"الألمان أكثر تحفظاً من بقية الأوروبيين تجاه المسلمين"
البروفيسور ديتليف بولاك، هل مخاوف الألمان تجاه المسلمين أكبر منها لدى الأوروبيين الآخرين؟
ديتليف بولاك: المسألة ليست أنهم أكثر خوفاً، فشعورهم بالتهديد ليس أكبر من الفرنسيين والهولنديين أو الدانمركيين. ولكن في الواقع يجب أن نأخذ بعين الاعتبار أنَّ موقف الألمان تجاه المسلمين يعدّ بوضوح أكثر انتقادية وأكثر رفضًا وفيه تحفظات أكثر.
هل يعني هذا في نهاية المطاف أنَّ الألمان أقل تسامحًا من غيرهم تجاه المسلمين؟
ديتليف بولاك: أجل. هم أقل تسامحًا - ويمكن ملاحظة ذلك قبل كلِّ شيء في كونهم أقل استعدادًا من غيرهم للاعتراف للطوائف الدينية الأخرى بحقوق مساوية لحقوقهم.
ضمن أي سياق على وجه التحديد؟ هل تقصد فيما يخص بناء المساجد والعطل الدينية...؟
ديتليف بولاك: أجل…على سبيل المثال. وإذا سأل سائل حول تقبُّل الألمان لبناء المساجد والمآذن أو كذلك حول السماح للفتيات بارتداء الحجاب في المدرسة، فسيتَّضح لنا بوضوح أنَّ الألمان أقل تسامحًا بكثير من غيرهم. على سبيل المثال فإن ثلاثين في المئة فقط من الألمان يتقبَّلون بناء المساجد. بينما تعدّ هذه النسبة في بلدان أخرى أعلى بكثير. كما أنَّ الاستعداد لقبول التنوّع في الممارسات الدينية منخفض نسبيًا في ألمانيا. ولكن هذا يتوازى مع موقف آخر، وهو أن الألمان، على مستوى عام ومجرد للغاية، لا يرغبون في فقدان الإنصاف تجاه الطوائف الدينية الأخرى وفقدان احترامها.
يقدِّم المسلمون في ألمانيا المزيد من الفعاليات الهادفة لتعزيز اللقاءات والحوار مع الألمان، مثل يوم المسجد المفتوح أو الإفطار الجماعي في رمضان. وكذلك ظهور الجمعيات المسلمة وعلى نحو متزايد وبكلّ ثقة بالنفس للمطالبة على سبيل المثال بتحديد عطلات دينية للمسلمين. فهل يحقِّقون من خلال ذلك أي تقدّم؟
ديتليف بولاك: أعتقد أنَّ لديهم فرصة حسنة حين يتعلَّق ذلك بالمطالبة عمليًا بالمساواة أمام القانون. ولكن لا بدّ لنا من مراعاة الجانب الثقافي. وعلى سبيل المثال إذا كان من المفترض الاحتفال بالعطل الإسلامية تمامًا مثلما نحتفل بعيد الميلاد، فعندها سوف نواجه معارضة كبيرة جدًا لدى المواطنين الألمان. وفي المقابل لا تزال الديانة المسيحية مثل ذي قبل مقبولة لدى الناس في ألمانيا وعلى نطاق واسع على الرغم من عدم ذهاب الكثيرين منهم إلى الكنيسة. وفي غرب ألمانيا يرى 75 في المئة من السكَّان أنَّ الديانة المسيحية هي أساس ثقافتنا. وإذا بدأنا في زعزعة هذه النقطة فمن الممكن حينها أن تزداد التحفظات تجاه الإسلام بدلاً من خفضها.
هل ترى أنَّ النقاش الدائر في ألمانيا حول موضوع كراهية الإسلام صريح بما فيه الكفاية؟
ديتليف بولاك: هذا مثل سلاح ذو حدين. يجب بطبيعة الحال نقاش هذا الموضوع بكلِّ صراحة، ولكن يجب ألاَّ يؤدِّي هذا النقاش إلى مزيد من التصعيد. إذ يجب التعامل مع الاستفزازات بحذر. قبل عشرة أو خمسة عشر عامًا تم تجاهل العديد من المشكلات. وفي المقابل صار يجري الآن تناول هذا الموضوع بصورة أكثر هجومية. ولكن إذا بالغ المرء في الاستقطاب، فمن الممكن أن يؤدِّي ذلك أيضًا إلى آثار غير مرغوبة.
هل ينبغي علينا في السياسة اعتماد لغة مختلفة، أكثر حساسة أو أكثر تحديدًا؟
ديتليف بولاك: أفضِّل التحدّث عن اختيار لغة أكثر حساسة. فالمسؤولون في السياسة والمجتمع وكذلك أيضًا في الكنيسة يخضعون لرقابة أكبر من ذي قبل. إذ إنَّ كلَّ كلمة لا تتم دراستها بعناية من الممكن أن تؤدِّي إلى تأجيج الصراع.
