ولتطبيق برنامجه وظّف ليبراليين في الحكومة ليقودوا الاقتصاد.

تخلص المؤلفة إلى أن بوتين كان يعي أهمية الغرب لحل مشاكل روسيا الاقتصادية، لذا انفتحت سياسة روسيا على الغرب اقتصاديًا، كما انفتحت على الغرب عسكريًا في سبيل مكافحة الإرهاب عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وقد وضع الرجل علامة جديدة في سيرة السياسة الخارجية الروسية تمثّلت صورتها في دعوة اللورد جورج روبرتسون، الأمين العام لحلف الناتو، إلى موسكو معيدًا بذلك إحياء علاقات روسيا مع الحلف من جديد بالرغم من معارضة الجيش الروسي لهذا التوجه. كما دعا رئيس الوزراء البريطاني توني بلير إلى سان بطرسبرغ وأقنعه بأنه كان يسعى لإحياء علاقات أكثر دفئًا بين روسيا والغرب بعد تدهورها خلال السنوات الأخيرة من رئاسة يلتسن عقب قصف الناتو ليوغوسلافيا ربيع العام 1999.

لا يركز الكتاب على شخصيّة بوتين فحسب، إنما كذلك على من حوله، فيقدم رؤيتهم لعلاقات روسيا الخارجية وطريقة حكم روسيا داخليًا، وهي رؤى منقسمة بين التخلّي عن الفكرة الثابتة بالتواجد العالمي لروسيا وتحسين علاقتها مع الجمهوريات المستقلّة عن الاتحاد السوفيتي، أو القلق من خطر القوى المعادية لها التي ينبغي محاربتها. تستنتج المؤلفة وجود صراع بين مجموعتين حول بوتين؛ الأولى تهتم بالصورة الجديدة لروسيا، والثانية تسعى للمواجهة مع الغرب. 

--------

روسيا الأوراسيّة: زمن الرئيس فلاديمير بوتين

المؤلف: وسيم قلعجية

الناشر: الدار العربيّة للعلوم – ناشرون، 2016

يمتاز هذا الكتاب عن بقيّة كتب هذه القائمة في أنّه يقدّم صورةً أوسع وأشمل للرؤية الروسيّة الرسميّة تجاه العالم وتحديدًا تجاه محيطها. ويكمل الفترة التي انتهى عندها كتاب «روسيا بوتين»، ليس في الفترة الزمنيّة وحسب، إنما كذلك من حيث زاوية النظر لما يجري، إذ ينطق الكتاب من داخل النظام السياسي الروسي ورجالاته؛ حيث قدّم له وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف، ووصف مؤلفه بأنه «صديق مخلص لبلدنا»، والمؤلف يعمل ضمن ما يصفها لافروف بـ«مجموعة الرؤية الاستراتيجية: روسيا والعالم الإسلامي».

يبدأ المؤلف بالإشارة إلى الصراع بين القوى الكبرى في النظام الدولي الجديد: الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وروسيا الاتحادية التي عادت إلى لعب دور في هذا الصراع من مبدأ السياسة الروسية الواقعية لا من مبدأ عقائدي. وللتدليل على ذلك يستشهد بخطاب لبوتين مفاده أن: أكبر كارثة جيوسياسية حصلت في القرن العشرين هي انهيار الاتحاد السوفييتي، من لم يحزن على انهيار الاتحاد السوفييتي لا قلب له، ومن يريد إعادته بحلّته السابقة، فلا عقل له.

يبدأ قلعجية بتحليل نظري لمآل الاتحاد السوفيتي محاولًا نقد فكرة نهاية التاريخ التي طرحها فوكوياما، ثم يسرد تتابعًا زمنيًا للفترة الأخيرة من عمر الاتحاد حتى يصل إلى اتفاقية مينسك التي يحلّ بموجبها الاتحاد السوفيتي وتنشأ صداقة بين الدول المستقلّة، وقد وقّع الاتفاقية كل من الرئيس الروسي بوريس يلتسن، ورئيس بيلاروسيا ستانيسلاف شوشكوفيتس، والرئيس الأوكراني ليونيد كوتشما. ثم يتتبع المؤلف الحقبة اليلتسنية التي تلخص برنامجها بين 1991 و1995 بالانفتاح على الغرب، وبالتحديد دول حلف شمال الأطلسي، بهدف إخراج روسيا من العزلة الدولية والاعتراف بها قوة دولية، لا قوة شاملة وقطبًا عالميًا.

