"حملة حفتر في ليبيا جزء من لعبة إجهاض الثورات العربية"
يشير المحلل الأمني والعسكري فيصل الشريف إلى تدهور الوضع في ليبيا بعد تدخل اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يرى البعض في تدخله "محاولة للسيطرة على المنطقة الشرقية وتنصيب نفسه رئيسا مؤقتا في ليبيا حتى تستعيد الدولة هيبتها"، بينما يرى الشق الآخر أنه "جاء لضرب الجماعات المتطرفة في ليبيا، التي اشتد عودها وأصبحت الدولة عاجزة عن مقاومتها من أجل أن يكون رجل أمريكا والغرب في ليبيا القادر على إنجاز المهمة، التي قد يجد الجيش الأمريكي نفسه مضطرا للقيام بها إذا تطورت الأمور إلى الأسوأ في الفترة المقبلة".
وأوضح الشريف في تصريح لموقع "قنطرة" أنّ النظام الليبي اليوم غير قادر عسكريا على بسط نفوذه على جميع الأراضي الليبية. وكان اللواء المتقاعد خليفة حتفر شارك في حرب تشاد وتم أسره ثم أطلق سراحه. ويبدو أنه أحد أذرع نظام القذافي وهو يقدم نفسه اليوم باعتباره قائد "الجيش الوطني" و"منقذ" ليبيا من الجماعات الإسلامية، التي يتهمها بالإرهاب وزرع الفوضى. وأكد الشريف أنّ اللواء المتقاعد حفتر له من القوة ولكنه غير مؤهل بمحاولة فرض رؤية خاصة وبسط نفوذه على العاصمة طرابلس ومدينة بنغازي في شرق ليبيا.
إجهاض الثورات
يتحدث المحلل السياسي عدنان الحسناوي عن "لعبة إجهاض الثورات في دول الربيع العربي" مشيرا إلى "تدخل أموال رجال الأعمال ودول معينة إلى جانب نشاط رجال المخابرات". ويوضح أنّ ليبيا في العهد الملكي كانت تضم مؤسسات، ولكن نظام القذافي وبعد أربعين سنة ألغاها تماما وركز النظامَ والولاءَ لشخصه واستغل القبائل وعمل على اضطهاد النشطاء ذوي التوجه الشيوعي والإسلامي.
ويشيرالحسناوي في حديثه لموقع "قنطرة" إلى أنّ الوضع في ليبيا مختلف جذريا عن تونس ومصر قبل الثورات، ولكن بعد الثورات العربية أصبح الوضع مشابها مشيرا إلى تسريب وثيقة من المخابرات الليبية تفيد بضرورة الوقوف في وجه الإسلاميين والحيلولة دون وصولهم إلى السلطة وذلك بنشر المخدرات ورفع الأسعار وبالتالي إرادة تأزيم الوضع وإبعاد الإسلاميين وذلك بطرق مختلفة.
ويوضح أنّ أطرافا موالية للقذافي دخلت صلب القاعدة لتكملة الحرب ضد ثوار 17 فبراير من الإسلاميين، الذين دعا بعضهم إلى محاربة الغرب وتطبيق الشريعة. ويقول الحسناوي: "لم يفهم الإسلاميون الذين حكموا بعد الثورات وخاصة في ليبيا ومصر أنّ الجماعات المسلحة المتشددة ومنها جماعة أنصار الشريعة أخطر على حكمهم من المتطرفين الآخرين"، مؤكدا على وجود أطراف تسعى إلى إعادة النظام السابق إلى السلطة.
من يقف وراء حفتر؟
ويتساءل الخبير الشريف: "من يقف وراء خلفية حفتر ماديا ولوجستيا وعسكريا ويسانده في أداء هذه المهمة؟ ما رأي القوات الغربية ودول الجوار؟ من يقف وراء العملية الديمقراطية في ليبيا وبالتالي عودة نظام عسكري قوي والتصدي للمجموعات الإسلامية في ليبيا؟
لمن يعمل الرجل؟
يؤكد فيصل الشريف أنّ خليفة حفتر ليس من الثوار الذين قادوا الثورة الليبية متسائلا عن مصالح الدول الغربية وعدد من الدول العربية في مساندته ليصبح قادرا عسكريا وتدعيمه في عملية بنغازي ضد كتيبة 17 فبراير في منطقة سيدي فرج من طرف الجيش الليبي مؤكدا على أنّ الأسئلة المطروحة أكثر من الأجوبة المتداولة.
