"رواياتي لا تكتب فضائح جنسية، بل تنحاز لبطولات المهمشين"

فازت رواية الكاتب السعودي عبده خال "ترمي بشرر" بجائزة البوكر العربية لعام 2010، وهى رواية تمثل مواجهة بين عوالم الثراء الفاحش والفقر المدقع ووصف للتداخلات بينهما. لؤي المدهون حاور الروائي السعودي عبده خال، الذي تعتبر أعماله الأدبية علامة فارقة في المشهد الأدبي السعودي، حول أبعاد فوزه بالجائزة والاتهامات الموجهة إلى كتاباته بتشويه قيم المجتمع السعودي.

الكاتبة ، الكاتب: لؤي المدهون

​​ ماذا يعني الفوز بجائزة "البوكر" العربية بالنسبة إليك وبالنسبة إلى الأدب الخليجي بصورة عامة؟

عبده خال: في الحقيقة يشكل هذا الفوز قفزة نوعية للرواية الخليجية، التي عانت من التجاهل ردحا من الزمن وكأن الإبداع الأدبي مقصور على العواصم العربية التقليدية، خاصة وأن كثير من العاملين في حقل الأدب العربي تناسوا حقيقة مهمة وهي أن التجربة الإنسانية، التي عاشها الخليجيون عبر تاريخهم العربي والإسلامي والإقليمي حافلة بانجازات عريقة، فهم سيطروا على الطرق البحرية الرابطة بين آسيا وأفريقيا، علاوة على مساهماتهم في حفظ حدود الأمة العربية.

هل يعني ذلك أن فوزكم بالجائزة يعيد الاعتبار للأدب في الخليج...

عبده خال: نعم، يمكن القول إن الفوز بجائزة البوكر كسر احتكار ما يسمي بالمركز في الثقافة العربية، رغم أنني أرى أن تقسيمات المركز والأطراف لا تليق بثقافة عريقة ومتكاملة مثل الثقافة العربية، التي ينبغي النظر إليها من منظور شمولي. فالفوز بجائزة أدبية مرموقة ليس فوزا لرقعة جغرافية معينة. هذا التفكير يساهم في تهميش المبدع العربي وهو تعبير عن تشرذم اللغة العربية.

الإبداع الحقيقي ليس له علاقة بالمركز والأطراف. كما أن التجربة الإنسانية باختلاف أقاليم الخليج والجزيرة تستحق إعادة الاعتبار إليها وعدم تجاهلها، خاصة في ظل العولمة الجارفة في وقتنا الراهن، الذي يشكل الخليج فيها نقطة الارتكاز العالمي. أنا أفضل في الواقع عدم الاقتصار على تكريم المركز الأول في جائزة البوكر، بل الإشادة بالراويات الخمسة الأولى المرشحة للفوز بالجائزة، حتى وان كان الأمر يتعلق بمبالغ رمزية، لأن لها تأثر معنوي كبير ايجابي كبير على الكاتب.

أول نسختين عربيتين لجائزة البوكر حصل عليهما أدباء من مصر هما بهاء طاهر ويوسف زيدان، هل تتوقع أن تخضع الجوائز الأدبية الهامة للمحاصصة في المستقبل؟

عبده خال: باعتقادي أن الرواية الخليجية الناهضة تستحق جوائز خاصة فيها بعيدا عن المنافسة والتزاحم العربي. فلقد عشنا دهرا ونحن نرصد تجارب إخواننا العرب ونستقي أدبهم ونحفظ تواريخهم. وآن الأوان لبعض الاستقلال الثقافي للخليجيين بواسطة فصل جائزة بوكر الخليجية عن العربية وحتى الجوائز الأخرى وليس ذلك انتقاصا من الأدب العربي. لكن إعطاء الأدب العربي الخليجي فرصة للتعبير عن تجربته الإنسانية والنمو في بيئة تنافسية خليجية خليجية، خاصة وأن المبادرة الإعلامية والسياسية والاقتصادية جعلت الخليج هو مركز العالم العربي في الحقيقة ومن الخطأ تجاهله ثقافيا.