يركز قلعجية بعد ذلك على الفترة التي ظهرت فيها فكرة روسيا الأوراسيّة التي كانت نتاج فكرة وزير خارجية روسيا يفغيني بريماكوف عام 1996، والتي صارت تعرف بمبدأ بريماكوف القائم على إنشاء نظام عالمي جديد قائم على التعددية القطبية التوافقية، وإنشاء اتحاد أوراسي بين روسيا والهند والصين، وإنهاء العداء مع حلف شمال الأطلسي. ثم يصل المؤلف إلى فترة بوتين في الفصل المعنون بـ«فلاديمير بوتين: صناعة التاريخ الجديد»، ويضع قصف حلف الناتو ليوغوسلافيا في 1999 حدثّا مفصليًا في تغيّر سياسة روسيا الخارجية. تعتبر روسيا -بحسب قلعجية- أن تدخل الناتو عسكريًا في يوغسلافيا بدون مظلة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي يمنعها من الاعتراض على مثل هذه التدخلات إذا مثلت تهديدًا على أمنها القومي وأمن حلفائها.

يقدّم الكتاب تاريخ الصراع السياسي في أوكرانيا ودور كل من روسيا والولايات المتحدة فيه والاتفاقيات بين روسيا وأوكرانيا حتى بدايات العام 2016. ويعمد في بعض الفصول إلى توضيح طبيعة العلاقة بين روسيا ودول الاتحاد السوفييتي السابق، وطبيعة علاقتها بالشيشان، وبدول في آسيا الوسطى وبسوريا وإيران. كما يتناول تطور: «العقيدة العسكرية الجديدة لروسيا».

يعتمد الكتاب على سرد تحولات السياسة الروسيّة، ليس مع أوروبا فحسب، إنما كذلك مع دول وسط آسيا والولايات المتحدة. ويعتمد على بيانات صادرة من المؤسسة الروسيّة الرسميّة، كخطابات من هم في سدّة الحكم، ومع ذلك لا يعتبر وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي قرأ الكتاب وقدّم له أن كل تحليلات وتقييمات قلعجية تعبّر عن موقف روسيا.

-------

زمن المذلولين: باثولوجيا العلاقات الدوليّة

المؤلف: برتران بديع، ترجمة جان ماجد جبّور

الناشر: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات

يحاول هذا الكتاب تقديم فكرة رئيسيّة مفادها أن النظام الدولي ومعاييره وممارساته التي تعقب الاتفاقيات الدولية بعد انقضاء الحروب، أو استقلال الدول عن الاستعمار، يقوم على إذلال المهزوم من قبل المنتصر، حتى صار الإذلال ممارسة دبلوماسية رمزيةً أو ماديةً، وصار سائدًا ويصوغ علاقة الطرفين، ويؤدي إلى بروز أشكال جديدة من المواجهة بين الطرفين ليست عسكرية كلاسيكية.

لا يناقش المؤلف مفهوم الإذلال من منظور نفسي-اجتماعي، إنما بوصفه مبدأً منظمًا للنظام الدولي وعنصرًا مؤسسًا له، ويؤدي إلى النزاعات أكثر من أي شيء آخر. ويطرح المؤلف أسئلة أساسيّة: ما الذي وفّر للإذلال موقعًا بهذه الأهميّة في اللعبة الدوليّة؟ ولماذا يؤدي الإذلال إلى مفاقمة العنف الدولي؟ وكيف يمكن تفسير الطاقة التدميرية بسبب هذا المرض في النظام الدولي؟

يتتبع الكتاب تشكّل الإذلال تاريخيًا في العلاقات الدوليّة، وفي أكثر من مكان، ومن ثم يسعى إلى فهم الصراعات الجديدة الناجمة عن فعل الإذلال وكيف يتسبب في إنتاج ثقافة سياسيّة وعلاقات دوليّة ورؤية للعالم تصنع السياسة الداخلية والخارجية لمن عانى منه.

من بين أمثلة كثير يطرحها، يقف المؤلف عند مرحلة ما بعد انهيار الاتحاد السوفييتي ليقول إن سجّل التوترات الدولية بأكمله -تقريبًا- يكاد ينحصر إمّا بالاعتراف المنشود الذي تسعى له روسيا أو الإذلال المفروض عليها من الغرب، ورغم أن هذا الإذلال لم يكن على شكل حروب مباشرة إلا أن تجليّاته تركّزت في أنماط الحكم والمفاوضات والعلاقات الدبلوماسيّة.

أجبرت روسيا على التخلي عن دورها شريكًا في إدارة شؤون العالم، وهو الدور الذي كانت تتباهى به في فترة الحرب الباردة، وتمحورت سياستها الخارجية بعد العام 1989 حول التفتيش عن مكانة جديدة لتعويض هذه الخسارة في المكانة، إذ لم يقم النظام العالمي باحتضان الاتحاد السوفييتي في أيامه الأخيرة ومن بعده روسيا الجديدة.