حين يوجد رجل دين كاثوليكي يُدلِي بتصريحات قد يُساء فهمها، مثلما صدر مؤخرًا عن رئيس أساقفة كولونيا يوأخيم مايزنر، هل يمكن القول إنَّه قد ارتكب خطأً؟
ديتليف بولاك: نعم بالتأكيد. إذ لا يمكن للمرء ببساطة أن يقف فجأة ويلقي على أتباعه كلمة وهو على يقين من أنَّ الجميع سوف يهتفون ويصفِّقون له. فلا بد من وصول ما يقوله إلى الرأي العام. وما من شكّ في أنَّه لم يكن يريد التعبير عن الإسلاموفوبيا. إذ توجد الكثير من التصريحات الإيجابية التي أدلى بها الكاردينال مايزنر حول المسلمين. فقد مدح تقواهم وإنجابهم الكثير من الأطفال. وكلّ هذا إيجابي بالنسبة له. ولكن كان يجب عليه وبطبيعة الحال الحرص على عدم التمييز بين أهمية الأسرة المسيحية والمسلمة. ولكنه مع الأسف فعل ذلك. لقد كان تصريحه هذا طائشاً للغاية، مثلما اعترف هو شخصيًا بذلك، تصريح غير لبق أبدا.
لماذا تُعتبر الدول الأوروبية الأخرى متقدِّمة أكثر منا نحن الألمان فيما يتعلَّق بموضوع التعايش بين الأديان؟
ديتليف بولاك: أعتقد أنَّ السبب الأساسي يكمن في أنَّ النقاش حول موضوع الاندماج ومشاكل التعايش بين السكَّان الأصليين والمهاجرين قد تم طرحه هناك في مرحلة مبكِّرة وبشكل مباشر - وقد تم ذلك في هولندا بصورة واضحة كلَّ الوضوح، وكذلك الحال إلى حد ما في الدنمرك أيضًا. هناك بالطبع كانت توجد صراعات تصاعدت أكثر بكثير مما هي عليه في ألمانيا، ولذلك فقد كانت الحاجة هناك أكبر من أجل معالجة هذه المشكلات. ومن وجهة نظري لقد تحسَّنت ثقافة النقاش في ألمانيا أكثر. ولكنها حتى الآن لم تتقدَّم بمثل تقدم بلدان أوروبية أخرى.
قبل بضعة أعوام دار جدل ساخن في السياسة الألمانية حول ما يسمى "الثقافة الرائدة". وكان المقصود بطبيعة الحال هيمنة الثقافة المسيحية الغربية. فهل تطالب الآن بإعادة طرح هذا النقاش - وتحت رعاية إسلامية؟
ديتليف بولاك: أعتقد أنَّ هذا خطير للغاية. إذ يجب علينا أن نتعامل بجدية مع مثل هذا الفهم الثقافي المحدَّد ومثل هذا الشعور بالوطن وكذلك الشعور بالانتماء. وعلى الصعيد الثقافي توجد لدى الكثيرين مشكلات مع رؤية الإسلام بوضوح، بحيث أنَّ المرء لا يعد قادرًا على فهم ذاته باعتباره منتميًا إلى ثقافة ذات طابع مسيحي. ولا بد لنا من احترام ذلك.
إذ إنَّ الناس يشعرون في العادة أنَّهم في حالة جيدة أكثر عندما يكونون مع أشخاص يشبهونهم. وأنا أميل إلى محاولة التعامل مع ذلك بجدية أكثر من الميل إلى إعادة الخوض في نقاش حول الثقافة الرائدة وجعل ذلك تعددية ثقافية. وإلاَّ فسوف يأتي ذلك بتأثيرات معاكسة - بحيث سيحاول المرء الدفاع بشدة أكثر عن ثقافته الخاصة.
حاوره: شتيفان ديغي
ترجمة: رائد الباش
تحرير: علي المخلافي
حقوق النشر: دويتشه فيله/ قنطرة 2014
ديتليف بولاك أستاذ علم الاجتماع الديني في جامعة فيلهلم فيستفاليا في مدينة مونستر الألمانية. وفي عام 2010 قدَّم دراسة نالت استحسانًا كبيرًا حول موضوع التنوّع الديني في أوروبا. وقد صدرت هذه الدراسة في كتاب تحت عنوان "حدود التسامح" عن دار نشر شبرينغر في مدينة فيسبادن الألمانية، تحت رقم الإيداع:
ISBN 978-3-531-18678-8.