قوبلت روايتك "ترمي بشرر" بانتقادات حادة، واتهمها من قبل بعض المتدينين بتشويه قيم المجتمع؟ هل تتفهم هذا النقد الحاد الذي يركز على لغة الرواية المستفزة؟

عبده خال: من الطبيعي جدا أن يكون تقييم رواية تعالج ظواهر اجتماعية محل اقتسام واختلاف بين النقاد. لكن على الروائي تقبل النقد كما يتقبل المديح. فالرواية ليست مقالة وأنا أتقبل النقد، لكن نقد العمل الروائي يحتاج إلى تجربة في القراءة تستطيع التعامل مع المادة الروائية المركبة، التي تصف جملة من التشابكات الحياتية في المجتمع السعودي. الإشكالية الحقيقية تبدأ دائما عندما يمسك النقاد بخيط واحد من خيوط الرواية ويتم نسيان الأصوات الأخرى وهذا ما أعتبره نقصا في تجربة القراءة الروائية.

وما هو ردك على من يقول بأن الرواية حققت نجاحا ولاقت اهتماما كبيرا لأنها تميل إلى الفضائحية الجنسية؟ ​​

عبده خال: لا أدري لماذا تم حصر الرواية في هذه الخانة. نعم الرواية لا تستطيع التخلص من فضائها، خاصة عندما تتحول إلى رمز يملك القدرة على فضح ازدواجية المجتمع، ويبحث عن هامش أكبر للحرية. بعض الانتقادات غير المبررة الموجهة للرواية تشكل في نظري محاولة لإسقاط الرواية السعودية، فالدين والسياسة والجنس يشكل جزءا لا يتجزأ من مثلث المحرمات (التابوهات)، ولا تستطيع أي رواية تجنبه.

ماذا تعني لك "الفضائحية الجنسية"؟

عبده خال: عذرا، هذا كلام مقاهي... ما المقصود بالفضائحية في العمل الأدبي؟ على الناقد أن يقول بوضوح: هل هذا التجسيد الروائي مبرر أم لا.

روايتك "ترمي بشرر" تسلط الضوء في المقام الأول على الطبقات المهمشة في المجتمع السعودي وتتجنب الشخصيات الرسمية؟ هل تهدف من خلال ذلك توجيه النقد إلى ظواهر اجتماعية معينة؟

عبده خال: المهمش بالنسبة لي هو كل شخص لا يستطيع التعبير عن نفسه في المجتمع، وهذا ليس له علاقة بالسلطة أو الثراء. رواية "ترمي بشرر" تمثل مواجهة بين عالم الثراء الفاحش والفقر المدقع ووصف للتداخلات بينهما. ليس الثراء نعمة دائمة وليس الفقر نقمة دائمة، الرواية تصور كل هذه الأطراف. وفي الواقع يستطيع كل شخص أن يرى فيها ما يريد: جماليات أم فضائحيات!

ماذا تعنى لك الجائزة شخصيا وما مدى أهميتها في مشوار الأديب بشكل عام؟

عبده خال: شخصيا تحقق هذه الجائزة حلما كبيرا وهو نقل أعمالي الأدبية إلى لغات العالم، لأنني أكتب من أجل الإنسان وأؤمن أن أحلام عواطف البشر تتطابق في كل الثقافات والمجتمعات. أما بالنسبة للكاتب فهي تأكيد على قدرته التنافسية وإمكانية خروجه من نطاق المحلية ووصوله إلى العالمية.

أجرى المقابلة: لؤي المدهون

حقوق النشر: قنطرة 2010

الكاتب السعودي عبده خال يعد من أهم الأصوات الأدبية في المملكة العربية السعودية. في عام 1982، حصل عبده خال على شهادة البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة الملك عبد العزيز في جدة. ثم أصدر مجموعة من الأعمال الأدبية، ففي مجال القصة أصدر "حوار على بوابة الأرض" 1984، "لا أحد"، 1986، "ليس هناك ما يبهج" 1988، "حكايات المداد" قصص للأطفال 1994، "من يغني في هذا الليل" 1999، "الأوغاد يضحكون" 2002. أما في مجال الرواية فقد أصدر عبده خال رواية "الموت يمر من هنا"، الصادرة عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بيروت 1991،"مدن تأكل العشب" عن دار الساقي، لندن 1998، "الأيام لا تخبئ أحدا" عن دار الجمل، ألمانيا ‏2000، "الطين" دار الساقي 2002، "نباح" منشورات دار الجمل 2003، "ذلك البعيد كان أنا" عن دار الساقي، "فسوق" 2005. بالإضافة لروايته "ترمي بشرر" الصادرة عن منشورات دار الجمل..