''الثورة المصرية لن تكون جديرة بلقب ثورة إذا أهمَلت النساء''
كيف تصفين مشاركة المرأة في الثورة في يناير وفبراير الماضيين؟
مارغوت بدران: كان الشباب متواجدين – كما نعرف – منذ البداية، وهذا يعني الشباب والشابات. وعندما سارع أشخاص من كافة الفئات العمرية بالانضمام إلى المظاهرات في ميدان التحرير، شاهدنا خروج الرجال والنساء جنباً إلى جنب. فالجميع نهض، بغضّ النظر عن الجنس أو الديانة أو الطبقة الاجتماعية. أيام الاحتجاج الثمانية عشر في ميدان التحرير، وانتشارها في كل أنحاء مصر كالنار في الهشيم، شكلت لحظة تاريخية من الوحدة الوطنية. لقد كانت هذه ثورة الجميع، وعندما اشتدت الأمور وهوجم المتظاهرون، قاوم الجميع – رجالاً ونساء – على أساس متساو، وتمكنوا سوية من الحفاظ على شعلة النضال. الكل كان يقوم بمهامه باستقلالية ودون مساعدة من الآخر. لم يكن للجندر أي دور في ذلك، حتى تحقق هدف الإطاحة بمبارك.
بعد ثمانية شهور من سقوط مبارك، وبالنظر إلى الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية، بات من الواضح أن بضعة نساء فقط سيدخلن البرلمان.
بدران: نعم. لكن عدد عضوات البرلمان المصري لم يكن كبيراً على مر التاريخ. لذلك لا يشكل هذا، للأسف، تغييراً حقيقياً. وكنا نأمل في أن تؤدي الثورة إلى زيادة عدد النساء في البرلمان. تخيّل لو طابقت نسبة النساء في البرلمان، أو حتى قاربت، نسبة النساء الثوريات اللواتي كن على خط المواجهة! نحن نرى بأنه من الجيد أن تكون النساء ناشطات مقاتلات، إلا أن المساواة في الحقل السياسي شيء مختلف. كل هذا سيتغير، والسؤال هنا هو كم من الوقت تحتاج السياسات الانتخابية لكي تلحق بسياسات النشاط الميداني؟
ما هي التبعات المحتملة لبرلمان ذي أغلبية إسلاموية داخل مصر وخارجها؟
بدران: دعنا أولاً نتطرق إلى ما تعنيه الأغلبية الإسلاموية في البرلمان. إن الإسلامويين، كما تعرف، ليسوا كتلة موحدة، ومروا بتغيرات متسارعة. الإسلامويون يشملون جماعة الإخوان المسلمين، وينظر لها على أنها وسطية وكانت متواجدة لفترة طويلة جداً، وقامت بالاستجابة لاحتياجات غالبية السكان لسنوات عديدة. كما أن الإخوان أعلنوا تأييدهم لدولة مدنية. أما السلفيون – المحافظون المتطرفون – الذين يتبنون سياسة رد الفعل، فقد ظهروا على الساحة بعد سقوط مبارك، وأعلنوا بكل وضوح احتقارهم للإخوان المسلمين لتأييدهم دولة مدنية، ولتعاونهم مع العلمانيين والليبراليين. وقد أظهروا ازدراءهم للمسيحيين.
في الجولة الأولى من الانتخابات فاز حزب "الحرية والعدالة" المنبثق عن الإخوان المسلمين بـ36.6 بالمائة من الأصوات، فيما فاز حزب "النور" السلفي بـ24.4 بالمائة. من المتوقع أن يقوم حزب الحرية والعدالة، الذي يحتل قبطي المرتبة الثانية على قائمته الانتخابية، بالتعاون مع العلمانيين والليبراليين من أجل السعي لإنقاذ الاقتصاد، وتحسين التعليم، وتقديم الكثير من الخدمات الضرورية للسكان. ولن يسعى الإخوان المسلمون لفرض الحجاب على النساء أو حتى لتقييد أدوارهن في المجتمع. بل على العكس، من الظاهر أنهم سيستمرون في تشجيع مزيد من النساء على الانخراط في الحياة العامة، غير غافلين عن أن ذلك قد يصب في مصلحة الإخوان المسلمين. لذلك فالأمر يعود للنساء من أجل الارتقاء بجنسهن وببلدهن. أما بالنسبة للمعاهدات الدولية، فمن المتوقع أن يحترم حزب الحرية والعدالة هذه الاتفاقيات، وهو قد يرغب في إحياء قطاع السياحة، الذي تضرر بشكل كبير في الشهور الماضية.