ويتساءل: "لمن يعمل هذا الرجل؟" مشددا على إمكانية وجود استخبارات عربية ودولية تدعم العمل الميداني العسكري الذي ينجزه خليفة حفتر في ظل غياب دولة قوية قادرة على حماية أراضيها من كل تطاول على هيبتها. ويبدى استغرابه من أن يعود خليفة حفتر من جديد وأقوى من ذي قبل ليقود حرباً على الجماعات المسلحة وذلك بعد أن كان قاد قبل فترة محاولة لم تنجح.
تصحيح مسار أم انقلاب؟
"إن ما يحصل في ليبيا ليس تصحيح مسار بل هو انقلاب"، كما عدنان الحسناوي، مشددا على أنّ: "ليس من حق حفتر أن يتدخل في ظل وجود دولة ولو كانت ضعيفة." مضيفا: "من حق الليبيين أن يتمتعوا بالاستقرار ويعيشوا في أمن ولكن ذلك يمكن أن يتم بجلوس كل الأطراف والتوافق على مسار معيّن دون أن يتجاوز أي طرف حدوده ويتعدى على الدولة".
استعداد الجزائر
وقال المحلل الأمني والعسكري: "إنّ الجزائر على أهبة الاستعداد لحماية أراضيها خوفا من تسرّب الجماعات المسلحة بحثا من ملاذ آمن بعيدا عن الحرب". مشددا على أنها متطورة في العمليات الاستخباراتية وكانت تقريبا على علم بهذه العملية العسكرية التي جدت في بنغازي.
ورفعت قوات الجيش الوطني الجزائري والأمن وحرس الحدود بالجزائر حالة التأهب الأمني والاستنفار إلى حالتها القصوى على امتداد الحدود الجزائرية الليبية إثر تفجر الأوضاع في الأراضي الليبية. ويبين الشريف أنّ الخطر يكمن في انتقال العملية العسكرية من شرق ليبيا إلى غربها وفي طرابلس غير بعيد عن الحدود التونسية (طرابلس تبعد 180 كلم عن الحدود التونسية) مشيرا إلى أنّ الكثافة السكانية الليبية في الغرب. وقالت وسائل إعلام تونسية إن تونس قررت إرسال أكثر من 5 آلاف جندي إلى الجنوب التونسي لتعزيز الوحدات العسكرية المرابطة غير بعيد عن الحدود التونسية الليبية.
تداعيات
وأقرّ الشريف بوجود إشكال كبير بالنسبة لتونس يتمثل في تداعيات ما يحصل في ليبيا وهجرة المواطنين الليبيين إلى تونس هربا من الحرب القائمة، مبينا أنّ عدد الليبيين الذين يعيشون في تونس حاليا يصل إلى مليون و 900 ألف وهو ما يطرح وضعية صعبة فعلا.
وأبدى التخوف من هروب الجماعات المسلحة المتشددة إلى تونس سواء بسلاحها أو تدفق السلاح بقوة خاصة وأنّ آخر اجتماع أمني في الولايات المتحدة الأمريكية يوم السابع من مايو الجاري أقرّ بضرورة التدخل العسكري في ليبيا لوقف هذه الجماعات المسلحة والمليشيات القريبة من القاعدة ومنها مجموعة أنصار الشريعة.
وقال وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو :"إن بلاده قررت اتخاذ إجراءات وتدابير استباقية تحسبا لأي طارئ مرتبط بتدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا". بينما وضع الحسناوي سيناريو أولا وهو نجاح حفتر وبالتالي فإن التأثير سيكون سلبيا على تونس من خلال محاولات للامتداد والتنسيق مع السيسي في مصر واستبعد ذلك لبروز معطيات دولية وإقليمية برفض الجزائر لهذا السيناريو.
الفشل والتوافق
وحكم الحسناوي على محاولة حفتر بسط نفوذه بالفشل مستثنيا "تنفيذ اجتياح عسكري من طرف الدول الغربية وإعادة ليبيا تحت الاحتلال ورغم ذلك لا تبدو العملية بسيطة بل معقدة". وقال إن قانون العزل السياسي أفرغ ليبيا من الرجال القادرين على خدمتها وتقريب وجهات النظر في هذه المرحلة الدقيقة من المسار الانتقالي على غرار أحمد جبريل ومصطفى عبد الجليل وغيرهما مطالبا الليبيين الجلوس على طاولة الحوار من أجل إيجاد مخرج لهذه الأزمة ورفض الجماعات المتطرفة التي تريد فرض أجندات بعيدا عن المصلحة الوطنية الليبية مؤكدا على فشل محاولات حفتر.
ويشدد على ضرورة اتفاق الليبيين أخيرا من خلال اتفاق وطني مثلما حدث في تونس، والاتفاق على وضع محاربة الإرهاب أولوية وحماية أمن ليبيا وطي صفحة الماضي وتوسيع دائرة المشاركة السياسية وبناء مؤسسات الدولة.
محمد بن رجب - تونس
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: قنطرة 2014