بوجود أغلبية إسلاموية في البرلمان، ما هو مصير قانون الأسرة المصري المرتكز على الشريعة؟
بدران: عندما فاز حزب النهضة الإسلاموي بالأغلبية في البرلمان التونسي، سئل عما إذا كان سينبذ قانون الأسرة العلماني، الذي يعتبر متقدماً جداً. إجابة الحزب كانت أنه سيحترم هذا القانون. فيما يتعلق بقانون الأسرة المستند على الشريعة الإسلامية في مصر، والمسمى أيضاً بقانون الأحوال الشخصية، فالسؤال هنا ليس ما إذا كان القانون سيتغير، بل عما إذا كانت ستتم مراجعته، وهو المستند على الفقه الإسلامي المحافظ، وإصلاحه، على غرار ما حدث لقانون الأسرة المغربي، المعروف باسم المدوّنة، الذي يستند على أيضاً على قواعد دينية مستمدة من تفسير للشريعة الإسلامية يقوم على المساواة.
التقدميون، سواء المنتمون للتيار العلماني أو الديني، وخاصة الشباب منهم، يفضلون إصلاحاً شاملاً لقانون الأحوال الشخصية المرتكز على الشريعة الإسلامية. لكن ذلك لا يبدو محتملاً في المستقبل القريب، لأسباب تتعلق بالواقع العملي للسياسة. ورغم ذلك فمن غير المعقول أن يظل هذا القانون الأبوي الواضح كما هو، خاصة وأن الأنظمة العلمانية التي دعمته في السابق كانت تهدف إلى خلق حالة من اللامساواة. ففي الديمقراطيات الحقيقية لا يجب أن تقف المساواة بين المواطنين عند الأسرة. اللامساواة المنبثقة عن المصادر الدينية لقانون الأحوال الشخصية تشي بطريقة تفكير أبوية، وهذا ليس "الإسلام الحقيقي" كما يريده الأصوليون. حتى العلمانيون ذوي التفكير الأبوي أبدوا موافقتهم على المضي في هذه المهزلة. لكن في نهاية الأمر، ستلحق مصر بالركب، وسيعمل النساء والجيل الجديد على تحقيق ذلك.
هل أهملت الثورة نساءها؟
بدران: الغربيون يسألونني هذا السؤال كثيراً. الإجابة المقتضبة هي أن النساء هن من يدفعن عجلة الثورة إلى الأمام، وهذا بالطبع ليس سهلاً. من وجهة نظر تاريخية لم تقم الثورات السياسية بإحداث تغييرات جذرية أو سريعة على المستوى الاجتماعي أو الثقافي. لكن مثل هذه الثورات لن تنجح بالنهاية، بل ولن تكون جديرة بلقب ثورة ولن تمهد لديمقراطية حقيقية إذا أهملت النساء، والنساء المصريات وحلفاؤهن الثوريون من الذكور لن يسمحوا بحدوث ذلك. إن القوى المصطفة مقابل بعضها البعض ليست القوى العلمانية في مواجهة القوى الدينية (الإسلاموية)، بل مؤيدو النظام الأبوي مقابل داعمي المساواة. ووصف السعي للديمقراطية بأنه معركة بين العلمانيين والإسلامويين هي وسيلة لإلهاء الرأي العام وتأخير عملية بناء دولة مصرية مبنية على المساواة، إن لم يكن تدمير هذه العملية تماماً.
أجرت الحوار: إليزا بيراندري
ترجمة: ياسر أبو معيلق
مراجعة: هشام العدم
حقوق النشر: قنطرة 2012
مارغوت بدران أستاذة في مركز الأمير الوليد للتفاهم الإسلامي-المسيحي في جامعة جورج تاون، وباحثة في مركز وودرو ويلسون الدولي للبحث بواشنطن. وتجري الدكتورة بدران أبحاثاً حول تاريخ النسوية في مصر والشرق الأوسط، بالإضافة إلى تدريسها ونشر كتب حولها. ومن بين الكتب التي ألفتها "النسوية في الإسلام: نقاط تقارب علمانية ودينية"، و"النسوية، الإسلام والأمة: الجندر وبناء مصر الحديثة". وحالياً تعكف مارغوت بدران على تأليف كتاب حول النساء والجندر (الجنسانية) في الثورة المصرية.